يتضح، في السنوات الأخيرة، أن الحضور الإيراني في الشرق يزداد نفوذاً، وباتت صور الجنرال قاسم سليماني تملأ الشاشات في تعبير عن أمرين: الأول، اتساع المدى الحيوي للجمهورية الاسلامية مع فشل المشاريع المنافسة الإقليمية التكفيرية والدولية البراغماتية، والثاني، تزايد إدراك القيادة الإيرانية لأهمية الصورة في الحرب الناعمة. ينتشر ضباط الحرس الثوري في غير مكان من الشرق، وهم يلقون الترحيب، وأحياناً يتم النظر إليهم كمخلّصين. لقد منح غباء أعداء إيران الحيوية الإيرانية فرصة تاريخية تسمح لهم بالتمدد في العقول والقلوب، ولا سيما داخل المجال الشيعي.

في المقابل، لا تجد ممالك العرب سوى التحريض المذهبي المتواصل، والقائم في كثير من أجزائه على وقائع إما هي غير صحيحة أو أنها مبالغ بها، لرد ما تعتبره تهديداً لأمنها القومي.
ليس على الإيرانيين أن
يطمئنوا لاستدعاء بعض الشعوب العربية لهم بالتدخل
لا بد من الاعتراف بأن سياسات التكفير والتشويه المذهبي حققت نجاحات تكتيكية ملموسة، فهي حشرت التمدد الإيراني في مسارب الانتشار الجغرافي الشيعي العربي إلى حد ما. ورغم حرص الإيرانيين، وهذا حقيقي، بفتح قنوات التواصل مع الجميع ومحاربة اللغة التحريضية التكفيرية، إلا أن خطواتهم لم تنجح كثيراً لأسباب خاصة بهم، ولقابليات التحريض عند شريحة من سنة المشرق العربي.
في هذا المجال، ليس على الإيرانيين أن يطمئنوا لاستدعاء بعض الشعوب العربية لهم بالتدخل. ففي لحظة الأزمة، كان معبّراً أن يرفع عراقيون صور الإمام الخميني والسيد الخامنئي في مسقط رأس صدام حسين. لكن في المقابل، فإن آلة التحريض تعمل ليل نهار، وهي لا تؤثر حصراً في السنة في المنطقة، بل تطاول آثارها الشيعة أيضاً ممن لا يسمعون أجوبة على أسئلة تتكرر إلى ما لا نهاية رغم تهافتها.
فالإعلام يقوم على ركن التكرار، وركن الصورة، وركن المعلومة الجزئية الصحيحة، إذا ما استخدمنا لغة عسكرية شائعة اليوم. لذلك، من المحتمل أن يجد الإيرانيون أنفسهم في واقع مختلف بعد حين، خصوصاً أن لا إعلام آخر يواكب جهودهم، ولا صور إلا صور سليماني. وهناك أمر مهم آخر، فليس كافياً التركيز على تحقيق انتصارات في معارك فقط، فالزمن الإعلامي اليوم يقوم بالأساس على عرض صور للحياة الجميلة الجاذبة؛ حياة ليس فيها حرب. لا زالت صورة الإيراني، حتى اللحظة، هي صورة المحارب المنقذ، وليس صورة المحارب للسلام والرفاهية، كما نجح الأميركي في تصوير نفسه زوراً. أيضاً، فإن التمدد الإيراني في أوساط المشرق العربي القبائلي يتضمن مخاطر على المدى المتوسط. فالعقلية العشائرية المتخمة بأعراض الماضي القريب قد تنقلب وتتبدل بعد زوال المخاطر المحدقة. على الإيرانيين التنبه لهذا الأمر، ومواكبة فرقهم العسكرية بمجموعات تفكير مدنية ومستشارين مدنيين. وهو ما يذكّر أيضاً بأولوية ضبط تشظي بعض الخطابات في الداخل الإيراني، فصحيح أن الإيرانيين لا يتابعون الإعلام العربي، وربما هم محقون في ذلك، إلا أن غلطة الشاطر بألف. يجب أن يعلم بعض المعلّقين الإيرانيين، من مسؤولين وعسكريين، أن عولمة الاتصال المعادية اليوم، تنتظر أي هفوة منهم، لبناء التحريض وإعادة انتاجه وإحراج مؤيديهم من العرب.
* أستاذ جامعي