وليد شرارة
البيان التوضيحي الصادر منذ يومين عن قيادة اليونيفيل حول الصلاحيات الفعلية لقواتها وحول «قواعد الاشتباك» التي تلتزمها يؤكد لمن بقي بعض الشك يساوره حقيقة المهمة التي أتت هذه القوات لتنفيذها. هي ليست مكلّفة بنزع سلاح حزب الله مباشرة وبالقوة لأنها تدرك حقيقة موازين القوى العسكرية والشعبية والسياسية في لبنان وتعلم أن ما عجز الجيش الاسرائيلي عن فعله، على الرغم من عدوانه الوحشي على هذا البلد، لن تنجح هي في انجازه. وهي تعي أن الرأي العام في بلدانها وافق، أو على الأقل لم يعارض، أن تأتي الى الجنوب اللبناني بشرط أن تكون مهمتها حصراً حفظ السلام. واذا، لأي سبب من الأسباب، تجاوزت قوات اليونيفيل هذه المهمة وتعرضت لـ«ردود فعل» نتيجة لذلك، لن تحتمل أية حكومة غربية لديها جنود مشاركون في إطار هذه القوات، التبعات السياسية الداخلية لذلك.
دور اليونيفيل ليس الصدام المباشر مع حزب الله بل هو يقتصر على فرض حصار لوجستي عليه وتعزيز موقع خصومه وموقفهم في لبنان معنوياً وسياسياً. هؤلاء كانوا يدّعون الشعور بالاستضعاف نتيجة امتلاك حزب الله وحده للسلاح. لكن اليوم، مع الحشد الكثيف للقوات الدولية وأساطيلها، بات في إمكانهم الشعور بالطمأنينة ورفع سقف مواقفهم السياسية وإطلاق خطاب تشهيري واستفزازي تجاه من دافع عن الوطن وبذل الغالي والرخيص في سبيله. تتكامل الضغوط «الداخلية» المشار إليها مع الضغوط الخارجية، الأميركية والأوروبية والعربية، على المقاومة. تعرف جميع هذه الأطراف أن قدرة المقاومة على احتمال الضغوط عالية، لذا هي تلجأ الى المزيد من التصعيد عبر اعتماد ما يمكن اعتباره «سياسة حافة الهاوية» لمحاولة التهويل عليها.
من يعترض على هذا التحليل، فعليه أن يشرح معنى تصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن دور اليونيفيل في حماية اسرائيل وتصريحات وزيرة الدفاع الفرنسية ميشيل إليو ماري عن القدرات الرادعة للقوة المذكورة والتوضيحات المتعلقة بـ«قواعد الاشتباك». وعليه أيضاً أن يُفسّر تزامن هذا التصعيد اللفظي الدولي مع تصعيد لفظي محلي من قبل أقطاب المجموعة الحاكمة. لا حاجة للتذكير بخطورة هذه السياسات في ظل مناخات الاستقطاب الطائفي والمذهبي محلياً واقليمياً.
موافقة الأمم المتحدة على المشاركة في ترجمة مثل هذه السياسات مؤشر آخر إلى الحضيض الذي انزلقت إليه المنظمة الدولية. لقد أصبحت اليوم مجرد أداة للسياسة الأميركية.
فبعكس ما يظنه البعض، دورها المستجد ليس نتيجة اعتراف ادارة بوش بضرورة التعاون معها لحل الأزمات الدولية المستعصية بل لأنها نجحت باستتباعها وتوظيفها في إطار استراتيجيتها. وأضحى جون بولتون، عدوها اللدود بالأمــــس، راضياً جداً عن توجّهها الجديد.
منذ بداية تسعينيات القرن العشرين، طالب بعض المفكرين في الغرب، كبول جونسون مثلاً، بضرورة لجوء الأمم المتحدة، أو حلف الناتو، الى إحياء نظام الانتداب لتقرير مصائر البلدان والشعوب التي عجزت عن بناء دول «عصرية». خصّ جونسون بالذكر أفريقيا جنوب الصحراء. لكن التطورات التي تلت أدت الى توسيع المهمات الانتدابية الى مناطق أخرى من العالم ككوسوفو والبوسنة وتيمور الشرقية. وهناك من يسعى اليوم إلى المزيد من توسيع هذه المهمات لتشمل لبنان.