حسان خليل *
تابعت منذ فترة أكثر ما كتبتم وصرّحتم به، وأعترف بأنني حتى ولو لم أوافقكم الرأي في بعض ما أفضتم به، سررت أن أرى أن تعدد الرأي موجود بجرأة ضمن المجتمع الشيعي، وهذا هو أول تناقض في كلامكم، إذ إنكم تدّعون بأنكم تتعرضون للقمع والتخوين، لكنكم أظهرتم آراءكم بكل حرية، ولم أسمع حتى الآن أن أحداً تعرّض لكم. وأرجو ألا تحوّلوا أنفسكم قمعاً فكرياً لمَن يعارضكم الرأي.
ما لفتني أخيراً هو أنكم بوصفكم مواطنين عاديين (صحافي وأستاذ جامعي وباحث وعالم دين...) لم تكونوا معروفين قبلاً إلا ضمن محيطكم الاجتماعي. فجأة فُتحت لكم وسائل الإعلام وأصبحتم قوماً «يُحتذى بكم في ثورتكم على واقعكم»، وبتّم «مثال الانتفاض على القمع» الذي تعيشونه.
أنا مثلكم مواطن لبناني متجذّر في هذه الأرض، ولو كنت أعيش في بلد آخر، ولكن، غصباً عني وعنكم، نحن، شئنا أم أبينا، «شيعة».
يا أخي أنا لبناني... نعم لبناني شيعي.
يا أخي أنا عربي... نعم ولكن شيعي.
يا أخي أنا إنسان كوني... نعم، عقلك شيعي.
حسناً أنا شيعي المولد، وربما الإيمان. ولكن أنا مواطن لبناني ملتزم عروبتي. عليّ وعليكم إثبات وطنيتنا وعروبتنا، وأخيراً بات علينا إثبات إيماننا.
لم يخطر في بالي محاورتكم لو لم أتوجس.. لماذا سُلّطت الأضواء عليكم فطلبت مقالاتكم ومقابلاتكم من السفارات المختلفة وأجهزة الاستخبارات المتعددة. هل أنتم رواد نهضة فكرية تعيشون في ظل نظام «طالباني» ديكتاتوري... أم أنكم أداة سهلة للاستعمال في معركة سياسية طويلة وشرسة بدأت، ومستمرة في المنطقة، ونحن جميعاً هامشيون فيها.
لا بد من سبب، وقبل أن أجيب وإياكم، عن هذا السبب، دعوني أطرح بعض الأسئلة علينا جميعاً لو سمحتم لي:
ــ ألا تعتقدون بأن طرح تسمية «المثقفين الشيعة» عليكم إهانة لكم ولثقافتكم. هل سمعتم بتسميات أخرى كـ«المثقفين السنّة» أو «الدروز» أو «المسيحيين» مثلاً. فقط عندما يريد أصحاب الدسائس الدلالة على سلبية ما، يطلقون تسميات كهذه على فئة أو يحرّمونها على فئة أخرى. هل تذكرون مثلاً تصنيف العراق: «الأكراد» و«الشيعة» و«العرب السنّة»، لماذا التشديد على «العرب السنّة» ونفي لقب «العرب» عن الشيعة. هل شيعة العراق الذين كانوا في الجيش العراقي أيام الحرب العراقية ــ الإيرانية ليسوا بعرب. بعض العناوين في الصحف العربية اخترع تسميات جديدة مثل «إلقاء القبض على تنظيم إرهابي شيعي في مصر» أو صرّح «نائب كويتي شيعي». هل أطلقت تسمية «الإرهاب السني» على أعمال الزرقاوي مثلاً؟ هل يُسمّى نائب غير شيعي بمذهبه أيضاً؟
ــ مع كل هذا أسألكم مَن كان وما زال المُطالِب الأول بين أطراف المجتمع اللبناني بإلغاء الطائفية السياسية؟ طبعاً يردّون عليهم بأنهم الشيعة لأنهم يعرفون أنهم الأكثرية.
