علي فخر الدين *
الحوارات التي تجري في المنطقة العربية ــ الإسلامية بين قوى الصراع في المنطقة طال أمدها وتستقر على محورين أساسيين هما:
1 ــ الحوار الأوروبي ــ الإيراني بشأن الملف النووي الإيراني ووقف تخصيب اليورانيوم.
2 ــ حوار مع قوى المقاومة للمشروع الأميركي ــ الصهيوني في المنطقة بغية نزع سلاحها والاعتراف بإسرائيل جزءاً من نسيج المنطقة، وعلى رأس هذه القوى تأتي حماس وحزب الله وكل الفصائل المسلمة في فلسطين والعراق، وإرسال قوة دولية الى دارفور في السودان. وهذه الحوارات بدأت تأخذ منحى ساخناً بدأ يتمظهر في الأرض المحتلة بين حماس وفتح وبين حزب الله والحكومة اللبنانية في لبنان.
كما أتى الموقف الأميركي الجديد ليمهل الأوروبيين حتى نهاية هذا الأسبوع للبدء بالتصعيد ضد إيران دولياً إذا لم تمتثل لوقف التخصيب في ملفها النووي.
نفترض أن الحوار يكون بين طرفين ندين متساويين في الحقوق والواجبات، فالحوار بين بلدين يجب أن يرتكز على حقوق متساوية للبلدين، وكذلك في تساوي الواجبات، لا أن تكون مصالح بلد أو دولة ما على حساب بلد أو دولة أخرى ومصلحتها، وإلا فإن الحوار تكون الغلبة فيه لطرف والخسارة للطرف الآخر، وهو ما يعني أن الاستمرار في التعامل تحت عنوان الغلبة لا التساوي يكون تعزيزاً دائماً لمصلحة القوي في المعادلة، يقابله إضعاف للطرف الآخر لدرجة أن هذا الآخر يكاد أن ينمحي أثره ويضحمل، كما حصل للهنود الحمر في أميركا وللفلسطينيين في فلسطين، ويصبح الحوار في هذا الإطار هو إملاء للشروط على الآخر وإذلاله بدل أن يكون حواراً للوصول الى تسوية مقبولة بين الطرفين. فلو أخذنا الملف النووي الإيراني، هناك إجماع دولي من الناحية القانونية على حق إيران ليس فقط في التخصيب بل حتى في الحصول على الطاقة النووية السلمية، وإن معارضة الولايات المتحدة وأوروبا لهذه الحقوق لا تندرج تحت العنوان القانون الدولي، بل تحت عنوان الخوف من امتلاك إيران للتكنولوجيا النووية سواء كانت سلمية أو عسكرية، لأن امتلاك إيران لهذه التكنولوجيا سيغير موازين القوى الدولية ويسمح لدولة (إسلامية) بالاستقلال الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي ويجعلها في مصاف الدول الكبرى، وهذا أكبر من أن تستطيع تحمّله موازين القوى الدولية الحالية القائمة على الاستغلال والإذلال للدول الفقيرة، التي يجب أن تبقى، في منظور الدول الغنية، تحت مستوى الاستقلال عن الدول الكبرى وهيمنتها على مقدرات العالم. فالدول الكبرى أصلاً لا تعترف بحقوق هذه الشعوب ودولها أسوة بحقوق الدول الغنية الكبرى، بل تريد أن تبقي الهراوة الغليظة فوق رؤوس الدول الفقيرة إذا ما حاولت التخلص من هيمنة الدول الغنية والاستقلال عنها. لسنا هنا إزاء حوار وتفاهم، بل إرغام وإملاء، فإما الخضوع لسياسة الهيمنة وتقبّل الشروط المهينة وإلا فالأساطيل والطائرات والجيوش الجرّارة ستكون بالمرصاد لأي دولة أو فئة أو مجموعة تحاول التخلص من سياسة الهيمنة والإخضاع. هذا الشاهد الأول. أما الشاهد الثاني فهو أكثر وضوحاً على الساحة الفلسطينية، فـ«المجتمع الدولي» يعلن بصراحة لامتناهية حفاظه على أمن إسرائيل وتفوقها ونقاوة عرقها اليهودي، أما حقوق الفلسطينيين، فإذا ما بقي من فتات على مائدة الإسرائيلي يمكن النظر لما يستطيع هذا «المجتمع الدولي» أن يقدم من هذا الفتات للشعب الفلسطيني، فهذا الشعب ليس له حق العودة، لأن هذا يؤثر في مستقبل «إسرائيل» الديموغرافي والسياسي، ولا وقف لبناء المستوطنات لأن هذا «نمو» طبيعي للمجتمع الإسرائيلي، ولا إطلاق للأسرى، ثم يأتينا «المجتمع الدولي» بشعار غريب هو إنشاء دولة فلسطينية «قابلة للحياة» على الأراضي التي لا يريدها الإسرائيلي وليست الأراضي التي يحق للفلسطينيين أن تكون ملكهم. «دولة قابلة للحياة»، ما معنى هذه الدولة؟ فالمخيمات الفلسطينية في لبنان والأردن هي دول قابلة للحياة، فهم لا يتكلمون عن دولة فلسطينية ذات سيادة وحقوق تاريخية وحدود واضحة، بل إن هذه الدولة يجب أن تكون خاضعة للشروط الإسرائيلية سياسياً وأمنياً واقتصادياً وثقافياً، فهم يريدون التدخل حتى في البرامج المدرسية والجامعية، فكل شيء مباح للإسرائيلي لضمان مستقبله، أما الفلسطيني فهو خاضع دائماً للابتزاز ومطلوب منه الاستمرار بالموافقة على الشروط الإسرائيلية والتنازل عن حقوقه بنداً بعد آخر، حتى أصبحت الشروط الدولية والإسرائيلية غير محتملة وبدأت سلسلة الانتفاضات في الداخل الفلسطيني وصولاً الى يومنا هذا، حيث اختار الشعب الفلسطيني حركة حماس لتكون ممثله المباشر لما حملته من شعارات وسياسات تشعر الفلسطيني بكرامته وحقوقه ووجوده. من الواضح أن هذا ليس حواراً بل إملاء شروط لإخضاع العالمين العربي والإسلامي كيلا تقوم له قائمة، الآن وفي المستقبل.
غير أنه من الواضح أن الزمن قد تغيّر والقوى قد تغيرت والموازين بدأت بالتبدّل، فصمود ست سنوات متتالية لانتفاضة الشعب الفلسطيني البطل، والهزيمة الساحقة التي مني بها العدوان الهمجي الإسرائيلي على لبنان ومقاومته، حملا الكثير من المخاوف على المشروع الأميركي ــ الإسرائيلي في المنطقة ودقّا ناقوس الخطر على الدور المستقبلي للكيان الإسرائيلي وإمكان استمراره في المستقبل، ناهيك باستمرار الفشل الأميركي في إخضاع المنطقة.
إن ما تشهده المنطقة حالياً من تقارب أميركي ــ أوروبي مع دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة الى مصر والأردن، تجاه الملفين الأساسيين في المنطقة وهما الملف الإيراني من جهة وملف نزع سلاح قوى المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق، يشبه التحالف الذي أقيم لشنّ الحرب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية انطلاقاً من العراق أيام صدام حسين المخلوع، غير أن التقارب المذكور يأتي في ظروف مختلفة عن الثمانينيات، فإيران الآن غير إيران الثمانينيات على كل المستويات، وقوى المقاومة في فلسطين والعراق ولبنان هي غير تلك القوى في الثمانينيات من حيث الخبرة والصلابة وحُسن التنظيم والقدرة القتالية. بالمقابل إن إسرائيل اليوم غير إسرائيل الثمانينيات بعدما تعرّض جيشها لمجموعة إذلالات عسكرية عام 2000 وحرب 2006 في لبنان، وفشلها الذريع في القضاء على المقاومة المسلحة في الأرض المحتلة. ثم يجب معرفة ما مدى فاعلية «الحلف» الذي تحاول الولايات المتحدة إقامته في المنطقة، ومدى نجاح تكوينه في خدمة السياسة الأميركية بعدما رأت دول الخليج ومصر والأردن سلسلة الإخفاقات الأميركية في المنطقة؟
إن الذراع الأميركية ــ الإسرائيلية لا تزال قوية وتمسك الكثير من الأوراق، غير أن صلابة مواقف المقاومة كفيلة برد كيد العدو الى نحره، وإن جماهير العالم العربي والإسلامي أصبحت بعد معركة لبنان مستعدّة لأن تكون في أية مواجهة، وعلى الأرجح أنها لن تكون مكتوفة الأيدي في أي معركة مقبلة.
* كاتب سياسي