ماجد عزام *
فيليب زليكوف مستشار وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، كان المتحدث الرئيس في حفل افتتاح المؤتمر السنوي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط القريب من اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة. زليكوف قال إن على الولايات المتحدة أن تتأكد من التقدم على المسار الاسرائيلي ــ الفلسطيني كي تتمكن من تأليف ائتلاف مهتمة به ضد إيران والإرهاب العالمي ويضم دول أوروبا وبعض الدول العربية، حيث إن أعضاء الائتلاف ــ حسب زليكوف ــ يرون في القناة الفلسطينية ــ الاسرائيلية بؤرة تستدعي تدخلاً أميركياً متزايداً وبدون التقدم، فيما ستجد صعوبة في تأييد خطوات الولايات المتحدة حيال إيران. مستشار كوندوليزا رايس البارز لم تفته الإشارة إلى أن الائتلاف السالف الذكر يمثل أيضاً مصلحة اسرائيلية واضحة.
السفير الاسرائيلي في واشنطن داني أيلون، الذي يتمتع بعلاقات وثيقة ودافئة وحميمة مع البيت الأبيض وتحديداً مع مجلس الأمن القومي المهيمَن عليه من المحافظين الجدد وخاصة صديقه المقرب إليوت ابرامز، وصف تصريحات زليكوف بالمناورة الثقافية ليس أكثر، علماً بأن المتمعن والمتتبع للسياسة والدبلوماسية الأميركية في المنطقة، وخاصة بعد حرب لبنان الثانية والفشل الاسرائيلي الواضح في تحقيق الانتصار على حزب الله يستخلص أن تلك المناورة الثقافية تنتصب في خلفية معظم التصريحات والتحركات الأميركية في المنطقة والتي تهدف أساساً إلى تهدئة وتخدير المشاعر العربية بعد الموقف الأميركي العدواني خلال حرب لبنان، ومن ثم استخدام تلك المشاعر المخدرة والمدجنة في الصراع الأميركي المفتوح مع إيران على حق هذه الأخيرة في استخدام التكنولوجيا النووية في المجالات السلمية بما لا يتعارض مع القوانين والمعاهدة الدولية.
المناورة الثقافية نجدها كذلك واضحة جلية في تصريحات الرئيس الأميركي جورج بوش لصحيفة واشنطن بوست التي خاطب فيها الشعب الإيراني على النحو الآتي: «في ما يتعلق بالموضوع حيث أنا أدرك أنكم تؤمنون بمصلحتكم، مصلحتكم السيادية في الحصول على طاقة ذرية، أتفهّم ذلك، لكنني أقول للشعب الايراني أيضاً: توجد مخاوف عميقة من نيات البعض في حكومتكم استعمال المعلومات من الصناعية الذرية المدنية لتطوير السلاح ولتحقيق أهدافهم المعلنة. كنت أريد العمل على الحل الذي يلبّي طموحكم العادل إلى الطاقة الذرية المدنية.
هذه هي المناورة الثقافية، أما الوجه الآخر والحقيقي للموقف الأميركي، فقد كشفت عنه مجلة تايم في عددها الصادر بتاريخ 19 ايلول سبتمبر الحالي التي نقلت عن مصادر عسكرية وأمنية أن عشر خطط أميركية موضوعة لمهاجمة إيران تستند إلى، وتعتمد على سلاح الجو بدون أي تدخل بري كما حصل في أفغانستان والعراق، حيث سيصار إلى مهاجمة 1500 هدف باستخدام جميع أنواع الطائرات الموجودة في خدمة الولايات المتحدة: وماذا بعد ذلك؟ لا إجابة متبلورة لدى الإدارة الأميركية التي تعتقد أن مناورة ثقافية أخرى ستكون قادرة عندئذ على تهدئة المشاعر الإسلامية والعربية الغاضبة وبناء تحالف جديد ضد أي رد فعل إيراني انتقامي سواء ضد الولايات المتحدة أو ضد حليفتها اسرائيل. غير أن البعد الأساسي والجوهري للمناورة الثقافية الأميركية التي أشار إليها مستشار كوندوليزا رايس، نجده في طريقة التعاطي مع الملف الفلسطيني ــ الاسرائيلي حيث ثمّة محاولات أميركية لإعطاء الانطباع بأن هناك تحركات ومساعي لتحقيق تقدم بين الفلسطينيين والاسرائيليين حتى لو كان هذا التقدم لا يمس جوهر المشكلة والصراع في فلسطين المحتلة.
لا شيء يضمن أن تحقق المناورة الثقافية الأميركية نجاحاً لافتاً، وخاصة في المديين المتوسط والبعيد، فالأزمة التي أوجدها انتصار حزب الله على اسرائيل لا يمكن اخفاؤها ببعض العمليات التجميلية، والمناخ الإقليمي الذي توجده حرب لبنان يحصد الخيارات المنافسة أمام الحلف الأميركي ــ الاسرائيلي بين السلام العادل والشامل أو الحرب الشاملة، والمناورات الثقافية لا تفعل شيئاً أكثر من إعطاء الانطباع الوهمي بأن ثمة تقدماً في جوهر الصراع في المنطقة بينما في الحقيقة تبقى النار كامنة تحت الرماد، وأي رياح إقليمية أو دولية عاصفة كفيلة بإشعالها من جديد.
* مدير مكتب شرق المتوسط للصحافة