جوشوا مورافشيك*
مضت أربع سنوات على انكشاف البرنامج النووي الإيراني، الذي ظل سرياً حتى ذلك الوقت، ولم تُجدِ الخيارات الدبلوماسية المختلفة ولا العقوبات في التوصل إلى نتيجة تذكر. بدايةً، استجبنا لطلب حلفائنا بأن نقدم لطهران مجموعة من الحوافز، لكن الإيرانيين رفضوا التنازل وعبّروا عن ازدرائهم للحوافز المطروحة. بعد ذلك اتجهت كلٌ من بريطانيا، فرنسا، وألمانيا نحو فرض مجموعة من العقوبات السطحية للغاية. فعلى سبيل المثال، طرح فرض حظر على سفر الإيرانيين إلى الخارج، باستثناء الرحلات الإنسانية أو الدينية الطابع، وطرح أيضاً الطلب من كل الدول الإحجام عن الانخراط في عمليات تطوير بعض أقسام المشروع النووي الإيراني، وليس كلها. لكنه حتى هذا المستوى من العقوبات اعتبر متشدداً من بعض أعضاء مجلس الأمن الدولي، إذ أعلنت روسيا بأنّ هذه العقوبات بالغة الشدة، وقال وزير خارجيتها سيرغي لافروف «لا يمكننا دعم إجراءات... تهدف إلى عزل إيران». ومن الواضح الآن أنّ موسكو وبكين لن توافقا مطلقاً على عقوبات قاسية.
من ناحية أخرى، لو سلمنا بأنهما وافقتا على معاقبة إيران، فإنّ ذلك لن يشكل عائقاً جدياً أمامها، فهي دولة تعتبر نفسها في خضم مهمة رسالية، وعبّر الرئيس محمود أحمدي نجاد عن ذلك قائلاً: «شكراً لدماء الشهداء، ها قد نشأت ثورة إسلامية جديدة... لقد انتهى زمن الأنظمة القمعية المهيمنة والحكومات المستبدة والظالمة... وسوف تصل موجة الثورة الإسلامية الى العالم كله». إذاً، وببساطة، ليس هناك احتمال وارد بقيام الحكام الدينيين في إيران بالتخلي عن هذه الرؤية الغيبية مقابل خليط من طبخة غربية على شكل رشى أو عقوبات اقتصادية.
إذاً، لم تُجدِ العقوبات، فماذا لدينا من خيارات؟ إنّ إطاحة النظام الإيراني الحالي قد تكون بمثابة حبل الخلاص، لكن في ظل حكم المتشددين المتحكمين بالنظام في إيران، فإنّ أية فرصة كهذه تبدو اليوم أكثر بعداً مما كانت عليه قبل عقد مضى، عندما كان الطلاب يتظاهرون في ظل حقبة الإصلاحيين. وفي هذه الأثناء، يمر الوقت سريعاً، وتقترب إيران، شيئاً فشيئاً ويوماً بعد يوم، من بناء قنبلتها النووية.
بناءً على ما تقدم، فإنّ خياراتنا تنحصر في اثنين لا ثالث لهما: الاستعداد للتعايش مع إيران نووية، أو استخدام القوة لمنعها من حيازة القنبلة. ناقش تيد كوبل، المراسل الصحافي لمحطة إي. بي. سي، هذين الخيارين، قائلاً: «إذا كانت إيران مصرة وعازمة على الحصول على أسلحة نووية، دعوها تفعل ذلك»، معتبراً أنّ علينا أن نعتمد على الردع النووي المقابل بما يمنع إيران من استخدام قنبلتها. ويؤيد هذا الطرح فريد زكريا، المحرر في مجلة نيوزويك، معتبراً أننا نجحنا في ردع دول نووية معادية أخرى، كالاتحاد السوفياتي والصين. وأوجز ويليام لانغويتش حقيقة الموقف عندما اعتبر أن «انتشار الأسلحة النووية، أمر تعذر تجنّبه طوال السنوات والتجارب السابقة»، وأنّ «الأمر المهم هو كيفية التعايش مع تحول دولة ما إلى دولة مسلحة نووياً».
