خورشيد دلي *
هيمن الملف النووي الإيراني على محادثات رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت في واشنطن خلال زيارته الأخيرة لها، وكرر أولمرت أكثر من مرة خلال الزيارة انه لن يسمح بامتلاك إيران أسلحة نووية، محرضاً الإدارة الأميركية على القيام بعمل عسكري ضدها، وملمّحاً في الوقت نفسه إلى انه في حال عدم نجاح الجهود الدبلوماسية في إجبار إيران على وقف برنامجها النووي لن يكون أمام إسرائيل سوى اللجوء إلى الخيار العسكري لتدمير المفاعلات النووية الإيرانية. في الواقع، إذا كان أولمرت نجح في انتزاع تصريحات متشددة لبعض المسؤولين الأميركيين تجاه إيران وسوريا بعد أيام من تصريحات أميركية عن ضرورة التحاور مع البلدين في شأن قضايا المنطقة ولا سيما العراق فإن تلويح أولمرت بالخيار العسكري ضد إيران إنما يعبّر عن أزمة إسرائيلية عميقة، إذ من يتابع السلوك الإسرائيلي إزاء البرنامج النووي الإيراني في الفترة الأخيرة فسيرى أن هذا السلوك خرج من دائرة القلق في الأجهزة الأمنية والعسكرية إلى مجال الإعلام والجهود الدبلوماسية والتحريض العلني على القيام بعمل عسكري ضد إيران، ومن يتابع وسائل الإعلام الإسرائيلية وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين هذه الأيام فسيرى أن إسرائيل مستعدة لعمل كل ما هو ممكن لمنع إيران من إنجاز برنامجها النووي وسط قناعة إسرائيلية بأن إيران ستمتلك في النهاية أسلحة نووية وأن من شأن امتلاكها هذه الأسلحة قلب المفاهيم العسكرية التي اعتمدتها إسرائيل طوال العقود الماضية: التفوق ــ القدرة على شن الحرب الوقائية ــ خوض الحرب على أرض العدو... لتجد نفسها وجهاً لوجه أمام إيران قوية تعتمد توازن الرعب والردع وحتى الهجوم، إذ يقول المحلل السياسي الإسرائيلي أليكس فيتمان في مقالة له في صحيفة معاريف تحت عنوان: جيش الدفاع يستعد للقنبلة النووية الإيرانية (مع وصول إيران إلى نقطة اللاعودة في مجال تخصيب اليورانيوم وهي التي تسمح بإنتاج قنبلة نووية بعد سنة، باتت إسرائيل أمام قواعد جديدة في الشرق الأوسط أدخلتها في سباق مع الزمن).
وسط الجدل الإسرائيلي الجاري في شأن الملف النووي الإيراني لعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيف ستتعامل إسرائيل مع هذا الملف؟ من دون شك، تفكر إسرائيل في كل الوسائل والخيارات من أجل منع وصول إيران إلى هدفها المتمثل في إنجاز برنامجها النووي، وهي في سبيل ذلك يمكن القول إنها تفكر في مجموعة من الخيارات، لعل أهمها:
1 ــ إقناع الإدارة الأميركية بالتحرك العسكري ضد إيران من خلال إبراز خطر إيران النووية على أمن المنطقة والعالم وتقديم معلومات استخبارية إلى الإدارة الأميركية في هذا الخصوص، ومحاولة ربط هذا الأمر بتعزيز جهودها التحريضية ضد إيران بزعم دعمها (إرهاب المنظمات اللبنانية والفلسطينية ــ حزب الله وحماس..)، فضلاً عن محاولة إبرازها عقبةً أساسيةً في مواجهة نجاح المشروع الأميركي في العراق.
2 ــ تركيز الجهود الدبلوماسية تجاه واشنطن وموسكو وبرلين ولندن وباريس من أجل دفع هذه العواصم إلى الضغط على إيران لوقف برنامجها النووي من خلال فرض عقوبات متشددة عليها، هذا من جهة، ومن جهة ثانية وقف التعاون بين كل من روسيا والصين وإيران في هذا الخصوص.
