واشنطن ــ محمد دلبح
يرسم بوب وودوورد في كتابه «دولة الإنكار» الذي اعتلى رفوف المكتبات الأميركية يوم الاثنين، صورة قاتمة للكارثة التي تسببت بها حكومة الرئيس الأميركي جورج بوش في العراق، ويكشف للمرة الأولى حالة الإنكار الإرادي التي يصر عليها بوش لتردّي الوضع في العراق، وكيف أحاط نفسه بجوقة من المساعدين الذين ضربوا على عينيه غشاوة حجبت الحقيقة وزيّنوا له الفشل وشجّعوه على مواصلة الخوض في مستنقعات الوهم.
ويلقي الكتاب أضواء ربما تكون خافتة على الدور الذي قام به اللاعبون الأساسيون من مستشاري البيت الأبيض ودائرة المقربين لبوش مثل نائبه ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (السابق) جورج تينيت ورئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأميركية (السابق) الجنرال ريتشارد مايرز وكثير غيرهم.
ويتناول الكتاب المؤلف من 560 صفحة حكومة الرئيس بوش منذ أن فكر في خوض انتخابات الرئاسة حتى احتلال العراق وما أعقبه، ويصور كيف أصر بوش عند كل كبوة على مواصلة النهج وعدم سحب القوات حتى لو لم يبق من مؤيديه سوى زوجته لورا وكلبه المدلل بارني.
ويظهر الكتاب رامسفيلد شخصيةً متغطرسة مهووسة بالسيطرة ومتنصّلة من المسؤولية حينما يعلن الفشل، ويسلط الكتاب بشكل خاص الضوء على البون الشاسع بين ما تعلنه الحكومة الأميركية وتقدّمه للكونغرس والتقارير السرية التي تحصل عليها والتي تبقيها طي الكتمان ولا تخرج إلى النور. ويسوق الكتاب العديد من الأمثلة على هذا، منها ما أعلنه بوش في خطاب له في شيكاغو في 22 أيار الماضي من أن العالم سينظر إلى تأليف حكومة الوحدة الوطنية العراقية كلحظة حاسمة في تاريخ الحرية تؤرخ لكسب الديموقراطية موطئ قدم في قلب الشرق الأوسط، وتبشّر ببداية تقهقر سريع لقوى الإرهاب. وبعد يومين من ذلك الخطاب ترفع وحدة الاستخبارات الخاصة برئاسة الأركان في البنتاغون تقريراً سرياً إلى البيت الأبيض يناقض تماماً ما تنبّأ به بوش، فبدلاً من التقهقر السريع للمقاومة الذي تحدث عنه بوش تنبأ التقرير بتصاعد أعمال العنف خلال عام 2007 وبمواصلة حصول المتمردين والإرهابيين على الموارد والإمكانيات التي تمكنهم من المضي في أعمالهم.
ويوضح التقرير بالرسم البياني تطور الهجمات منذ أيار 2003 وحتى أيار 2006 ليؤكد ثبات المعدل الحالي من الهجمات على قوات التحالف والسلطات العراقية على ما كانت عليه من قبل بما يزيد على 3500 هجوم شهرياً والذي بلغ في تموز 4500 هجوم. وفي 26 أيار الماضي قدم البنتاغون تقريره السنوي غير السري إلى الكونغرس الذي يتناقض تماماً مع التقرير السري الذي أعدته استخبارات رئاسة الأركان وقدمته إلى بوش، ويقول إن جاذبية العنف ودوافعه ستبدأ في التراجع مع بداية عام 2007، خلافاً لما تضمّنه تقرير وحدة الاستخبارات في هيئة الأركان للرئيس بوش.