ــ ألم تكن توصية الإمام السيد موسى الصدر من قبل، وبعدها توصية الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين للشيعة بالاندماج في مجتمعاتهم؟
من هذا الباب اسمحوا لي بأن أحاوركم تفصيلياً في بعض ما كتبتم. هناك تجنٍّ وظلم في اتهامكم بأن المجتمع الشيعي الراهن يمنعكم من أن تشتكوا وتعبّروا، وأنكم مرغمون على قبول كل ما يحصل. ولن أدخل في تفصيل اتهاماتكم. فأنا مثلكم أوافق على بعض ما يحصل ولا أوافق على البعض الآخر. ولكن لم أتعرّض ولا أظن أنكم تعرضتم لتهديد أو تخوين، وكما لكم رأي ما كذلك للآخرين آراء. أنتم بأسلوبكم تستعملون أدوات تنتقدونها: الاتهام بالظلم سلفاً كما يُتهم الكثيرون من الشيعة بأنهم يدّعون الحرمان المستمر.
ــ أليس تبنّيكم لاتهام الشيعة في لبنان بأنهم يعيشون في «دولة ضمن الدولة» إجحافاً في حقهم. لو درستم الوضع الجيوبوليتيكي والديموغرافي والاجتماعي للبيئة الشيعية، لاستذكرتم هواجس المسيحيين في لبنان سابقاً وحاضراً. هل للشيعة أو لغيرهم بديل من الدولة؟ ولكن السؤال الأهم هل كانت هناك في أي وقت «دولة لبنانية عادلة» أم أنها كانت دوماً طائفية، تجنح الى طرف أو أطراف معينة بحسب الزمن والظرف. وما بُني على باطل فهو باطل ولو كان واقعاً.
ــ هل نسيتم أن لبنان عاش اختلالاً لمدة 22 سنة لم تُعرف «الدولة» فيه «جنوباً». مرّت أيام كان العدو يدهس عائلة من 13 فرداً في سيارة واحدة في قرية جنوبية ولا يرف لبعض الأطراف جفن. هل صدقتم أنه فعلاً كان هناك إجماع على المقاومة لتحرير الجنوب، وهل فعلاً السيد حسن نصر الله لم يكن إلا مجاملاً وكريماً عندما أعلن أن التحرير ما كان ليتم لولا الإجماع على المقاومة.
الفريق الآخر سمعه وصدقه في دعابته هذه، حتى صدق وتبنّى شعار «الإجماع على المقاومة» الى أن زايد به فريق 14 شباط بعد عام 2000.
اسمحوا لي أن أصارحكم وأصارح غيركم بأنه بعد التحرير عتب وعاتب كثيرون من العاملين في الشأن العام من جميع الطوائف قيادة المقاومة لأنها خالفت السياق الطبيعي لقطف نتاج التحرير كما هو مع كل حركات التحرر في العالم. فاجأهم السيد حسن بأن قدم التحرير هدية من دون ثمن ومن دون ترجمة على واقع التركيبة السياسية.
ــ هل لاحظتم أن الغيورين عليكم اليوم يا «مثقفي الشيعة» يطالبون بزيادة موازنة مجلس الجنوب (الذي كانوا يطالبون بإغلاقه أخيراً) والذي يعتبر من الامتيازات التي كانت للرئيس نبيه بري بعد انتهاء الحرب الأهلية. هؤلاء أنفسهم كانوا يريدون إسقاط الرئيس بري بأكثر من 100 صوت في انتخابات رئاسة المجلس الأخيرة.
أليسوا بربكم من السذاجة أن يعتقدوا بأن الرئيس بري الذي يرى أن المرحلة مصيرية وأبعد من تكتيكاتهم الرفيعة، لا يدري نياتهم.
ــ حتى ولو اختلفتم مع المقاومة في توصيف نتائج الحرب الأخيرة، ألا تظنون أنه من اللافت للانتباه أن المقاومة (التي تعتبر نفسها منتصرة في الحد الأدنى استراتيجياً وفي الحد الأقصى عسكرياً) تتعرض لأقسى أنواع القصف السياسي. ماذا كانت في رأيكم ردات الفعل عليها لو خرجت مهزومة؟ أرجو ألا تعتقدوا بأن الطرف الآخر كان سيواسيها ويضمد جراحها.
سأحاول أن أفصل بين الهواجس اللبنانية والهواجس الإقليمية، والتي تكمّل بعضها البعض.
