بولس الخوري *
لم تزل الفلسفة تُطرح في الأوساط والنخب العالمية المثقفة كإشكالية يراوح التعامل معها بين القول بالحاجة الدائمة إليها مهما تعاظمت التحولات التي يشهدها الإنسان والعالم، والقول بزوالها وانتهائها في ظل الاكتساح الهائل الذي أحدثته التطورات التقنية والعلمية والمعلوماتية

إذا كان العجب أوّل التفلسف، فلم يعد التفلسف يقتصر على ذوي الاختصاص. فقد يأخذ العجب أيّاً كان لكثرة ما يثير الدهشة، ولشدّة استغراب أن تكون الأشياء بدلاً من أن لا يكون شيء. وفي العجب شيء من الشكّ يثيره ما لم يكن متوقَّعاً في الأشياء. هذا الشكّ الأوّليّ يعني المساءلة والبحث عن جواب يزيل الشكّ. وقد يستمرّ الشكّ حتّى النهاية متى استعصى الجواب وامتنع العثور عليه.
والشكّ قد يصير إلى طلب التيقّن من الحقيقة. منهم من جعل الحقيقة هي اليقين. ومنهم من جعل اليقين في الذاتيّة أي في طلب الأمان، وجعل الحقيقة موضوع بحث لا ينتهي. ذلك أنّ الباحث، إذ جعل نفسه منفصلاً عن الموضوع، لا يرى سبيلاً يجعله يلامس موضوعه. فمَن طلب اليقين صار عقديّاً وثوقيّاً دوغمائيّاً، فظنّ أنّ في إمكانه التغلّب على الشكّ والحصول على حقائق. ومن طلب الحقيقة ظلّ متشكّكاً ظنّاً منه أنه ليس من جواب عن أيّ سؤال، وأنّ الحقيقة لا تدرَك، إذ يمتنع على الباحث ملامسة موضوعه. فالحقيقة ممتنعة المنال، وهي موضوع بحث لا أمل في نهايته. فطالب اليقين آمِن، وطالب الحقيقة قلِق حائر. لكن ثمّة موقفاً وسطاً هو مزيج من عقديّة وتشكيك، هو موقف النسبيّة على أنواعه. ولكلٍّ أن يختار موقعه: إمّا التغلّب على الشكّ والتأكيد الثابت، وإمّا الوقف أي الامتناع عن إطلاق الأحكام، واللامبالاة، والاقتصاد في الكلام أو الصمت، وعدم الاضطراب، وعدم الانفعال، والسكينة، وفي النهاية السعادة.
والتفلسف، بما هو بحث يسعى إلى جواب عن السؤال المطروح، يمكن القول إنّه تفكّر، والجواب إذا وُجد يمكن القول إنّه فهم. فيكون التفلسف في ذاته تفكّراً من أجل الفهم. لكنّ فعل التفكّر هذا يتميّز من غيره بأمرين. أوّلهما أنّ التفلسف يطمح إلى أن يكون تفكّراً من غير مسبقات وأنه لا يلجأ إلاّ إلى الوسائل الطبيعيّة للمعرفة. وثانيهما أنّ التفلسف يكتمل متى صار خطاباً مترابطاً في ما أثار العجب ودفع إلى البحث حتّى الفهم.
التفكّر من دون مسبقات يعني العزم على التفكّر في الأشياء، لا في ما قيل فيها. ويعني ذلك ترك الأحكام المسبقة، النظريّة منها والإيديولوجيّة والدينيّة والثقافيّة.
والتفكّر في الأشياء من دون مسبقات يعني الاكتفاء بوسائل المعرفة المتاحة طبيعيّاً. وهي أوّلاً الحواسّ ومعطياتها. وهي ثانياً التصوّرات والأحكام التي ينتجها ما يسمّى العقل.
