وصفي الأمين *
ما معنى أن تكون شيعياً في لبنان اليوم؟؟
سؤال شديد الالتباس يستدرج أسئلة أخرى كثيرة، ربما تكون أكثر التباساً وخطورة أيضاً، إلا أننا هنا نطرح سؤالاً آخر بسيطاً: عن أي شيعي يجري الحديث هنا؟ الشيعي الخارج على طائفته ليتمترس في خندق طائفة أخرى؟ أم الشيعي الذي يدّعي اللاطائفية ثم لا يجد حرجاً في الهجوم على طائفته والدفاع عن عصبية «طائفية» أخرى، بل إقطاعية أيضاً؟ أم الشيعي المستزلم تحت غطاء التعدد؟
ولماذا السؤال عن معنى أن تكون شيعياً الآن؟ هل لأن السائل شيعي أم لأن المستهدف شيعي؟ وهل الاستهداف طائفي داخلي أم «ديموقراطي» خارجي.. أم الاثنان معاً؟؟
ولماذا طرح هذا السؤال خلال وبعد حرب مدمرة خيضت ضد لبنان واستهدفت أساساً البنية الشيعية المادية والمعنوية؟ ولماذا الإلحاح في طرحه والتركيز عليه في هذا الشكل المريب؟ ما معنى اختصاص الشيعة في لبنان من بين كل طوائفه بهذا السؤال (وجميعها شمولية وجامدة ومعطلة ومصادرة)؟؟
ربما ما زال السؤال مطروحاً لأن واجهة السائل شيعية.. وربما لأن السائل شيعي بالفعل.. لا يهم.. لكن ما الهدف من طرحه؟ هل هو التدقيق في ولاءات الشيعة..؟ أم البحث عن سبل لتغيير هذه الولاءات في محاولة لضرب مواقع القوة المتوافرة اليوم داخل الطائفة لإضعافها ومن ثم استلحاقها بمشروع مرسوم سلفاً؟
نعم قد يكون السائل شيعياً بالفعل.. إلا انه من المستبعد ان يكون متحرراً من كل «شوائب» الطائفة والطائفية ومنفتحاً على أطياف المجتمع المختلفة (إن لم نقل المتناحرة) وهنا أعني ان الدافع أو الدوافع لطرح السؤال انتقامية وانتهازية في معظم الأحيان. بالإمكان الإسهاب وطرح الكثير من علامات الاستفهام.. إلا اننا قد نجد جزءاً من الجواب في فشل شريحة كبيرة من المثقفين الشيعة (وخصوصاً العلمانيين) الفشل الذي أنتج إحباطاً أدى بدوره الى ظاهرة جلد الذات عند هؤلاء بسبب عجزهم عن الخروج من المأزق. عجرفة هؤلاء وتذاكيهم وخفّتهم في التعاطي مع واقع الناس قادتهم الى خوض معارك وهمية ومنهكة جعلوا من البسطاء وقوداً لها.. ثم شرعوا ينظِّرون لمعارك ويبررون حروباً لا ناقة للناس فيها ولا جمل، من دون ان يحققوا أي مكسب يشفي الغليل، هذا فضلاً عن مساهمتهم (حين تلبّسوا بلبوس اليسار) في إفشال المشروع اليساري.
ولأنهم «المثقفون» و«الأرقى» و«العصريون» انفضّوا هم عن طائفتهم لأن جمهورها «شمولي بلا عقل» وهم لا يمكنهم العيش معه... وهم لأنهم «سبقوا زمانهم» ولأن طائفتهم «متخلفة» ولم تقدرهم حق قدرهم، انتقلوا غاضبين على الشيعي الى أمكنة أخرى وأخذوا يستجدون الظروف للانتقام من الطائفة التي تنكّرت «لعبقرياتهم» الجاحدة لنضالاتهم، وغطوا فشلهم وانتهازيتهم ونزعاتهم الانتقامية بالعقلانية والليبرالية تارة وبالعلمانية ومكافحة الطائفية تارة أخرى.
«عباقرة» الطائفة الشيعية يدركون على الأغلب أنهم خرجوا من طائفتهم ليدخلوا «طوائف» أخرى دينية أحياناً على رغم عقلانيتهم المشوّهة بالفوقية والدونية في آن معاً.
الطائفة الشيعية، اذا لم ينس هذا البعض، كانت حتى ثمانينيات القرن الماضي (أي حتى لحظة اكتمال فشلهم الذريع والمدوّي وبروز قوة أخرى أكثر نجاحاً وقدرة) كانت الخزان الذي زوّد الأحزاب الاشتراكية والقومية والوطنية والفصائل الفلسطينية بمعظم كوادرها وعناصرها ومناضليها ومقاتليها، فضلاً عن عدد من أبرز مثقفيها ومنظريها ومفكريها، وبنسبة أكبر، بما لا يقاس، مما قدمته الطوائف الاخرى، وهي لا تزال قادرة على هذا العطاء ومستعدة له.
ماذا يعني ان تكون شيعياً في لبنان اليوم؟ سؤال يسهل وضعه ضمن الأسئلة الكبرى، وطرحه اليوم يشير الى نهضة داخلية تعيشها الطائفة الشيعية يساهم فيها هذا البعض من المثقفين من دون ان يقصد وعلى رغم غموض دوافعه من وراء هذ التساؤل الملتبس... والسؤال يعني ان هذه الطائفة من اللبنانيين تتحفّز للقفز الى الأمام، وبالتالي تكون الإجابة عن السؤال بسؤال آخر هو: القفز في أي اتجاه؟ وللإجابة عنه جزئياً ينبغي التدقيق في القدرة الفائقة لحزب الله على الادارة والتنظيم التي تتحول سريعاً الى ثقافة بين أبناء هذا الجمهور وتالياً الى جزء مهم من رافعة نهضته في لبنان بمشاركة شريحة مثقفة أخرى أوسع وأكثر اتزاناً وانخراطاً في حركية هذه الطائفة والوطن لتذخير تحفُّزها وإنجاح القفزة.
بسبب عجزهم عن توجيه نقد حقيقي لحزب الله الذي تمكّن من كشف ضعفهم وعيوبهم أو بسبب من إدراكهم عجزهم عن تقديم خيارات أخرى (غير رفض بعضهم الطفولي بأن يُنسب الى الشيعة)، فإن هؤلاء يرتدّون على الطائفة التي تحتضن هذا الحزب وتحنو عليه ليكيلوا لها ما تيسّر من تهم وذم ويشنون عليها ما يسمح به «الظرف» من هجمات بائسة.
* صحافي