في الشق الداخلي:
إن مستقبلنا في لبنان، هو كما مستقبل بقية اللبنانيين، متجذر في لبنان الوطن النهائي. ولا ضمانة لهذا المستقبل سوى ضمن مشروع الدولة الوكيل الحصري للسلطة والسيادة، ولكن لا سبيل لمستقبل كهذا إلا مع «المساواة في المواطنية». هذا يعني أن حياة مزارع أو صياد سمك في الجنوب كما على أية بقعة من مساحة الوطن هي مسؤولية الدولة والمجتمع. ولكن فقط للتذكير أنه بعد صدور القرار 1701 تمت عملية إنزال عسكري إسرائيلي في بوداي وأطلقت النار على صيادي السمك في صور وخُطف ستة مواطنين لبنانيين من قراهم الجنوبية وتم احتلال أراض ضمن توغل 3 كيلومترات وراء الخط الأزرق. كل هذه الحوادث لم تكن كافية للدولة والمجتمع لتقديم حتى ولو احتجاج الى الهيئات الدولية راعية اتفاق وقف إطلاق النار. وفي السياق نفسه التزمت الدولة الصمت عند كشف شبكة التجسس التي اغتالت الأخوين مجذوب في صيدا.
هل هذا يدل على المساواة في المواطنية؟ علّنا نتعلم درساً من الإسرائيلي الذي برر «بعضكم يا مثقفين وبعضهم» إجرامه نتيجة خطف جنديين. لم يسأل أحد في المجتمع الإسرائيلي ما إذا كان الجنديان من شمال إسرائيل أو جنوبها.
حبذا لو تتذكرون أيها «المثقفون الشيعة» عند إصداركم تهمتكم هذه كم من التطمينات أطلقها «المشاغبون الشيعة» لتأكيد خصوصيات المجتمع اللبناني، منها أنه لا يمكن طائفة كبرى مهما كبرت أن تهيمن على طائفة صغرى مهما صغرت، وأن لبنان لا يحكم إلا بتوافق جميع طوائفه وشرائح مجتمعه، وأن الشيعة لا يطالبون بإحصاء عددي ولا بحقوق أو امتيازات نتيجة ما هو غير معلن إحصائياً، وأنهم يرتضون بما ترضى به شرائح المجتمع المدني.
قالوا علينا قبول الطائف ووافقنا باقتناع. استعملوا تلك الموافقة للضغط بأن الاتفاق يقضي بسحب سلاح الميليشيات (تغاضينا عن الإهانة لتسوية سلاح المقاومة مع سلاح الإنذار والخوات والغدر والاغتيالات والقتل على الهوية). ولكن نسأل: ألم يكن هذا السلاح موجوداً قبل التحرير وأنجز ما أنجز بتغطية شرعية الدولة اللبنانية. قالوا إن شرعية الدولة ما كانت لتكون لولا الهيمنة السورية. إذاً هذا يتناقض مع ادعائهم أنه كان هناك إجماع على المقاومة واعتراف ضمني بأنه لولا النفوذ السوري في مرحلة ما قبل التحرير لما كانوا سمحوا أو باركوا مقاومة الاحتلال. ومع ذلك قال «الجنوب» التحرير هدية لكل لبنان.
ــ ومع هذا، كان الطرف الشيعي المبادر مع «التيار الوطني الحر» إلى تبني النظام الانتخابي النسبي. وكما هو معلوم هذا النظام يعمل لمصلحة المجموعات الصغيرة في المجتمع اللبناني أكثر مما هو لمصلحة المجموعات الكبرى.
الآن وبعد مضي ست سنوات على التحرير عادت الاتهامات بدل ترجمة إنجاز التحرير سياسياً. هنا أعترف لكم أيها «المثقفون الشيعة» بأنني اختلفت وما زلت مع قيادة المقاومة في هذا المجال. اختلفت مع سيد المقاومة عندما يعتمد في كل أحاديثه وأفعاله «الأخلاق» مرجعيةً، وهو إذا ما تمادى في التعبير عن غضبه من فعل أو قول للطرف الآخر يصفه بـ«اللاأخلاقي». منذ متى وجدت «الأخلاق» بالمفهوم اللغوي في السياسة في العالم العربي، وخصوصاً في لبنان.
كان هناك تلميح من أحدهم مرة الى التغيّر الديموغرافي العددي نتيجة لبعض الأصوات الشاذة التي بدأت تشكو من نزوح المال والنفوذ السياسي الشيعي الى بيروت. جاءت الإهانات (مع العلم أن القيادات الشيعية تبنّت دوماً مبدأ الديموقراطية التوافقية) فوراً لتبشّر بأن في لبنان «ديموقراطية نوعية» لا «عددية»، وذهب أحدهم ليقول إن المهم هو «النوعية» لا «الكم». أي إن الشيعة أرقام إنجاب من دون المستوى النوعي للآخرين. ومن هنا ضروري التنويه بأن الشيعة في لبنان ما زالوا حتى اليوم متراجعين درجات عدة عن الطوائف الأخرى في أكثر القطاعات الإنتاجية. فهم ليسوا ذوي حضور مميز في القطاع المصرفي ولا القطاع الفندقي. والأكيد أنهم في الخط الوسط في القطاعين الزراعي والصناعي.
