زياد سعيد
لم يكن للتشاور اللبناني ـ اللبناني أن يفضي إلى نتيجة، لأن لبنانية العناوين التي استدعته لم تكن كذلك إلا بمقدار. ولأن الأمر كذلك، فإن النتيجة السلبية التي أسفرت عنها الجلسات كانت أكثر من متوقّعة.
لعلّ واحدة من مآسي الوضع اللبناني المأزوم، أن ليس بين عناوين التأزم الراهن ما يتصل بالأسئلة الاقتصادية والاجتماعية. فالأسئلة، كل الأسئلة، تكاد أن تنحصر في عناوين ذات صلة بالصراع على السلطة حصراً. التدقيق في عناوين الصراع على السلطة يظهر أن جوهرها الوحيد أنه صراع خيارات كبرى مرتبطة بالهجمة الأميركية المستمرة. وبناءً عليه، فإن أدوار بعض «اللبنانيين» لا تعدو في جوهرها ونتيجتها أن تكون جزءاً من العدوان المعلن على المنطقة.
إذا كان صحيحاً أن لا وطنية من دون ديموقراطية، فإن الصحيح أيضاً أن لا ديموقراطية من دون وطنية. أصحاب «الأكثرية» ما فتئوا، يعملون على إقامة التعارض بين الأمرين.
ستواصل قوى الأكثرية جهدها الذي بدأته يوم استولت على كامل السلطة، للتعمية على حقيقة الاشتباك السياسي القائم في البلد، وستبقي على محاولات الإيهام بالأسباب اللبنانية لمواقفها، إلا أن الصراحة تقضي القول إن الجهود هذه باتت من غير ذي معنى. فالأحداث التي سبقت وأعقبت الإمساك بمقاليد القرار السياسي، وفي طليعتها العدوان الإسرائيلي على لبنان، قد كشفت معظم الأوراق، وأبرزت طبيعة ومتانة الارتباط بالمشروع الأميركي. الاشتباك السياسي القائم في البلد يتصل اتصالاً وثيقاً بالأهداف الأميركية الرامية إلى ربط لبنان بالمحور العربي الذي تقوده. ومع ذلك، فإن قوى السلطة لم ولن تتراجع عن تقديم نفسها بوصفها صاحبة مصلحة في بناء الدولة، لأنها لا تملك ما تقول أو تفعل لتبرير هذا الإمساك بالسلطة.
إذاً، فالصعوبة التي أعاقت «التحاور» سابقاً، وأفشلت «التشاور» لاحقاً، سببها أن الخلاف اللبناني الظاهر امتداد للحرب التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية ضد المنطقة، ولأن الأمر هو كذلك يصبح مفهوماً ألّا يسفر التشاور اللبناني عن نتيجة.
لقد سقطت الموجبات الداخلية التي أقامت حكومة فؤاد السنيورة، ومعها سقطت المبررات الواهية التي منحتها سابقاً بعض القانونية وبعض الشرعية، ومع ذلك فإن الإصرار يستمر على حاله، ولا مكان للآخرين، ربما لأن وطنية الآخرين لم تنل بعد الرضا الأميركي، المحصور وحتى إشعار آخر بالفريق الأكثري.
ما سبق يقودنا إلى القول إنه لا يمكن للقراءة، أي قراءة، أن تنهض وتستقيم إن لم تتوقف عند محطة العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان. فالعدوان هو مبتدأ وخبر الواقع السياسي الراهن.
صحيح أن الرهان الأميركي على المقدرة الإسرائيلية لم يؤت ثماره المرجوة، غير أن المقدرة الفائقة التي أبداها الفريق اللبناني التابع جعلت منه موضع احتفاء حقيقي. إن الحرص الأميركي والغربي على رفض سقوط حكومة السنيورة نابع من تثمين هذا الدور الكبير، الذي لولاه لما كان ممكناً إصدار القرار الدولي 1701. ففي ظل الواقع الميداني الحاسم الذي فرضه صمود رجال المقاومة، والقدرة على جعل العمق الإسرائيلي مهدداً، ما كان ممكناً للمستوى السياسي أن يرقى إلى تحقيق ما تحقّق لولا جهود حكومة فؤاد السنيورة والفريق اللبناني والعربي الذي تُمثل، والذي أثمر ما أثمر من قرار دولي جعل من كامل لبنان ساحة مفتوحة للقوى التي شاركت في العدوان وغطّته.
تنحصر طموحات «الموظف» العادي، في ألا يخسر الوظيفة، فالوظيفة عنده معادلة للوجود، لذا تراه مطيعاً لسيده، منفذاً لأوامره. تقلب الأحوال وتبدل الوصايات لا يعدمان الموظف وظيفته الباقية إلى أن تقضي المعارضة أمراً كان مفعولا.
خلاصة القول إن حقيقة الأزمة وأسبابها كامنة في كون الفريق الأكثري أكثريةً ذات طابع دولي صميم.