وتحدث الجنرال الأميركي المتقاعد جاي غارنر الحاكم الأميركي للعراق فور احتلاله الذي خلفه فيما بعد لويس بول بريمر، عن سخرية رامسفيلد منه حينما توجّه إليه يوم 18 حزيران 2003 ليرفع له تقريراً عن فترة وجوده القصيرة في العراق كرئيس لمكتب التخطيط عقب الغزو حيث أبلغه قائلاً «لقد ارتكبنا ثلاثة أخطاء فادحة في العراق» وهذه الأخطاء جاءت على شكل قرارات اتخذها بريمر الذي كان يعمل مسؤولاً في مؤسسة كيسنجر، فور تعيينه حاكماً مدنياً للعراق، أولها كان تسريح 50 ألفاً من أعضاء حزب البعث ومنعهم من الوظائف الحكومية، والثاني حل الجيش العراقي، والثالث رفض تولي مجموعة من القيادات العراقية السلطة الانتقالية حيث كانت مستعدة لمساعدة الولايات المتحدة على إدارة البلاد خلال فترة قصيرة، وإصراره على تولي رئاسة سلطة الاحتلال المعروفة باسم «سلطة التحالف المؤقتة»، وهو أمر لم يكن مقبولاً حسب اعتقاد غارنر.
وأوضح غارنر لرامسفيلد أنه ما زال هناك فرصة لتصحيح هذه الأخطاء إلا أن وزير الدفاع نظر إليه باستخفاف معتبراً أن غارنر على خطأ، وقال رامسفيلد إنه ليس هناك ما يمكن عمله ولن نعود إلى الوراء. وقد ذهب غارنر بعد ذلك وفي اليوم نفسه مع رامسفيلد إلى البيت الأبيض للقاء بوش، ولكنه لم يذكر أبداً لبوش تلك الأخطاء الثلاثة الفادحة، مكتفياً بإبلاغ بوش قصصاً وحكايا عن فترة وجوده في العراق.
وينقل الكتاب عن روبرت بلاكويل الذي كان المسؤول الأول عن العراق في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض قوله انه عندما عاد من زيارة إلى العراق طالب مجلس الأمن القومي الذي كانت ترأسه رايس آنذاك ونائبها ستيفن هادلي بالمزيد من القوات في العراق. وقال بلاكويل في مقابلة مع وودوورد ان هادلي أبلغه حينها أنه إذا كان لدى الحكومة الأميركية أي استراتيجيا فإنه لا يستطيع تحديد معالمها. وقال هادلي ان الأسوأ هو أن يكون لدى حكومة بوش استراتيجيا لكنهم لا يريدون إبلاغنا بها، أو الأكثر سوء هو ألا تكون لديهم استراتيجيا على الإطلاق. وقد أوضحت رايس أن سلطتها لا تمتد إلى رامسفيلد أو إلى الجيش. وتساءل بلاكويل لماذا لم يناقش الرئيس بوش العسكريين ولماذا لم يمنحهم المزيد من الوقت لشرح الوضع والاطلاع على استراتيجيتهم العسكرية من أجل النصر.
وقام هادلي بعد توليه منصب مستشار بوش للأمن القومي خلفاً لرايس التي عينت وزيرة للخارجية في ولاية بوش الثانية بإعداد تقويم شامل للمشاكل القائمة منذ الفترة الأولى. وينقل الكتاب عن هادلي قوله أستطيع أن أعطي تقدير بي/سالب من ناحية تطوير السياسات ودي/سالب من ناحية تنفيذ هذه السياسات وكلا التقديرين متواضعان للغاية.
وينقل الكتاب عن فيليب زيليكو أحد كبار مستشاري رايس حالياً الذي كانت قد أرسلته إلى بغداد لتقويم الوضع على الأرض في العراق قوله ضمن أشياء أخرى كثيرة إن الحرب يمكن أن يكسبها الأميركيون في المدن والمحافظات إلا أنهم لا يمكنهم أن يكسبوها في بغداد. وانتهى زيليكو إلى أن الولايات المتحدة تعاني حاجة ماسة إلى سياسة موحدة وشاملة ونشطة في العراق. ويذكر أن زيليكو هو زميل سابق لرايس شاركها في تأليف كتاب عن ألمانيا. وقد عاد زيليكو من العراق يوم 10 شباط 2004 بعد أسبوعين من تعيين رايس في منصب وزيرة الخارجية ليقدم تقريراً سرياً لها من 15 صفحة جاء فيه أن «العراق حالياً هو دولة فاشلة يشهد عنفاً متواصلاً وتغيّراً سياسياً ثورياً. وقال في تقريره إن جهود الولايات المتحدة تعاني الإخفاق بسبب افتقادها لسياسة متحدة وشاملة مبلورة. وقال زيليكو إن هناك فرصة نجاح قدرها 70 في المئة في تحقيق الاستقرار والديموقراطية في العراق وهذا يعني أن نسبة الفشل هي 30 في المئة بما في ذلك ما سماه «المخاطرة الكبيرة للفشل المأساوي» ما يعني انهيار الدولة التي سعى بوش إلى إقامتها.
