وليد شرارة
خلال مؤتمرها الصحافي المشترك مع نظيرها السعودي سعود الفيصل، أكدت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أنه إذا تكللت جهود مصر الهادفة الى إطلاق الجندي الإسرائيلي الأسير لدى حركة حماس بالنجاح، فإن الطرف الإسرائيلي سيخفف من ضغوطه المختلفة على الشعب الفلسطيني مما سيؤدي الى تحسن ملموس في ظروف معيشته. لا تتردد الوزيرة الأميركية بالربط بين مصير جندي أسير ومصير شعب أسير. هي تتبنى الموقف الإسرائيلي بكل صلفه وغطرسته وتخيب، نتيجة ذلك، آمال بعض الذين ظنوا أن الولايات المتحدة، في مسعاها الهادف الى تأليف جبهة عربية ـــ دولية ضد إيران، ستتمايز نسبياً عن الموقف المذكور حفاظاً على ماء وجه حلفائها العرب.
لا شك في أن أبرز عامل مشجع لاستمرار رايس في التماهي مع السياسة الإسرائيلية هو الموقف المستجد لـ«تحالف المعتدلين» العرب. هؤلاء باتوا يرون أن معركتهم الرئيسية، كما كانت الحال أيام الحرب العراقية ـــ الإيرانية، هي مع إيران وأن التقاطع، بل وحتى التعاون، مع إسرائيل في مواجهة «تعاظم» النفوذ الإقليمي لهذا البلد أمر مشروع وضروري. هذا ما يفسر موقفهم من العدوان على لبنان خلال الصيف الماضي ورهانهم على قدرة إسرائيل على تدمير حزب الله أو على الأقل إضعافه جدياً.
لقد شكل هذا الموقف سابقة ونقطة تحول خطرة في السياسات المعلنة لأنظمة مصر والسعودية والأردن. سبق لهذه الأنظمة، ومنذ زمن طويل، أن تقاطعت مصالحها مع المصالح الاسرائيلية. لقد تقاطعت مصالح المملكة السعودية واسرائيل في مواجهة المد القومي ومصر الناصرية في خمسينيات وستينيات القرن العشرين. وساعدت المملكة السعودية من جهة، واسرائيل من جهة أخرى، على استنزاف الجيش المصري عبر دعمهما القبائل الأمامية خلال حرب اليمن. ساهم هذا الاستنزاف في تهيئة الظروف المناسبة لعدوان حزيران 1967.
وتقاطعت مصالح النظام الأردني مع اسرائيل على ضرب حركة المقاومة الفلسطينية في الأردن عام 1970. ووجد النظامان السعودي والمصري نفسيهما في خندق واحد مع دول الغرب وإسرائيل في مواجهة العراق عام 1991.
لكن الأمر يتعدى اليوم مجرد تقاطع المصالح آنياً. المطروح هو تأليـــــف محور غربي ـــ عربي ـــ إسرائيلي ضد ايران وحلفائها.
كيف ستحاول الأنظمة العربية المشار اليها «تسويق» موقفها بين شعوبها؟ كل مجهود لإقناع هذه الشعوب بفضائل السلام مع اسرائيل وبالفرص التي سيتيحها سيذهب أدراج الرياح. المقاربة الوحيدة التي قد يكون لها بعض الصدى هي المقاربة المذهبية. من يقرأ الإعلام الذي تفوح منه رائحة النفط هذه الأيام يذهل لبدائية وفجاجة التعبـــــئة المذهبية التي يلجأ اليها. تـــــنزلق هذه الأنظــــمــــة رويداً رويداً الى اعتماد اســــتراتيجية مذهبية محفوفة بالمخاطر تهـــــدد أمن واســــتقرار جميع دول المنطقة بما فيها أمنها واستقرارها.
لقد نجح المحافظون الجدد في ترويع وتطويع هذه الأنظمة عبر مجرد الحديث عن ضرورة الإصلاح والتغيير في البلدان العربية. سياسة «الابتزاز الديموقراطي» هذه كانت في غاية الفعالية. التطورات العراقية والصراعات المذهبية المستعرة في هذا البلد عززت هي الأخرى هذا المنحى. لجميع هذه الأسباب، جرؤت رايس على أن تساوي بين مصير شعب بأكمله ومصير جندي من جنود جيش احتلال وهي على يقين أن أحداً لن يجرؤ على معارضتها أو حتى مساءلتها...