3 ــ إذا لم يكن ما سبق في الإمكان فإن الأوساط الأمنية والعسكرية الإسرائيلية لا تستبعد القيام بتوجيه ضربات جوية للمفاعلات النووية الإيرانية على غرار ضرب المفاعل النووي العراقي في تموز 1981 على الرغم من المحاذير العديدة في هذا المجال، سواء بعد المسافة أو احتمال الإخفاق في تحقيق الهدف المحدد بسبب كثرة عدد المواقع النووية الإيرانية والمسافات التي تفصل بينها أو الخشية من رد إيراني قوي وخاصة في ظل امتلاك إيران صواريخ متطورة تطال العمق الإسرائيلي.
4 ــ احتمال القيام بضرب المفاعلات النووية الإيرانية من داخل إيران على شكل أعمال هجومية تطال هذه المفاعلات. مهما يكن شأن هذه الخيارات، فإنها تشير إلى ان إسرائيل ترى ان التهديد النووي الإيراني لم يعد مسألة نظرية، وأن التوقعات الإسرائيلية بأنه بعد احتلال العراق سيتعرض النظام في إيران في شكل تلقائي إلى التفكك تحت ضغوط الخارج وعوامل الداخل بدأت بالتلاشي مع وصول الرئيس أحمدي نجاد إلى سدة الرئاسة، بل إن سياسة الرئيس نجاد ضاعف من القلق الإسرائيلي حسب مراكز الدراسات الإسرائيلية التي تجمع على ان الهجوم الوقائي على المنشآت النووية الإيرانية عمل إشكالي قد لا يحقق النتائج المطلوبة، ولا سيما ان الأهداف المطلوبة كما قلنا عديدة ومتفرقة ومحصنة، فضلاً عن ان مثل هذا الهجوم سيدفع بإيران إلى الرد ما قد يلحق ضربة قوية بعمق إسرائيل التي قد لا تقوى على تحمّل تبعات مثل هذا الهجوم، وانطلاقاً من هذه الرؤية تبحث أوساط إسرائيلية عن رادع خارجي، أي دفع الإدارة الأميركية إلى القيام بعمل عسكري مباشر ضد إيران على غرار ما حصل مع العراق في وقت يتوافق فيه هذا المسعى مع سياسة المحافظين الجدد الذين يعتقدون انه لا جدوى من احتلال العراق من دون وضع اليد على إيران بوصفها اليوم تشكل أكبر عقبة أمنية في وجه المخططات الأميركية ــ الإسرائيلية الرامية إلى إعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط. في المقابل، إيران التي تدرك انها أضحت مستهدفة في شكل مباشر دخلت هي الأخرى في سباق مع الزمن من أجل انجاز برنامجها النووي، وربما ترى بعض الأوساط الإيرانية أن امتلاك الأسلحة النووية بات يشكل الخيار الأضمن للحفاظ على البلاد في مواجهة سياسة واشنطن التي أدرجتها على قائمة الدول المستهدفة، وعليه تعمل طهران على كل المستويات والأصعدة بدءاً من الحرص على عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع واشنطن ومروراً بالحرص على علاقات إيجابية مع روسيا والصين كي تستفيد من الخبرات المتطورة لهاتين الدولتين في هذا المجال، وليس انتهاءً بالحوار الإيجابي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ودول الاتحاد الأوروبي.. كل ذلك وفق منهجية مدروسة هدفها الاستفادة القصوى من الظروف الدولية وتباين سياسات الدول الكبرى، فضلاً عن عامل الزمن لإنجاز برنامجها النووي إلى ان تصبح دولة نووية وفقاً لسياسة الأمر الواقع بما أنه لا خيار غير ذلك أمام الدول الطامحة إلى الانضمام إلى النادي النووي الدولي.
في الواقع، كل المؤشرات تشير إلى ان إسرائيل ستعمل كل ما هو ممكن لدفع واشنطن إلى القيام بهجوم عسكري على إيران بزعم خطر التهديد النووي الإيراني.. وإذا ما فشلت في ذلك فإن المؤشرات نفسها لا تستبعد خيار لجوء إسرائيل إلى قصف المفاعلات النووية الإيرانية ما دام هذا الخيار يشكل الأسلوب الوحيد لمنع إيران من إنجاز برنامجها النووي الذي من شأنه قلب المفاهيم الأمنية الإسرائيلية رأساً على عقب ووضع إسرائيل أمام قواعد جديدة لإدارة منطقة الشرق الأوسط والصراع عليها.
*كاتب سوري