ويذكر وودوورد كيف كان نفوذ وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر وهيمنته من وراء الكواليس على سياسة بوش في العراق، وكيف أن تشيني كان قد أبلغه في صيف 2005 أنه يلتقي مع كيسنجر مرة كل شهر على الأقل هو ومدير مكتبه المستقيل لويس (سكوتر) ليبي، كما كان بوش يلتقي سراً كيسنجر مرة كل شهرين تقريباً ويعتبره مستشاره الوحيد في الشؤون الخارجية من خارج الحكومة.
ولمح وودوورد إلى أن بوش يمضي على السياسة التي رسمها كيسنجر من ضرورة الإصرار على النهج، حيث يتخذ كيسنجر من حرب فيتنام درساً، فهو يعتبر أن الولايات المتحدة قد انتصرت تقريباً فيها لولا أنها لم تستطع المواصلة وضعفت أمام الضغوط للخروج. وراح كيسنجر يتلو رسالته على بوش وتشيني وهادلي ويؤكد ضرورة أن يكون النصر على المقاومة و«الإرهابيين» في العراق هو الاستراتيجيا الوحيدة للخروج، وأكد كيسنجر أن نتيجة الحرب في العراق أهم كثيراً من فيتنام لأن قيام حكومة راديكالية أو نظام شبيه بطالبان في العراق سيكون نموذجاً يمكن أن يهدد الاستقرار الداخلي للدول الرئيسية في المنطقة ومناطق أخرى في العالم.
وكان كيسنجر قد ذكر في مقابلة في أوائل شهر أيلول 2005 مع مايكل غيرسون أحد كتّاب خطب الرئيس بوش، أن الرئيس يحتاج إلى مقاومة الضغوط التي تدعوه إلى سحب القوات الأميركية من العراق، وكرر كيسنجر شعاره الذي يتبناه وهو أن النصر يجب أن يكون الاستراتيجيا الوحيدة للانسحاب من العراق.
ويقارن الكتاب ما كان المسؤولون الرئيسيون في حكومة بوش يعلنونه بالتقارير السرية الحقيقية التي كانت تُتداول داخل دهاليز البيت الأبيض والبنتاغون، وكيف أن حكومة بوش سارعت بعد شهرين من لقاء غيرسون مع كيسنجر إلى إصدار تقرير من 35 صفحة من وحي كيسنجر بعنوان «استراتيجيا قومية للنصر في العراق».
وينقل الكتاب عن قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي الجنرال جون أبي زيد في لقاء مع بعض الأصدقاء عام 2005 في مقر قيادة قواته في الدوحة، وكان من بينهم الجنرال المتقاعد واين داونينغ وجيمس كيمزي مؤسس أميركا أونلاين، أن الحرب تحولت الآن إلى صراع بين العراقيين. وقال أبي زيد إن على العراقيين أن يكسبوها الآن وأن الجيش الأميركي فعل ما في وسعه ومن الضروري خفض عدد القوات الأميركية إذ إنها تشكل وجهاً للاحتلال الذي يجوب الشوارع ويضرب الأبواب ويحملق في النساء العراقيات مما يشعل غضب العراقيين. وقال أبي زيد إن استراتيجيا النصر ليست مهمته بل إنها مهمة الرئيس ومهمة وزيرة الخارجية لأن رامسفيلد لم يعد له أي صدقية.