لكنّ الحواسّ والعقل لا ينفصل بعضها عن الآخر. فكما يعتبر الإنسان نفساً وجسداً، كذلك المعرفة يتلازم فيها المحسوس والمعقول. ففي البدء يكون المعطى الحسّيّ، يلازمه تأويل هو من فعل العقل، فيتكوّن موضوع المعرفة. ثمّ تكتمل المعرفة بمفاهيم تحدّد الموضوع وبأحكام واستنتاجات منطقيّة مترابطة تجعل العارف متيقّناً بأنّه قد أدرك الأشياء على ما هي في ذاتها. واليقين له وجه ذاتيّ هو الأمان، ووجه موضوعيّ هو إدراك الحقيقة.
ثمّ يأتي التعبير المترابط عن الفهم والإدراك. ترابط الخطاب بمعنى أنه لا يخالف آخره أوّله، فلا يتناقض. ويفترَض في ترابط الخطاب أنّه صورة عن ترابط الأشياء، أي التوافق بين التفلسف وموضوعه.
هذا ما ينشده التفلسف. والسؤال هل يمكن التفكّر من دون مسبقات؟ وهل يمكن الركون إلى الحواسّ وإلى العقل؟ وهل يكون الخطاب فعلاً صورةً عن موضوعه؟
لا غرو أنّ الروح النقديّة تمكّن من مساءلة الأفكار والتصوّرات للتأكّد من صحّتها. لكنّ قليلاً ممّن فكّر أخضع تصوّراته للمحاسبة. حتّى الذين قاموا بالمساءلة وبإثبات رأي خاصّ، اضطُرّوا لذلك إلى الاستناد إلى المسبقات التي حاولوا تركها. فاللغة التي يستعملونها طوعاً أو كرهاًَ تحمل مفاهيم ومعتقدات لا يمكن التخلّص منها. فاللغة الحاملة للأفكار والقيَم والمعايير والمؤسّسات والعادات وغيرها تبدو هي الأساس لكلّ محاولة تجديد وإعادة تأسيس.
ثمّ، في العلاقة بين الكون والمعرفة، قد يصحّ القول إنّ الواحد من الناس يعرف كما هو، أي إنّ كيفيّة المعرفة مشروطة بكيفيّة الكيان. ومعلوم أنّ الفرد تكوّنه الظروف الاجتماعيّة، ولا يمكنه أن يكوّن نفسه بنفسه. ثم قيل إنّ الإنسان حيّ ناطق، أي إنّه، من حيث هو يطلب المعرفة، ذو حواسّ وعقل. ومعلوم أنّ الحواسّ ليست بالنوعيّة نــــــــــفسها عند جميع الناس. ومن البيّن أنّ العقــــــــــل في أيٍّ من الناس إن هو إلاّ صورة محدودة عن العقل الكلّيّ. ثمّ إنّ الحواسّ قد تخطئ، كما يحدث أن يتيه العقل. وذلــــــــك بفعل التخيّل والأحكام المسبقة والأهواء.
أمّا الخطاب، فلأنّه يبدو مترابطاً، يغلق المتفلسف على ذاته ويوهمه أنّه قد أدرك موضوع تفكّره الفلسفيّ. جُعل القول للتعبير عن التفكّر وعن الأشياء التي هي موضوعه. لكنّ الكلمات قد تنتظم وتصير هي الأشياء. يمكن التأكّد من ذلك بالبحث في المعجم عن معنى كلمةٍ ما. فيقودك المعجم من تحديد إلى تحديد حتّى يعيدك إلى الكلمة التي انطلقت منها. ثمّ يعلم الجميع أنّ الكلام غالباً ما لا يدلّ على الأشياء، في حال تعمّد الكذب.
