وليد شرارة
حتى أيام خلت، كان النائب وليد جنبلاط يقدم المواجهة السياسية الدائرة في لبنان باعتبارها معركة بين القوى الديموقراطية وأنصار الاستبداد والشمولية، وبأنها جزء لا يتجزأ من النضال العالمي من أجل الديموقراطية. لم يتردد النائب جنبلاط في استعارة مفردات الخطاب البوشي لوصف حزب الله وجمهوره، وكذلك سوريا وايران، وفي تبنّي قسم من الاتهامات الاميركية الموجهة لجميع هذه الاطراف. لكنه يخطو اليوم خطوة تصعيدية جديدة بمحاولة اضفاء طابع طائفي على المواجهة المذكورة على المستويين المحلي والاقليمي. ففي المقابلة التي اجراها مع صحيفة «كلارين» الارجنتينية، يرى النائب جنبلاط أن الهدف الفعلي للمعارضة من مطالبتها بالثلث المعطل هو السعي «لتقويض» الوجود المسيحي في لبنان وإقامة دولة اسلامية فيه. وهو أكد في المقابلة نفسها، أن لبنان بات العقبة الأخيرة أما هيمنة سوريا وايران على المنطقة. يستطيع سيؤو النية أن يسألوا عن توقيت هذه التصريحات بعد جريمة اغتيال الوزير بيار الجميل والمخاوف الكبيرة التي أثارتها من عودة دوامة العنف والاغتيالات والصراع الطائفي. اتهام المعارضة بالسعي لتقويض الوجود المسيحي، بالاضافة إلى أنه ينطوي على اشارة الى تورط مباشر او غير مباشر للمعارضة في جريمة الاغتيال، يهدف الى تعظيم هذه المخاوف والدفع باتجاه الاستقطاب الطائفي وتعزيز مواقع قوى التطرف الطائفي وأنصار الفديرالية على حساب قوى الاعتدال المتمسكة بوحدة لبنان وبصيغة العيش المشترك. نحن امام محاولة نموذجية للاستغلال السياسي لجريمة الاغتيال.
حرص النائب جنبلاط على الوجود المسيحي يستحق التقدير، لكن المثير للعجب، بالنسبة لسيئي النية من امثالنا، هو تشدده مع حلفائه في رفض دخول احدى ابرز القوى ذات التمثيل المسيحي الواسع، التيار الوطني الحر، الى الحكومة. العمل على تهميش هذا التيار ومن يمثل، وإظهاره مظهر الملتحق بأصحاب «مشروع الدولة الاسلامية» كانا وسيبقيان من الغايات الاساسية للنائب وحلفائه.
اما اتهام حزب الله بالسعي لاقامة دولة اسلامية، فبالاضافة إلى كونه مسعى للشحن الطائفي والمذهبي، فهو مجرد ترداد حرفي للدعاية الغربية والاسرائيلية ضد الحزب. هذا الاخير، حسب النائب جنبلاط، «يريد ان يبتلع الدولة اللبنانية... نصر الله يمتلك جيشه الخاص، وإذا اراد أن يحتل البلاد بأكملها فهو يستطيع ذلك». المطالبة بتوسيع الحكومة تصبح محاولة للاستيلاء على الدولة. كيف ستكون الحال اذا ما تطورت الاوضاع باتجاه مطالبة المعارضة بانتخابات برلمانية مبكرة؟
وفقاً للنائب جنبلاط، المنطقة على وشك الوقوع تحت الهيمنة السورية ــ الايرانية. لم يبق إلا لبنان حصناً اخيراً في مواجهة هذه الهيمنة. أما الاحتلال الاميركي للعراق والذي دمر الدولة المركزية وبات يرعى حرباً مذهبية لا نظير لها في التاريخين القديم والحديث، وأما الاحتلال الاسرائيلي الذي يستكمل يوماً بعد يوم عملية الابادة السياسية للفلسطينيين فهما لا يقلقان النائب بتاتاً. الهيمنة السورية ــ الايرانية، وهي الاسم الحركي لما يسميه البعض الهلال الشيعي، هي «الخطر الداهم» و«العدو الرئيسي». وأخشى ما نحشاه هو أن يكون اليوم الذي يدعو فيه النائب إلى اتحاد «الجميع» في مواجهة هذا «الخطر» ليس ببيعد.
وبعد كل هذا الشحن وكل هذه التعبئة للجمهور المحلي وللحلفاء الاقليميين والدوليين، سيكون من الصعب عليه أن يقنع القاصي والداني بأن هدفه الحفاظ على «الوحدة الوطنية» و«السلم الاجتماعي».