إلاّ أنّ هذا الكلام يجانب الواقع، فلا يمكننا التعايش بسلام مع إيران مسلحة نووياً. وأحد أهم الأسباب هو الإرهاب، الذي كانت إيران، ومنذ زمن طويل، الدولة الأولى الراعية له عالمياً، من خلال جماعات كحماس وحزب الله. والآن، وبحسب تقرير صدر الأسبوع الماضي في صحيفة الدايلي تلغراف، فإنّ إيران تحاول الاستيلاء على القاعدة من طريق دعم رجلها «سيف عادل» ليصبح خليفة أسامة بن لادن. فكيف يمكننا الوثوق بأنّ إيران لن تمرر مواد نووية لإرهابيين؟
ويقول كوبل بأنّ في إمكاننا منع انتقال السلاح النووي إلى الإرهابيين عبر التحذير من أن وقوع أي انفجار نووي في الولايات المتحدة سيستدعي رداً مباشراً على إيران. لكن هل سيقوم أي رئيس أميركي بإعطاء الأوامر بضربة نووية على أساس تلك الفرضية؟
أمّا السبب الآخر لعدم إمكانية التعايش مع إيران النووية، فهو أنّ القنبلة الإيرانية تشكل تهديداً جدياً بالنسبة إلى ستة ملايين مواطن إسرائيلي. وطبعاً، في إمكان إسرائيل الرد، ولكن في أية ظروف؟ فالرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني الذي كان المنافس «المعتدل» لأحمدي نجاد في الانتخابات، أشار مرة وبافتخار إلى أنّ «استخدام قنبلة ذرية ضد إسرائيل قد يدمرها بالكامل، فيما استعمال القنبلة النووية ضد العالم الإسلامي لن يلحق سوى بعض الضرر».
إذا كان هذا صوت البراغماتيين في إيران، فهل سيكون في الإمكان الوثوق بفكرة الردع ضد أحمدي نجاد صاحب العقيدة المهدوية؟ فحتى لو لم تقصف إيران إسرائيل بقنبلة نووية، أو تسلم الإرهابيين إحدى قنابلها، فإنّ مجرد امتلاكها السلاح النووي سيكون له عواقب مدمرة. فمع الانطباع والتأثير الذي تركته التجربة النووية الكورية الشمالية، قد يؤدي تكرار تلك التجربة مع إيران الى اندثار «نظام الحد من الانتشار النووي».
إضافة إلى ذلك، ثمة تداعيات أخرى لم تأخذ المساحة التي تستحقها من النقاش، لكنّها قد تكون الأكثر ضرراً من بين كل النتائج الأخرى، وهي حيازة طهران قدرات تمكنها من تأدية دور إقليمي حاسم. فقد حذر ملك الأردن عبد الله الثاني، في وقت سابق، من نشوء «هلال شيعي»، وما ذلك إلاّ تعبير مجتزأ عن الخطر. فإذا كان تأثير إيران محدوداً في نطاق الطائفة الشيعية، فإنّ في الإمكان كبحها بسبب أقلية الشيعة في العالم الإسلامي، وأيضاً بسبب الانقسامات بين الفرس والعرب.
لقد تجاهل هذا التحليل المبني على أساس عرقي، حقيقة الكاريزما الإيرانية التي نالتها بصفتها العدو اللدود للولايات المتّحدة وإسرائيل، وبصفتها زعيمة ورافعة للراديكاليين والمنبوذين. ومع ما تقدم ذكره، قد لا تكون الفرضيات القديمة حول الشيعة والسنة ذات وزن بعد الآن، فإيران هي الحليف الأقرب لسوريا السنية بغالبيتها، والروابط القائمة بين طهران ودمشق ذات طابع إيديولوجي لا ديني، وإيران، في نفس السياق، تقدم الدعم للجماعات الفلسطينية كالجهاد الإسلامي وحماس، وهما من السنة بالغالبية الساحقة. وأثناء حرب لبنان، في هذا الصيف، رأينا كيف قام المسلمون عموماً، وبسرعة، بالتوحد ضد عدو مشترك، على رغم الانقسام المتجلي عبر التقاتل المستمر في العراق.