فإذا كان الإنسان في وضعيّته على هذا النحو، فكيف التأكّد من أنّ التفكّر الفلسفيّ بلغ اليقين الذاتيّ والحقيقة الموضوعيّة؟ منهم من قال بإمكان التأكّد من إدراك الحقيقة والتيقّن منها، وهم العقديّون، ومنهم التجريبيّون أو المادّيّون، ومنهم العقليّون أو الروحانيّون. في مقابل العقديّين ثمّة أصحاب النسبيّة وأصحاب التشكيك والتفحّص وأصحاب العدميّة. تجدر الإشارة إلى أنّ هذا التصنيف لا يراد به حشر كلٍّ من الفلاسفة في دائرة مغلقة. فقد يكون صاحب النسبيّة أو التشكيك أو العدميّة عقديّاً متى وضع موقفه عقيدةً أكيدة. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ كلّ متفلسف يدّعي، صريحاً أو ضمناً، أنّ ما وصل إليه هو هو الحقيقة النهائيّة، وأنّ ما خالفه إن هو إلاّ خطأ وباطل. هذه النزعة إلى الظنّ بامتلاك الحقيقة تظهر خصوصاً عند صانعي الأنظومات الفلسفيّة. لذا كان الأحرى بنا أن نذكر بعض الفلاسفة النموذجيّين، لنقف على تصوّرهم ماهيّة الفلسفة من خلال وصف طريقتهم في التفلسف.
يقول أفلاطون إنّ التعجّب هو أوّل التفلسف. فكان سقراط، كما صوّره أفلاطون، المُسائل بامتياز. فمساءلته eirônia تهدف إلى تفحّص ودحض élegkhos ما يُظنّ أنّه علم ومعارف. ثمّ في مرحلة ثانية، يقوم سقراط باستخراج الحقائق الدفينة في العقل maïeutikè. ويقول أفلاطون إنّ هذا الاستخراج يدلّ على أنّ العقل يتذكّر anamnèsis بواسطة الاستنطاق ما كان قد سبق أن عرفه. لكنّ سقراط، فيما كان يقول إنّه لا يعرف سوى أنّه لا يعرف، كان يؤكّد أنّه يعرف ما تذكّره المتحاور معه. فكانت إذاً هذه الحقائق نتيجة توافق أو اصطلاح على أنّها حقائق. ثمّ إنّ أفلاطون، الذي صار إلى القول بالمثُل، ساوره بعض الشكّ في ذلك. وفي بعض التنظيرات نراه يلجأ إلى سرد أساطير، ممّا يدلّ على أنّ التفكّر الفلسفيّ تارةً يؤكّد وتارةً يشكّك ويسائل نفسه.
وأرسطو أيضاً يقول إن العجب أوّل التفلسف. وممّا يلفت الانتباه أنّه خصّص مقالةً من المقالات المجموعة تحت عنوان الميتافيزيقا أودعها تساؤلات مربكة حار في الجواب عنها، هي المقالة الموسومة بحرف الباء، وذلك على الرغم من أنّه أكّد حقائق كثيرة صارت من بعده عقائد عند من دان بها.
في العصر الحديث، ديكارت سلك طريق الشكّ وجعله المنهج الوحيد المؤدّي إلى بلوغ الحقيقة، ذلك أنّه يرى الحقيقة إنّما هي ما لا يمكن التشكيك فيه، فجعل بذلك الحقيقة مرادفةً لليقين. فكان أن ترك جميع ما تعلّمه من قبل، وتوقّف عند حقيقة أكيدة، هي أنّه موجود إذ إنّه يفكّر ويشكّك cogito ergo sum. وعلى هذا الأساس بنى عمارة فلسفته، مركّزاً على وجود الله وبقاء النفس. لكنّه أقرّ بأنّه لا يرى كيف يكون اتّحاد النفس والجسد في الإنسان. ولم يتبادر إلى ذهنه أن يقول، كما قال لايبنيتس Leibniz، إنّ الجسد هو روح آنيّ أي مفتقر إلى الذاكرة. ثمّ إنّ النزعة الرياضيّة في تفكيره كان من شأنها أن تخرج الأنا والعالم من الوجود الواقعيّ، لكون الهندسة وغيرها من العلوم الرياضيّة تنبني على أساس مفاهيم مجرّدة.
