علوان أمين الدين
من الأسئلة التي تطرح نفسها، لماذا لم ينضم لبنان الى المحكمة الجزائية الدولية حتى اليوم مع العلم انه قد شارك في المؤتمرات التحضيرية للاتفاقية في روما؟ هل خلفيات الموضوع سياسية أم الضغوط الدولية قد حالت دون ذلك؟
إن منافع جمة قد تفوت لبنان من خلال عدم انضمامه الى هذه المؤسسة الدولية، حيث ان هناك فوائد كثيرة وعديدة يمكن ان تستفيد منها البلدان الصغيرة بالاخص كي تحمي بها نفسها من تجاوزات بعض الدول العظمى. فلبنان مثلاً باستطاعته ان يرفع دعوى ضد «إسرائيل» ـ تحديداً ـ وخصوصاً بعد الحرب الاخيرة، الامر الذي ستنتج منه حتماً ـ وفي حالة تقديم دعوى ـ ادانة المسؤولين «الاسرائيليين» والحكم عليهم بعقوبات «زجرية» ـ وخاصة ان الدفع بالحصانة لا ينتج مفاعليه امام المحكمة ـ والتعويض من الخسائر البشرية والمادية من دون منّة من أحد أو ابتزاز أو خضوع لأي دولة كبرى.
ومن الجدير ذكره هنا ان لبنان يستطيع الآن ان يتقدم بدعوى الى المحكمة اذا ما قبل اختصاصها حتى لو انه ليس ـ حتى اليوم ـ طرفاً فيها وذلك وفقاً للمادة 12 من نظام المحكمة، وبهذا تستطيع النظر في الدعوى.
ولكن الولايات المتحدة ـ كعادتها ـ تحاول الالتفاف على نظام المحكمة والتنصّل منه في رغبة ضمنية منها لحماية نفسها وحلفائها وخصوصاً عندما نراجع الدور الذي قامت به في المؤتمرات التحضيرية لصياغة الاتفاق والتنازلات التي أرادت من المؤتمرين تقديمها لها. على رغم ذلك وبعدما أخذت ما تريد، رفض الكونغرس الأميركي التصديق على الاتفاق وبذلك لم تنضم. هذا بالاضافة الى انها تقوم بتشجيع الدول الأخرى على عدم الانضمام الى نظام المحكمة.
وتستعمل واشنطن سلطة مجلس الأمن ـ وبما له من صلاحية أعطاه إياها نظام روما الأساسي بحسب المادة 16 منه ـ لإيقاف أي اجراءات أو مقاضاة أمام المحكمة لمدة سنة بقرار يصدر عنه بناءً على الفصل السابع من الميثاق. وهذا ما حدث فعلاً عندما أصدر مجلس الامن القرار 1422 عام 2002 والقاضي بتعليق العمل بنظام المحكمة بالنسبة إلى الدول التي ليست عضواً فيها لمدة سنة قابلة للتجديد، وتكرر تجديد المادة بصدور القرار 1487 عام 2003 الذي مدد مدة وقف العمل بهذا النظام سنة إضافية. وليس هناك ما يمنعها ـ وخصوصاً ان لها نفوذاً بارزاً في مجلس الامن ـ من استصدار قرارات جديدة ولمرات عديدة ومتكررة فتفلت من محاسبة أو محاكمة جنودها ورؤسائها.
ولكن عند النظر الى القرار 1422، يستوقفنا أمر مهم. ففي الفقرة الاولى من القرار، يتبين ان عدم مباشرة أي اجراء من اجراءات التحقيق أو المقاضاة في حال اثارة أي فضيحة تشمل مسؤولين أو موظفين راهنين أو سابقين تابعين لدولة مساهمة ليست طرفاً في نظام روما الأساسي يقتصر على الاعمال او الافعال التي تتعلق بالعمليات التي تشنها الامم المتحدة أو تأذن بها، الا اذا أقر مجلس الامن غير ذلك. وبناء على ما سبق، لا تستفيد «إسرائيل» من نص القرار حيث ان عدوانها والجرائم التي انبثقت منه لم تكن تتعلق بعمليات تقوم بها الامم المتحدة او تأذن بها.
أما الجواب عن السؤال المطروح في المقدمة يمكن ان يكون على الشكل التالي: الولايات المتحدة تضغط على لبنان لمنعه من الانضمام إلى نظام المحكمة خوفاً من ان تتورط بعمليات عسكرية مستقبلية فيه ـ وبقية الدول الضعيفة ـ قد ينتج منها قيام جنودها بارتكاب كل أو بعض الجرائم المنصوص عليها في نظام المحكمة مما يستتبع خضوع جنودها للمحاكمة امامها، الامر الذي يضعف هيبتها كدولة عظمى، هذا من ناحية أولى. ومن ناحية ثانية، قد يكون المطلوب ان يوقّع لبنان معها اتفاقاً ـ على غرار الاتفاقات التي توقّعها مع الكثير من الدول ـ يقضي بأن يسلمها الجنود الاميركيين، إن قاموا بإحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة 5 من النظام على أرضه، الى دولتهم وعدم وضعهم تحت سلطة المحكمة وخاصة ان نظام روما لا يمكن التحفّظ عنه، فإما ان توقّع الدولة عليه كله أو ترفضه كله. ومن ناحية ثالثة، لا يمكن تجاهل الهدف الاميركي في حماية «إسرائيل» من الخضوع للمحاكمة وخاصة انها مشهورة ومعروف عنها القيام بجرائمها ضد الانسانية. في المحصلة يبقى الامر رهناً بإدارة الحكومة اللبنانية التي لها الحق في طلب التوقيع على الاتفاق ـ بل يجب عليها التوقيع لان في ذلك إفادة قصوى لكون لبنان دائماً هو الضحية والمعتدى عليه ـ او على الاقل تقديم شكوى الى المحكمة بعد قبول سلطتها للتحقيق في الاحداث الاخيرة ـ تحديداً ـ وخصوصاً ان المجازر التي ارتكبتها «إسرائيل» والتي راح ضحيتها النساء والاطفال ـ بشكل خاص ـ بأعداد كبيرة وتدميرها للمنازل والبنى التحتية تشكل جرائم تستدعي قيام المحكمة ومحاسبة المرتكبين.