ويسرد وودوورد كيف أن رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض آنذاك أندرو كارد شعر بارتياح وهو يخرج من البيت الأبيض ليزيح عن رأسه صداع العراق، وكيف أنه ألقى باللوم على الجنرالات في البنتاغون والعراق الذين لم يجرؤوا على أن يواجهوا الرئيس ليقولوا له إن المسألة لم تكن تستحق كل هذا، وأن المهمة لا يمكن إتمامها. وأعرب كارد عن يقينه بأن بوش كان سيتراجع حينها ولن يطلب من جندي واحد آخر التضحية.
وقال وودوورد إن كارد ترك منصبه إلا أن الرجل الذي كان يعتبره كارد الأولى بالرحيل منذ زمن ما زال باقياً، وهو رامسفيلد.
ويسرد وودوورد كيف لاقى تقرير قدّمه تينيت في تموز 2001 عن وجود مؤشرات إلى هجوم وشيك يمكن أن يشنه أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة آذاناً صماء ولامبالاة من قبل رايس، مستشارة الأمن القومي آنذاك، والرئيس بوش، وتشكيكاً من قبل رامسفيلد. وكيف أن هذا التقرير لم يذكر بأي حال وقائع التحقيقات التي أجرتها اللجنة المؤلفة للتحقيق في هجمات 11 أيلول والتي كان يرأسها فيليب زيليكو مستشار رايس حالياً.
ونقل وودوورد عن مدير عمليات مكافحة الإرهاب في «سي. آي. إيه.» كوفر بلاك قوله إنه شعر بأن هناك أشياء أرادت هذه اللجنة أن تعرفها وأشياء أخرى لم تكن تريد أن تعرفها.
وقال تينيت في ما بعد إنه ندم على عدم استيعاب رايس للوضع الذي لو أُخذ مأخذ الجد لأمكن منع وقوع هجمات 11 أيلول، وقال إنه شعر بأنها لم تكن مرتّبة ولم تدفع الناس وتحثّهم حثّاً مثلما كان
يفعل هو في «سي. آي. إيه.»، وقال بلاك الشيء الوحيد الذي لم نفعله هو أننا لم نوجه المسدس الذي كنا نحمله إلى رأسها ونطلق عليها النار.
ويقول وودوورد إن كارد كان قد فكر فور فوز بوش بفترة رئاسية ثانية عام 2004 في ضرورة إدخال تغيير على حكومة بوش وكان السؤال ما إذا كان ينبغي إشراك رامسفيلد في الوزارة الجديدة. وكان على كارد تناول هذه المسألة بحذر كبير نظراً إلى أن العراق قد أصبح حجر الزاوية لكل شيء في واشنطن وأن الرئيس بوش لن يتخذ أي إجراء من شأنه أن يؤثر على جهود الحرب على العراق. وقد تدخل كارد لدى زوجة بوش لورا علّها تستطيع التأثير على زوجها للتخلي عن رامسفيلد، وقد اتفقت لورا مع كارد على أن رامسفيلد أصبح عبئاً على بوش، لكنها أبلغته أنها لا تعرف السبب وراء تمسّك بوش بوزير الدفاع.
وكان كارد يعرف أن لدى رامسفيلد نفوذاً لدى بوش وأنه قناته الموثوقة لأي معلومات عن العراق، ولذلك فإنه لا توجد وسيلة أخرى لإيصال معلومات مستقلة للرئيس عن مجريات الحرب على العراق وتطورات الوضع هناك. وكان أبطال دعاة التغيير ثلاثة وهم رايس ونائبها الذي خلفها في المنصب هادلي، وكارد الذي كانت لديه قائمة ببدائل رامسفيلد تضم 11 اسماً من بينهم العضو الديموقراطي في مجلس الشيوخ المؤيد للحرب على العراق جوزيف ليبرمان وزميله الجمهوري جون ماكين، ولكن كارد اعتقد بأن البديل الأفضل هو جيمس بيكر الموثوق لدى عائلة بوش. وقد أبلغ كارد رئيسه بوش بالأسماء في لقاءات متعاقبة، لكنه ركز على بيكر حيث قال لبوش إن الوقت قد حان لأن يضع على رأس وزارة الدفاع شخصية دبلوماسية. وعندما لم ير تأييداً من بوش قال كارد ناصحاً بوش «لا ينبغي لك الإسراع في اتخاذ القرار». وفي ما بعد قال أحد أتباع رامسفيلد لكارد «لن يحدث شيء حتى تنتهي الحرب».