حالة كانط نموذجيّة. فهو كان عقديّاً، حتّى أفاقه فكر هيوم من سباته. فصار تفكيره ومنهجه هو النقد والتمييز. شكّك في إمكان إثبات الحقائق الميتافيزيقيّة لأنّها انقطعت عن عالم التجربة، فجعلها مسلّمات أو مقتضيات يقتضيها واقع الفريضة الأخلاقيّة. أقرّ بأنّ أوّل المعرفة الإحساس، ثمّ أدخل ما سمّاه الأشكال القبْليّة من مكان وزمان، تلبيةً لاقتضاء شرط إمكان أن يكون للمعرفة موضوع.
ومن بعد أقطاب المثاليّة الألمانيّة، قام هوسّرل بمحاولة شبيهة بمحاولة ديكارت، آخذاً التشكيك أو الوقف عن المشكّكين اليونانيّين القدامى، وعازماً على مقاربة الأشياء نفسها. فنتج من اختزال أوّل جوهريّ إدراك جوهر الأشياء. ونتج من اختزال ثانٍ تحليل التوافق بين القصد والمقصود. ونتج من اختزال ثالث صوَريّ وقبليّ transcendantal جعل الأنا الصوَريّ Ego transcendantal يضفي معنىً على الأشياء، بل وجوداً. بذلك دفع المثاليّة إلى أقصى حدودها.
فقام هايدغر، انطلاقاً من ظواهريّة هوسّرل، بعكس المعادلة بين الأنا والوجود. فكان سؤاله أوّلاً: ما هو معنى الكون أو الوجود، وثانياً، ما هو الكون أو الوجود في ذاته. فحاول أوّلاً أن يقارب الكون Sein بتلازمه مع الكائن البشريّ Dasein، فكان كتابه الشهير «الكون والزمان» Sein und Zeit. وفي مرحلة تالية، شاء أن يقارب الكون في ذاته، فأخذ يطلق عليه تسميات، منها الانكشاف، وامتلاك الذات Ereignis، والعطاء es gibt.
يمكن تصنيف الفلاسفة العقديّين فئتين. فمنهم، نظير ديكارت وهوسّرل، من حاول بناء العمارة الفلسفيّة على أساس جديد. ومنهم، نظير سبينوزا وهيغل، من حاول إنشاء عمارة فلسفيّة في هيئة أنظومة شاملة.
أمّا رفض العقديّة، فيتميّز بتركه اليقينيّات المطلقة كما احتكار الحقيقة. ظهر هذا الموقف عند السوفسطائيّين في زمن سقراط. فيقول بروتاغوراس: «إنّ الإنسان هو مقياس جميع الأشياء، الموجودة وغير الموجودة». ويقول أيضاً: «الأشياء هي لكلّ إنسان كما تظهر له». ويقول أيضاً: «لا أدري هل الآلهة موجودة ولا كيف تكون». فقد يجيبه أفلاطون إنّ الإله هو مقياس كلّ شيء. موقف السوفسطائيّين موقف التردّد في شأن الحقيقة، وموقف الحذر من ادّعاء وسائل المعرفة عند الإنسان بلوغها إدراك حقيقة الأشياء إدراكاً يقينيّاً.
موقف التردّد هذا طوّره وتميّز به بيرّون، منشئ مذهب التشكيك والتفحّص عند اليونانيّين القدامى. فهو أوّل من قال بالوقف épokhè، وقد أخذ عنه هوسّرل هذه اللفظة بأحد معانيها. فالوقف يعني الشكّ والامتناع عن إطلاق الأحكام، لتعذّر معرفة ما هي الأشياء في ذاتها: فقد تكون كذا أو كذا من دون تفضيل، فهي لا تكون بالأحرى كذا. هذه الصيغة «ليست الأشياء بالأحرى كذا» oû mâllon تؤدّي إلى الامتناع عن القول وإلى عدم الاضطراب في ما خصّ النظريّات. أمّا في ما خصّ الحياة، فالسلوك بحسب الظواهر والعادات. وفي ذلك السعادة.
في القرن الثامن عشر، قام هيوم بشيء يقرب موقف بيرّون. إلاّ أنّه لا يشكّك في معطيات الحواسّ. وهو يحلّل على هذا الأساس المفاهيم المعرفيّة، ومفاهيم الأهواء والانفعالات، ومفاهيم الأخلاق.