ولكن على الرغم من كل هذه الأوضاع السيكولوجية التي يعيشها المجتمع الشيعي في لبنان، فهو ملتزم أن لا حياة للفرد فيه ولا لأي لبناني مهما كانت طائفته إلا أن يكون جزءاً من مجتمع مدني لا يصنف المواطن بمذهبه ولا بانتمائه المناطقي. وهذا تحدٍّ كبير للشيعة كما غيرهم أن يرتضوا بإلغاء المجتمع المذهبي لا الطائفية السياسية فقط.
ولكن كيف السبيل الى ذلك وأن تطمح الى هذا الحد في جو داخلي كل طرف يعتبر نفسه أقلية مهددة؟
ناهيك عن ذلك، كيف للشيعة أن يطمحوا الى هذا الحد في جو عربي إقليمي محموم ومنغمس بالمذهبية وكأنه لا يكفينا الحساسيات الداخلية. من هنا اسمحوا لي أن أدخل الى هموم وهواجس الشيعة الإقليمية.
في الشق الخارجي:
بعد أفول نظريات الشيوعية والاشتراكية والبعث والقومية العربية وأيديولوجيات أخرى أصبح من السهل ونتيجة لانحدار الديموقراطية والجهل في العالم العربي والإسلامي أن تجد المذهبية مسرحاً رحباً لها.
من هنا شرع العديد من أصحاب النيات السيئة أو الجاهلين نتيجة تعصب ما، وللأسف انجررتم معهم أيها «المثقفون والعلماء الشيعة» عن «حسن نية» تحت وهم النجومية (ويا ليتكم تدققون في خفايا نيات مَن أعطاكم هذه النجومية) إلى إطلاق الاتهامات بأن الشيعة في لبنان هم في الحد الأدنى موالون لإيران وفي الحد الأقصى أداة لها. وكذلك صدرت الاتهامات لشيعة العراق. ولن أدخل في اتهامات الولاء لسوريا لأن في هذا شقاً سياسياً لا مذهبياً.
هنا وكمواطن لبناني عربي (طبعاً أرفض تسمية مثقف شيعي) أود لو أن الخطاب والسلوك العربي اختلفا في تعاملهما مع المواطن الشيعي العربي. أقله في عدم تصنيفه بمذهبية.
أما في موضوع ولائه لإيران أو غيرها وبأن هذا الولاء هو سبب البلاء اليوم فدعوني أذكّركم بأن لبنان كما تعرفون ويعرف الجميع قام على ثنائية «مارونية ــ سنية»، ولم يظهروا الشيعة فيه فعلياً إلا بعد اختفاء الإمام السيد موسى الصدر صاحب الفضل الأول في إرساء قواعد النهوض. هل كان لبنان آمناً بين 1943 ــ 1985 أم أنه تعرض لخضّات سياسية وأمنية كل 10 ــ 15 سنة كانت تهدد مصيره. ألم يكن الموارنة متهمين دوماً بأنهم الدولة وليس دولة ضمن الدولة؟ وبأنهم وضعوا لبنان تحت الهيمنة الفرنسية أو الانكليزية طوراً والأميركية طوراً آخر.
ألم يتهموا السنّة وما زالوا بأنهم ذوو ولاء مزدوج مرة لمصر وأخرى لسوريا وبعدها للسعودية؟
هل تعتقدون أيها «المثقفون الشيعة» بأن حصر انتقادكم بولاء مجتمعكم الشيعي (حتى ولو وافقت معكم وأنا لا أوافق بالطبع) وعدم محاولة دمج آفة الولاء المزدوج كعلة أساسية تمنع نهوض المجتمع المدني في لبنان، فيه تجنٍّ وإجحاف. هل فعلاً تؤمنون بأن هناك مواطنية كاملة في جميع الطوائف اللبنانية تضع الدولة أمام الطائفة ولا تستقوي بدولة خارجية. في تغاضيكم «أيها المثقفون» هذا تحصلون على الإطراء في العلن من بعضهم ولكن الاستخفاف بعقولكم في الخفاء. فليكن شعارنا أننا نرحب بأي طرف يمد العون الى لبنان عربياً كان أم إيرانياً ما دام لا يتناقض مع مبدأ السيادة.