إنّ الأسلحة النووية توفر لإيران هيمنة إقليمية داخل منطقة نفوذها من طريق تهديد جيرانها وأخصامها، مثيرة إعجاب عدد من المسلمين الآخرين. وهذا الأمر سيجعلنا متعطشين للدخول في حرب عالمية جديدة مشابهة لتلك التي لوّحنا بها، وفي شكل مؤلم، بوجه الاتحاد السوفياتي مدى 40 سنة. وقد يؤدي ذلك إلى اشتعال «صدام الحضارات»، الذي تمّ الحديث كثيراً عنه، ولكن قليلاً ما وضع تصور دقيق لأبعاده.
قد تبدو إيران عود ثقاب صغير بالنسبة إلى الولايات المتّحدة، إلاّ أنّ ذلك ليس ما يراه أحمدي نجاد، فهو وأتباعه المجاهدون، يعتقدون بأنّ العالم الإسلامي قد هزم إحدى القوى العظمى الكافرة (الاتحاد السوفياتي)، وبأنّه سيهزم القوة الأخرى في الوقت المناسب.
إننا سنفوز في النهاية من دون شك، لكن كم سيدوم هذا الصراع؟ وما هي الضريبة التي سندفعها؟ هذه أمور ينبغي أن يتأمل فيها الجميع.
إنّ الطريقة الوحيدة لاستباق هذه التحولات المخيفة وإحباطها هي استخدام القوة، ليس من طريق غزو إيران كما فعلنا في العراق، ولكن بواسطة حملة جوية على المرافق النووية الإيرانية. فلدينا معلومات مهمة عن هذه المرافق، بعض التقديرات تشير الى أنّها حوالى 1500 هدف. فإذا ما ضربنا قسماً كبيراً منها عبر اجتياح جوي، فإنّ ذلك قد يدوم من بضعة أيام الى أسبوعين. وفي هذه الحالة، في إمكاننا التسبب بضرر بالغ وخطير. وقد لا يضع ذلك نهاية لبرنامج التسلح، إلاّ أنّه سيؤخره بالتأكيد. فما هو التوقيت المناسب لهجوم كهذا؟
إذا ما قمنا بذلك في السنة المقبلة، فإنّ ذلك سيعطي الأمم المتّحدة الوقت لإعادة إحياء دبلوماسيتها المفلسة، وقد يستبق امتلاك إيران القنبلة (وأيضاً قبل حملتنا الرئاسية). وإذا ما عادت إيران وأصرّت على مواصلة برنامجها، فقد يكون علينا القيام بضربة مرة أخرى في الوقت المناسب. فهل في إمكان بوش اتخاذ خطوة كهذه بعد الإهانة التي لحقت به في انتخابات الكونغرس وبعد حرب العراق الفاقدة الشعبية حالياً؟ لقد قال بوش بأنّ حكم التاريخ على سلوكه في الحرب على الإرهاب هو أكثر أهمية من الأصوات الانتخابية. فإذا تمكن أحمدي نجاد من امتلاك السلاح النووي، فإنّ كل شيء قام به بوش سيذهب هباءً، وسنكون أقل أماناً بكثير مما كنا عليه يوم كان بوش رئيساً.
وأخيراً، هناك من يتساءل: ألا يمكن هجوماً جوياً أميركياً على إيران أن يولد حالة عالمية من المعاداة للأمركة؟ ألا يمكن إيران أن تثأر في العراق أو من طريق الإرهاب؟ نعم، كل ذلك محتمل، فهذا هو الثمن الذي قد ندفعه، إلاّ أنّ البديل أسوأ. فبعدما استولى البلشفيون على السلطة في روسيا عام 1917، قام أحد أعضاء مجلس الوزراء البريطاني، هو ونستون تشرشل، طالباً تدخلاً عسكرياً قوياً لتحطيم النظام الجديد، فقام زملاؤه بتقدير الكلفة ــ خسارة الجنود، الاستهزاء الدولي، انتقام لينين ــ ورفضوا الفكرة.
ان احمدي نجاد يريد ان يكون لينين الجديد . والقوة هي الوسيلة الوحيدة لردعه.
*احد كبار المنظرين في فريق المحافظين الجدد
  • (ترجمة ايمان سويد)