باختصار يمكن التمييز بين الطرائق في التفلسف: إمّا إيثار الذات على الموضوع، وإمّا إيثار المعنى على الواقع، وإمّا إيثار الكلمات على الأشياء. فالذاتيّة منذ ديكارت. والمعنى في علم التأويل. والكلمات منذ أوكّام Occam ومذهب الاسميّة. فتضخّم الذاتيّة أدّى إلى الأنا الصوَريّ Ego transcendantal. وعلم التأويل يُعنى أساساً بإدراك معنى نصٍّ ما، ويمتدّ إلى معنى ما يعتبره مثيلاً للنصّ من سلوك وحادث وكائن. والمعنى المقصود يشمل معنى النصّ موضوع التأويل والمعنى الذي يضفيه عليه المتأوّل. على هذا النحو طرح هايدغر معنى الكون قبل أن يحاول تسمية الكون.
أمّا في ما خصّ الكلمات، فهو أوكّام، بمذهبه الاسميّ، الذي شقّ الطريق. وتبعه مذهب الوضعيّة المنطقيّة وفلسفة الكلام. في هذا المجال، معروف ما أُطلق عليه تسمية «الموسى» rasoir ونُسب إلى أوكّام. فكما أنّ الموسى تزيل الشعر الذي لا ضرورة في وجوده، كذلك يريد أوكّام إثبات مبدأ الاكتفاء بمعرفة الأشياء بفرادتها وترك ما لا حاجة إليه في مجال المعرفة من تنظيرات تقول بكيان المفاهيم الكلّيّة universalia. هذه المفاهيم يماثلها أوكّام بالإحساس. فلدينا إذاً مذهب التجريبيّة ومذهب التشكيكيّة، مفادهما الامتناع عن تكثير الكيانات حيث لا أساس لذلك في مجال التأكيدات الميتافيزيقيّة. ويبدو أنّ هذا الموقف وقفه أصحاب ما سمّي الفلسفة التحليليّة في شكل الوضعيّة المنطقيّة وفي شكل تحليل الكلام. تقوم مهمّة هذه الفلسفة بالتحاشي عن مغالطات اللغة، ما يقتضي التحقّق من كون الكلمات تدلّ فعلاً على معنى، أي تتوافق مع حقائق اختباريّة محقَّقة.
حاصل الكلام أنّ جميع من يدّعون أنّهم يخالفون العقديّة نراهم يتركون بعض العقائد ويحتفظون ببعضها الآخر. وحده بيرّون وأتباعه خالفوا العقديّة كلّيّاً وبقوا على تشكيكهم، غير منحازين لأيٍّ من العقائد المتقابلة. فالوقف الذي وقفه بيرّون كان في آخر المطاف كما كان في أوّله.
فمذهب الارتباك والتردّد ــ وقد تطلَق عليه عبارة «وما أدراك!»، يماثلها قول مونتاني ?Montaigne : Que sçay-je ــ عليه أن يقوم بالوقف والتشكيك والتفحّص والتحقّق في جميع أقسام الفلسفة ومفاهيمها وتنظيراتها، من ميتافيزيقا وإلهيّات وأخلاق وأنتروبولوجيا، ذلك أنّ أيّ مفهوم أو تنظير في هذه الأقسام إنّما هو حكماً موضوع تساؤل فلسفيّ. ولعلّ هذا ما يعنيه القول المأثور: العيش أوّلاً ومن بعدُ التفلسف. والصيغة اللاتينيّة الأصليّة تقول:primum (prius) vivere, deinde philosophari. وإذا أخذنا كلمة deinde وفصلنا جزءيها الواحد عن الآخر، صار لنا de-inde، وأمكن إذّاك ترجمة القول: العيش أوّلاً، وانطلاقاً من ذلك التفلسف. فيكون معناه أنّ على التفلسف أن ينطلق من الحياة وأن يكون موضوعه الحياة.
* باحث وكاتب لبناني