ــ كان بودي لو راجعتم في لحظات هادئة بعيدة عن الإغراء علاقة ما يجري في الساحة اللبنانية بالوضع في العراق في ضوء التغيير الجذري في السياسة الأميركية هناك. هل سألتم مَن كان الحليف الأساسي لقوات التحالف عند إسقاط صدام حسين، وما الذي جعل الأميركيين يغيّرون سياستهم من «حكم للشيعة وإرضاء للسنّة» الى إطاحة الشيعة (إذا استطاعوا) وعودة الحكم بوجه سني حتى لو كان الثمن عودة بعض البعثيين (والأسباب عديدة هنا يتحمّل الشيعة في العراق جزءاً من المسؤولية نتيجة تفرقهم، وكالعادة تفويت فرصة لطالما انتظروها، وللحديث تتمة في هذا الشأن).
ــ إلحاقاً بالسؤال الأخير وفي ضوء التصريحات لرؤساء وملوك عرب تعزز دوافع توجس الشيعة، أليس من الأجدى بكم كـ«مثقفين شيعة» أن تتحرّوا عن تاريخ العلاقة بين «الشيعة العرب والشيعة الإيرانيين»، والمراجع كثيرة في هذا الموضوع. وددنا لو يذكر مطلقو اتهامات «الشيعية الإقليمية» من هي الجهة التي كانت وما زالت تحمل همّ فلسطين ذات الوجه السني أكثر من أي طرف آخر. هل فعلاً شيعة لبنان والعراق ارتموا وتحالفوا مع شيعة إيران نتيجة انتماء مذهبي أم لأنهم أمام امتحانات واتهامات مستمرة لإثبات عروبتهم تارة وتارة إسلامهم وأخيراً اليوم عليهم رد اتهامات عدم وطنيتهم وتسخيرها لولاءات خارجية.
أليس من المفارقة انه كلما برز دور وطني أو قومي للشيعة في العالم العربي في قضية ما تصنّف مذهبياً «شيعياً» كما هي الحال بالنسبة إلى الوضع في العراق أو الصراع مع اسرائيل في لبنان. بينما لا تصنّف القضايا الأخرى كالقضية المركزية (فلسطين) مثلاً في السياق نفسه.هل استطاعت إيران أن تنشئ «مجتمعاً شيعياً متميزاً» و«مربعات أمنية» و«دولة ضمن الدولة» كما تدّعون ويدّعي البعض لولا غياب الدولة الفعلي في هذا المجتمع.
أسوأ نتيجة أدّيتم إليها (وهذا لا يعني أبداً أنكم مطالبون بالكف عن التعبير عن آرائكم) أنكم فتحتم المجال لبعض الأطراف التي انتفضت للدفاع عنكم وكأنكم فئة مظلومة في مجتمعكم، وعليكم أن تعرفوا أن جلّ ما يريده هؤلاء الذين يفتقرون إلى تعدد فكري في مجتمعهم كالذي تنعمون به أنتم، أن يؤججوا ما يريدونه صراعاً سنياً ــ شيعياً. أنا أجزم أن الشيعة ومجتمعهم لن ولن ولن ينجرّوا إليه، كما أنهم لم ولن ينجرّوا الى فتنة إسلامية ــ مسيحية.
في الخلاصة علينا وعليكم «أيها المثقفون الشيعة» أن ترفضوا وتستنكروا هذه التسمية وأن تردّوها لمطلقيها لأنه لا علاقة للثقافة بهم ولا علاقة للثقافة بكم إلا إذا ارتبطتم بقضية، فالثقافة نسبية إلا إذا استثمرت تصبح مطلقة.
مسؤوليتنا شيعةً أن نرفض تصنيف المذاهب لأننا كما السنّة والمسيحيون وجميع الربّانيين وحتى الملحدون متساوون في الإنسانية، وأن نكون متمسكين بعقيدة أهم فلاسفة التاريخ والحاضر الإمام علي بن أبي طالب الذي قال:
«لكم إخوة في الدين، وقرائن في الإنسانية».
فمن هو ليس أخاً في المذهب والدين، هو قرين في الإنسانية ولا لأحد الحق في تكفيره أو تصنيفه. فلا يضطر أحدنا بعد اليوم إلى أن يعطي أو يأخذ شهادات من أحد في المواطنية والانتماء.
* مغترب لبناني مقيم في أوروبا