ويشير وودوورد إلى أن سعي بوش إلى تجنب أي حديث عن الحرب على العراق في الكونغرس هو أحد الأسباب وراء تمسكه برامسفيلد، لأن تعيين بديل له لا بد من أن يجري بموافقة مجلس الشيوخ الذي سيعقد جلسات استماع علنية في هذا الشأن تتناول الحرب على العراق وأخطاءها.
وقد اتجه كارد إلى نائب الرئيس تشيني لمفاتحته بتغيير رامسفيلد لكن الجواب كان لا، وأنه كان قد نصح الرئيس بوش بإبقاء رامسفيلد في منصبه. ولم يُفاجأ كارد بردّ تشيني. وكان تشيني قد أبلغ بوش في حوار خاص أنه سيُنظر إلى تغيير رامسفيلد كتعبير عن الشك والتردد في شأن الحرب على العراق، ويتحدث وودوورد عن رامسفيلد مشبّهاً إياه بديكتاتور في تصرفاته وإصراره على التمسك بالمعلومات وحيازتها من دون غيره، إلى حد أنه يطلب خلال تقديمه إيجازاً معلوماتياً من الموجودين ألا يأخذوا أية ملاحظات مكتوبة وأن يكتفوا بالاستماع فقط من دون الكتابة. وعندما يحضر مصطحباً جنرالات البنتاغون كان هو شخصياً يتحدث أولاً ثم يقدمهم واحداً بعد الآخر مع تحديد ما سيتحدثون به، وقال وودوورد إن الجنرال مايرز كان يعاني كثيراً هذا التصرف، ورامسفيلد لم يكن يعر رايس اهتماماً إلى حد أنها عندما عاتبته لأنه لم يرد على مكالمة هاتفية منها لتسأله عن خطة الحرب أو نشر القوات، ردّ عليها بأن سلسلة القيادة العسكرية لا تشمل مستشار الأمن القومي. وقد اشتكت رايس فوراً إلى الرئيس بوش من هذا الشأن. وقال بوش لرامسفيلد «أعرف أنك لا تريد أن تكلم كوندوليزا ولكن ينبغي أن تتحدث إليها».
ويقول الكتاب إن رامسفيلد قد حوّل البنتاغون إلى «مكتب خاص» من المساعدين الخاصين والمستشارين يضم أصدقاءه القدامى وضباطاً عسكريين متقاعدين أحدهم ستيفن هيربيتس وهو محامي وصديق قديم لرامسفيلد منذ عام 1967 وأوكل له كل ما قد يعينه على النجاح في وظيفته. وقد أبلغ هيربيتس صديقه رامسفيلد في الخامس من كانون الأول 2002 في ذروة التخطيط لغزو العراق أن الأمر المهم هو التركيز على التخطيط لما بعد الغزو «وإذا فشلت فإننا لن نكسب السلام». وحذره مما يقوم به وكيل وزارة الدفاع للشؤون السياسية دوغلاس فيث الذي كان مسؤولاً عن التخطيط لما بعد الغزو. وقد تبين في ما بعد أن، كما يقول وودوورد، السبب الرئيسي وراء الوضع المتردي في العراق بعد الغزو هو فقدان الأمن وأن ذلك يعود إلى النقص في عدد القوات المطلوبة.
وكانت خطة غزو العراق تشمل مشاركة 275 ألف جندي أميركي بمن فيهم 90 ألف جندي كان ينبغي إرسالهم إلى العراق بعد أسابيع من بدء الغزو في 19 آذار 2003. ونقل وودوورد عن نحو ستة من الجنرالات والمسؤولين المدنيين في البـــنتاغون مـــــمن عملوا عن كثب مع رامسفيلد قولهم إنه هو من يتخذ القرارات.