فؤاد خليل *
ان الطائفة في لبنان اخذت تبني خاصّها او واقعها بما يتعدى كونها جماعة دينية، في ظل السياق السوسيو تاريخي لتشكل لبنان الحديث. فما هو هذا الخاص او الواقع الذي بنته وتميزت به؟...
انه واقع تمأسسها على الصعيدين السياسي والايديولوجي... ففي عهد المتصرفية احرزت الطوائف في جبل لبنان تمثيلها السياسي بحيث تحدد لكل طائفة حسب البروتوكول المعمول به ممثل او أكثر في مجلس ادارة ذلك العهد. كما دخلت في حركة تمأسس ايديولوجي من خلال ما خُصّت به من مدارس وجامعات وروابط اهلية. وقد تعزز تمأسسها هذا، بما يلائم ظروف دولة لبنان الكبير في عهد الانتداب. ثم وجد شروط نضجه التام في دولة الاستقلال وبخاصة في سنة 1967 تاريخ تأسيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى...
يظهر السياق السوسيوتاريخي أعلاه، على اقتضابه، أن الطائفة تحولت من خلاله الى مؤسسة تمثيل سياسي وإلى اطار مؤسسي ايديولوجي يعمل على تمتين لحمتها الداخلية وترسيخ عصبيتها الطائفية وعلى انتاج وإعادة انتاج ايديولوجيتها الطائفية... وهكذا يكون بناء خاص الطائفة او واقع تمأسسها قد ارتبط بالسياق نفسه الذي تأسس فيه النظام السياسي الطائفي وتألفت في ضوئه، الدولة في لبنان الحديث.. وهو ما يؤدي الى ان الانتظام المؤسسي للطائفة (او للطوائف)، لا يقوم الا بنظام سياسي طائفي او بدولة طائفية، هي شرطه الضروري. يوجد بوجودها، ويتجدد مع تجددها، ويزول مع تغير طبيعتها. انه والحال هذه، انتظام يقع عليه فعل التاريخ وينحكم الى مساره الواقعي والموضوعي في المجتمع اللبناني.
من هذا المنطلق يغدو متاحاً تعريف الطائفية والطائفية من زاوية مختلفة عما ورد آنفاً من تعريفات.
• الطائفة هي انتظام مؤسسي للجماعة الدينية على الصعيدين السياسي والايديولوجي، والذي يجعل منها على ذينك الصعيدين موقعاً تمثيلياً مخصوصاً ومتبايناً عن موقع تمثيلي آخر يعود لانتظام جماعة دينية مغايرة.
• والطائفية هي الولاء العصبي للطائفة الممارس بأشكال ومظاهر متعددة تصورها ذات لحمة عامة، أو كلاًّ متجانساً على حساب تراتبيتها المجتمعية.
• أما الطائفية السياسية، فهي نظام تمثيل الطوائف في تركيبة النظام السياسي وفي مؤسسات الدولة. ما تقدم يظهر أن الطوائف كانتظامات مؤسسية لا تقوم الا بقيام نظام طائفي او بدولة «طائفية»، تشرط وجود واقعها بما يتعدى كونها جماعات دينية. وهو كما بات واضحاً، واقع تمثيلها السياسي في الدولة. من هنا، تنشأ علاقة عضوية من نوع خاص بين الطرفين. فالطوائف حين تتمثل في الدولة على قاعدة أن لكل منها نصابها التمثيلي المخصوص، تتحول بمعنى ما الى كيانات دولتية شبه مستقلة تغنم حصصها من الكيان الاصلي للدولة. والدولة حين يصبح كيانها السياسي والدستوري مجالاً لتمثيل الطوائف أو غنماً لأنصبتها التمثيلية المعلومة، تتحول في الواقع الى اتحاد او تركيب فدرالي بين الطوائف، وهو ما غدا طبيعة للدولة او لازمة بنيوية لها.
على هذا الاساس، كان لكل طائفة من طوائف لبنان تاريخها الدولتي، أي تاريخ علاقتها بالدولة. وقد بنته من خلال كونها مؤسسة سياسية تتيح بأن يظهر ممثلوها او زعماؤها في موقع من يمثلها كمجموع طائفي كلي. وهذا ما يفسر على الارجح نظرة الفكر الطائفي الى الطوائف ككتل متجانسة كأنما لا تمايزات او تباينات مجتمعية في دواخلها. وكذلك، من خلال كونها مؤسسة ايديولوجية تتغذى بفكر يسوّغ لها ان تمجّد ذاتها الطائفية في صورة ناصعة، وتعلي من شأن دورها في التاريخ وفي الحاضر على غير صعيد؛ وان ترسم عن الطوائف الاخرى، صورة باهتة لتأخذ على ذوات الاخيرة ما تأخذ، وتقلل من دورها وأهميته في غير مجال...
* استاذ جامعي