غسان سعود
يُجمع المؤرخون على القول إن من لا تاريخ له، لا حاضر له ولا مستقبل. لكن الفوضى الإعلامية التي يختبرها يومياً المجتمع اللبناني، تجعل تاريخ السياسيين وبعض الإعلاميين ملتبساً أمام الرأي العام. وعشية احتدام السجال بين فريقي البريستول والتيار الوطني الحر على خلفية الموقف من سلاح حزب الله، ينبغي قراءة مواقف الفريقين منذ الرابع عشر من آذار 2005.
في السابع والعشرين من آذار 2005، كان شباب التيار الوطني الحر والحزب التقدمي ما زالوا في «مخيم الحرية» في ساحة الشهداء، حين تفاجأوا بخبر زيارة رئيس الحزب التقدمي النائب وليد جنبلاط، أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في مقر الأمانة العامة للحزب في حارة حريك. ضاع يومها الشباب، ولم يفهموا ماذا حصل، إلا في اليوم التالي حين كتبت جريدة المستقبل في عددها الرقم 5148 على الصفحة الأولى، أن جنبلاط أعلن بعد اللقاء أن «اتفاق الطائف هو الأساس». وأكد «أننا لن نسمح بمجلس نيابي معادٍ للمقاومة ولسوريا. فهناك ثوابت وطنية وعربية».
وبين آذار وتموز، تكررت المواقف الجنبلاطية، وتألّف الحلف الرباعي وأُخرج عون. وفيما كان جمهور «البريستول» يهتف للوحدة الوطنية ويتهم عون بشق صف 14 آذار، أكد جنبلاط في 25 تموز 2005، وفقاً للصفحة الرابعة من جريدة المستقبل (العدد 1988) أن «المقاومة الوطنية والإسلامية هي المناعة للجسم اللبناني والحصانة لوحدتنا»، محذّراً من أن «الإلحاح الغربي اليومي» على تطبيق القرار 1559 «سيُفقد لبنان العنصر الأساسي لحمايته وإلحاقه بهيمنة أو حلف مشابه لسابع عشر من أيار».
وبعد التعهدات «الآذارية» الداعمة للمقاومة في البيان الوزاري، أكد العماد عون عدم اعتراضه على ما ورد من حق المقاومة في تحرير الإنسان والأرض وخصوصاً من الاحتلال، وسأل الحكومة عن هوية الدول المشتركة في النضال العربي الذي تحدث عنه البيان، حتى يستطيع اللبنانيون التركيز في مقاومتهم ضمن الدول العربية.
ويبرز في هذا السياق موقف وائل أبو فاعور، النائب عن الحزب التقدمي الاشتراكي، وأحد أبرز نواب 14 آذار، في 29 تموز، حين اعتبر أن «(...) المقاومة وسلاحها واستمرار نشاطها هي التعبير الأكثر نصاعة عن عروبة لبنان. ويخطئ في حق لبنان من يكرر تجربة الماضي إذا ما أردنا أن نقصر مدى النظر اللبناني عند مستعمرة المطلة ما قبل حدود فلسطين المحتلة أو أن نقتدي بمن هادن أو ساوم كما يدعو البعض في مجلسنا الكريم».
وفيما جمهور البريستول يهتف للوحدة الوطنية، مقدّراً منحهم من حزب الله عشرة نواب، نشرت صحيفة البيان في 1 كانون الثاني 2005 مقابلة مع العماد ميشال عون، قال فيها: «أنا من المؤمنين بأن اللبنانيين إذا تُركوا وحدهم فلديهم القدرة على المصارحة والمصالحة ويستطيعون أن يصلوا إلى نتيجة جيدة، ولم تصل الأمور إلى حد التحالف بيننا وبين الحزب، ولكن الأمور تسير نحو الأحسن، وحزب الله لديه قاعدة شعبية، وهو حزب لبناني بغض النظر عن تحالفه مع النظام السوري، وأستطيع أن أتفهم ظروفه من دون أن أقبل بها».
وفجأة، اتهم جمهور البريستول عون باللهث وراء رئاسة الجمهورية، وبأنه غيّر موقفه من موضوع سلاح المقاومة، فيما كان السيد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، والمعني الأول بسلاح الحزب، يقول للنهار في 19 كانون الثاني 2006 «فوجئنا بحرب إعلامية تُشن علينا قيل فيها إنهم لا يرضون باتفاق قاهرة جديد». وأضاف «موقف العماد عون في هذا الخصوص واضح، يقول في نهاية المطاف هذا السلاح سيسلم إلى الدولة وسواء اعتبرنا المقاومة ميليشيا أو غير ميليشيا».
وعشية الإعلان عن ورقة التفاهم المشترك بين حزب الله والتيار الوطني الحر في 16 شباط 2006، بدأ قادة البريستول وإعلاميوه التسويق للرأي العام أن العماد عون دخل المحور السوري الإيراني، وغيّر موقفه من سلاح حزب الله. على رغم أن البند العاشر من الوثيقة نص على أن سلاح حزب الله يجب أن يأتي من ضمن مقاربة شاملة تقع بين حدّين: الحد الأول هو الاستناد إلى المبررات التي تلقى الإجماع الوطني والتي تشكل مكامن القوة للبنان واللبنانيين في الإبقاء على السلاح، والحد الآخر هو تحديد الظروف الموضوعية التي تؤدي إلى انتفاء أسباب حمله ومبرراته.