رياض صوما *
واليوم في زحام الهجوم الشامل على الشرق العربي والإسلامي، يتدهور الوضع إلى ما هو أسوأ. لقد أصبحنا في مرحلة من ليس معنا فهو ضدّنا. والقنابل الذكية والانشطـــــــــارية وحتى النووية، مشروعة إذا كانت في أيدي الحلفاء، أما السكاكين فأسلحة دمار شامل، إذا كانت في أيدي الأخصام. ولا تــــــــــفسير لهذا الغرام المستجدّ بالدولة في لبنان، وبحقــــّها في احتكار قرار الحرب والسلم خارج هذا السياق، وخارج الأولويات الأمــــــــــيركية الإسرائيلية. فسلاح المقاومة لم يكن قــــــــــبل ذلك في مقدمة الاستهدافات، ولم يكن معـــــــوقاً للتحالــــــف الإقطاعي ــ المافـــــــــــيوي ــ الميليشيوي الحاكم، منذ ما قبل الطائف، وخلاله وبعـــــــده. الذي تمتّع طيلة تلك الفترة بأفضل الشروط الاستثمارية، المشروعة وغير المشروعة، حيـــــث غضّت المقاومة النظر آنذاك عن «الهبج»، حرصاً منها على تحييد أطراف ذلك التحالف، وحماية ظهرها خلال معركتها المديدة مع العدو الصهيوني.
ولم تنتقص المقاومة سابقاً ولا لاحقاً، من حصص المنقلبين عليها، الذين كانوا كعادتهم في التلوّن، يكيلون لها المديح آنذاك، ويشيدون بنزاهتها وزهدها، ما دامت لا تعترض على نهبهم ولا تطالب بحصة من الجبنة. فما الذي عدا مما بدا، حتى صارت الخطر الداهم عليهم وعلى «بناء الدولة»، خاصة بعد انتصارها الأخير؟ الجواب بسيط: ارجع إلى تصريحات غوندوليزا.
فقد بدأت حفلات الغزل بالدولة، والشوق اليها، ولوعة انتظار عودتها، بخجل خلال فترة السماح التي أعطتها رايس لمتعهدي بناء «لبنان الجديد». ثم حميت خلال مرحلة انتظار استعدادات الجيش الاسرائيلي. اما بعد فشل العدوان، ومجيء القوات الدولية، فقد بلغ الهياج ذروته. لماذا؟ لأن أصدقاء الغرب في لبنان، يرون أن تصاعد الانغماس الاطلسي في حرب افغانستان، واستمرار تورطه في المستنقع العراقي، والعجز الاسرائيلي الذي انكشف خلال الحرب الأخيرة، والصمود الإيراني والسوري، وحتى السوداني، في وجه الضغوط الاميركية، كل ذلك يلقي ظلالاً كثيفة على الأفق. ويرون أن الانتخابات الفرنسية باتت على الأبواب، وأن بلير قد حدّد موعد انسحابه من دائرة القرار، وجورج بوش على الطريق. الوقت ينفد بسرعة، فلا بد من كسب الوقت وحرق المراحل ومواكبة تصعيد الجولات الأخيرة، المتوقعة إقليمياً، وخاصة بعد جولة رايس التعبوية.
وقد لاحت البوادر مع تسلّم قوات الأطلسي إدارة القتال على مجمل الأراضي الأفغانية، ودعوة حكومة المالكي إلى تصفية الميليشيات، والمقصود أساساً ميليشيا الصدر، وتشديد الحصار على الشعب الفلسطيني، ومنعه من تأليف حكومة وحدة وطنية، وإيصال الخلاف بين فتح وحماس الى الصدام المسلّح، والإعداد لإنزال قوات اطلسية في دارفور رغماً عن إرادة الحكومة السودانية، واستعداد الإسرائيليين لاستئناف القتال في الجنوب، لاستكمال ما فشلت في تحقيقه الحرب الاخيرة، كما ورد على لسان وزير الدفاع الاسرائيلي الأسبق بن اليعازر.وهذا ما يستشفّ من التهديدات التي وجّهها جعجع وجنبلاط والحريري أخيراً، رداً على عرض الحوار الذي تقدم به سماحة السيد حسن نصر الله، واستمرار رفض فكرة حكومة وحدة وطنية. لذا، من المناسب التذكير بالنتائج الفعلية التي أفضت اليها شعارات مشابهة رفعت سابقاً. لنذكر شعارات: تحرير لبنان من آخر فلسطيني، عزل الكتائب، الدفاع عن عروبة لبنان وتطوره الديموقراطي، أمن المجتمع المسيحي فوق كل اعتبار، وغيرها...
إن رفض الأكثرية للتسوية المتوازنة، وطرح شعار بناء الدولة «بأي ثمن»، ووضعه نقيضاً لخيار المقاومة، يجعله، بنبرته ودلالاته في الظرف الراهن، عنواناً لصراع سياسي وإيديولوجي حاد، سيؤدّي الى عكس مضمونه. فبدل تطوير الدولة القائمة، سيعجّل في انهيارها.
(حلقة ثانية وأخيرة)
* عضو المجلس الوطني للحزب الشيوعي اللبناني.