وليد الزبيدي *
لم يعصف بالعراقيين إعصار تسونامي المدمر، ولا إعصار كاترينا، ولم تنفجر بين الأحياء والمدن والأرياف العراقية حمم البراكين، ولم تهاجم المليارات من الحشرات هذا البلد، إلا أن مئات الآلاف من الناس، اضطرّوا الى التشرد، بين مسرع الى ترك بيته، دون أن يحمل قطعة أثاث واحدة، أو حتى كتاباً أثيراً الى نفسه، لكي يتخلص هؤلاء من قتل محقق، بعد أن انطلقت عصابات الاحتلال الأميركي، تعيث فساداً في المدن والأحياء، دون رادع أو رقيب، وبين من حمل ما خفّ وزنه وغلا ثمنه، وهناك قلة من الذين أسعفهم الحظ، وحملوا ما يحتاجون إليه، ويحصل ذلك في وضح النهار، وتحت أنظار الأجهزة الأمنية، التي يقولون إنها تحمي الوطن والمواطن.
عندما نتحدث عن تهجير العراقيين، علينا أن نرصد مسألتين أساسيتين، لكي لا نقع في إشكالية رسم الصورة، التي يشاهدها الجميع دون الغوص في تفاصيلها الدقيقة، هاتان المسألتان هما:
الأولى: ان عمليات التهجير، التي لم تحصل في تاريخ العراق، لم تبدأ مع دخول الاحتلال العراق، ولم نسمع بحالة تهجير أو إجبار عائلة أو شخص واحد على ترك منطقة سكناه، خلال السنتين والنصف الأولى من الاحتلال، وخاصة في الفترة الأولى، التي امتدت لأكثر من عام، وحينذاك، لم تكن هناك أجهزة شرطة وقوات أمن وجيش، ورغم ذلك لم يتحرك أي طرف عراقي لتهديد الجيران، أو أبناء مناطقهم وإجبارهم على مغادرة منازلهم، وترك المدن والأحياء التي ولدوا وترعرعوا فيها.
وهذا يؤكد أن هذا التهجير، يرتبط ببرامج واضحة ذات أهداف طائفية وعرقية، وتتبنى هذا التوجه جماعات وأحزاب في الساحة العراقيه.
الثانية: ان عـــــــــــمليات التهجير القسري، أخذت بالتصاعد والازدياد مع الانتكاسات المريره، التي تعيشها العملية الــــــــــــسياسية، والـــــــــــــفشل الهائل للمشروع الأميركي، ولأنـــــــــــهم يـــــــــــوغلون في الطريق الخطأ و يواجهون الفشل، فقــــــــد بــــــــدأت بالظـــــــهور والاتـــــــــساع ظاهرة التهجير القسري.
ورغــــــــــــم مأسويّتها وخــــــــــــطورتها، وما تؤسس له من ألغام مستــــــــــــــقبلية في الجسد الاجتماعي العراقي، إلا أن جميع الأطراف المحلية والعربية والاســــــــــــلامية والدولية تلتزم الصمت، رغــــــــــــــم أن الإعصار يــــــــــــــبغي الخراب، ويعبث بحياة العراقـــــــــــيين، ويهدد مستقبلهم، لكن لــــــــــــيس ثمة من يواجهه، على الأقل باعتباره أحد أنواع الإعصارات التي تضرب المجتمعات، وهذا الإعصار أخذ بالنمو والازدياد مع بداية ملامح الــــــــــفــــــــــــشل الذي عاث بالمشروع الأميركي الكــــــــــــــوني في العراق، وأخذت الأخطار العديد من المسارات ومن بينها آفة التهجير.
إن صورة المهجّرين والأحوال المزرية التي تعيشها العوائل وحرمانها من أبسط حقوقها، ومنها حق الأبناء في التعلّم بصورة سليمة، إضافة إلى حزمة الأخطار الأخرى.
في ظل ذلك، ألا يفترض بالجامعة العربية أن تتحرك لإنقاذ العراق من مصدر كل هذه الأخطار، التي تزداد وتدهم حياة العراقيين وتهدد حاضر هذا البلد ومستقبله، وأين المنظمات والجمعيات الإنسانية التي تلتزم الصمت، فالجميع يراقبون هذا المشهد المأسوي، وتكتفي الأطراف في داخل العراق، باستخدام ورقة تشريد الملايين، لشن هجمات سياسية وإعلامية على أطراف أخرى، دون أن نلمس تحركاً وفعلاً جوهرياً يرقى إلى مستوى الأخطار الناجمة عن عمليات التهجير القسري المتزايد.
* كاتب عراقي - مؤلف كتاب جدار بغداد