وليد شرارة
يثير تصلب المجموعة الحاكمة في لبنان في مواجهة المطالب الشديدة الواقعية والاعتدال لقوى المعارضة الشعبية تساؤلات عدة حول خلفياته وأبعاده. أداء هذه المجموعة خلال وبعد العدوان الإسرائيلي كان من الممكن أن يدفع قوى المعارضة الى اتخاذ مواقف أكثر جذرية وحدّة حيال ما عدّته تناغماً، بلغ عند البعض حد التواطؤ، مع أهداف العدوان. لو عدنا عشرين سنة أو أكثر الى الوراء وإلى الثقافة السياسية التي كانت سائدة في لبنان في تلك الفترة لوجدنا أن شعار «إسقاط الحكومة المتواطئة» كان سيرفع مباشرة بعد نهاية العدوان ويعدّ هدفاً لا يكتمل النصر من دون تحقيقه. هناك درجة عالية من الواقعية السياسية ميزت تعاطي حزب الله مع الشؤون الداخلية اللبنانية دفعته في بعض الأحيان إلى عدم المساهمة في معارك سياسية واجتماعية هامة بالنسبة إلى مصالح وتطلعات قاعدته الشعبية الواسعة. التركيز على أولوية الصراع مع إسرائيل والحرص على وحدة الجبهة الداخلية التي رأى أنها شرط رئيسي من شروط الانتصار هما السببان الأساسيان اللذان دفعا الحزب الى مرونة سياسية غير مسبوقة في تاريخ حركات المقاومة في المنطقة والى التواضع في مطالبه الداخلية والمطالبة بحكومة وحدة وطنية وبثلث ضامن على الرغم من أزمة الثقة الكبيرة بين الحزب وحلفائه من جهة والمجموعة الحاكمة من جهة أخرى، وهو استمرار للنهج نفسه التوافقي في الداخل والمتصلب في مواجهة ضغوط واعتداءات الخارج.
لا يمكن فهم تصلب «الغالبية» الحكومية في مواجهة حزب الله وحلفائه مع إدراكها لحقيقة موازين القوى السياسية والشعبية في لبنان إلا بكونه نتيجة لتشجيع ووعود أميركية وغربية. ويبدو أن المؤشرات الكثيرة حول بداية انحسار النفوذ الأميركي في المنطقة والعالم نتيجة جملة الإخفاقات والهزائم التي واجهتها الولايات المتحدة لم تقنع المجموعة الحاكمة بمراجعة حساباتها. ثقة هذه الأخيرة بإدراة بوش ثابتة لا تتزعزع في وقت فقدت فيه هذه الإدارة حتى ثقة قطاعات لا يستهان بها من الرأي العام الأميركي كما أظهرت الانتخابات النصفية أخيراً. وباتت الدعوات الموجهة إلى هذه الإدارة لمراجعة سياستها الشرق أوسطية تتزايد مع مرور الأيام، وبعد توصيات لجنة بيكر بالحوار مع سوريا وايران لإيجاد مخرج من المأزق الأميركي في العراق والدعوات البريطانية التي ذهبت في الاتجاه نفسه والمبادرات البريطانية والأوروبية للحوار مع سوريا أصبح واضحاً أن الإدارة ستتعرض لضغوط داخلية إضافة الى «الضغوط» الخارجية، التي تشكلها حالات المقاومة والممانعة في الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية، لتغيير سياستها. قد لا تستجيب هذه الإدارة للدعوات المشار اليها وقد تتصلب في مواجهة الضغوط وتمضي قدماً في نهجها لكن النتائج الكارثية الأخيرة على حلفائها والمراهنين عليها لا تحتاج الى الإسهاب في المحاججة، هي لم تنجح في تحقيق أي من الأهداف الجوهرية المعلنة لتدخلاتها العسكرية في أفغانستان والعراق، كما فشلت الحرب التي شنتها اسرائيل بتفويض منها خلال الصيف الفائت في بلوغ غاياتها. لذا على المراهنين على الدعم الاميركي في لبنان التأمل في هذه الحقائق قليلاً. صحيح أنهم نجحوا في تعديل موازين القوى لمصلحتهم نسبياً في لبنان في فترة تصاعد الهجوم الاميركي على المنطقة لكن الهجوم انكسر، وشن عدوان أميركي جديد على هذه او تلك من دول المنطقة لن يغير الوجهة العامة للتطورات التي من أبرز سماتها انحسار النفوذ الاميركي. الأفضل للمجموعة الحاكمة في لبنان، بناءً على هذه المعطيات، عدم تضييع الفرصة المتاحة والاستفادة من استعداد المعارضة الشعبية للموافقة على تسوية تتضمن الحد الأدنى من مطالبها قبل أن تغيّر هذه الأخيرة رأيها.