وليد شرارة
بينما تواصل رموز المجموعة الحاكمة في لبنان، ومن يقف وراءها من الأنظمة العربية، انكارها للانتصار الكبير الذي حققته المقاومة الاسلامية في مواجهة العدوان الاسرائيلي على لبنان، تكثر الإشارات، في اسرائيل وفي أوساط أصدقائها في العالم، إلى تزايد القلق والمخاوف من نتائج هذا الانتصار وتداعياته.
آخر هذه الإشارات مقالة للباحث الاسرائيلي والخبير البارز في شؤون الحركات الاسلامية الشيعية، مارتن كرامر، يحذّر فيها من اهتزاز صدقية اسرائيل كحليف استراتيجي للولايات المتحدة نتيجة إخفاقها العسكري في مواجهة حزب الله.
كتب كرامر هذه المقالة أساساً للرد على دراسة جون مارشايمر وستيفن والت عن اللوبي الصهيوني والسياسة الخارجية الأميركية التي أثارت سجالاً واسعاً في الولايات المتحدة وخارجها. وهو قد تبنى نظرية المدرسة الواقعية في السياسة الخارجية، التي ينتمي اليها الباحثان، لمناقشة ودحض فرضياتهم وأطروحاتهم. يرى المنتمون الى هذه المدرسة أن السياسة الخارجية لا تنطلق من اعتبارات أخلاقية أو ثقافية، بل من تعريف عقلاني وموضوعي للمصلحة الوطنية العليا بعيداً عن العواطف والأهواء والمصالح الخاصة لبعض جماعات الضغط.
يرى كرامر أن ركائز التحالف الاستراتيجي الأميركي ــ الاسرائيلي ليست أخلاقية أو ثقافية كما يظن البعض.
الولايات المتحدة لا تدعم اسرائيل انطلاقاً من التزام أخلاقي تجاه أبناء ضحايا الهلوكوست وأحفادهم، أو بسبب منظومة القيم المشتركة التي تجمع بين البلدين. دافعها الفعلي هو نجاح اسرائيل في خدمة مصالحها الاستراتيجية في العقود الأربعة الأخيرة عبر إلحاق الهزيمة بالمشروع الناصري الاستقلالي في مرحلة أولى، وإدخال غالبية دول الطوق الى بيت الطاعة الأميركي في مراحل لاحقة.
فحسب كرامر «الدعم الأميركي لإسرائيل أسّس للسلام الأميركي في شرق المتوسط. لقد أرغم أبرز الدول العربية المحيطة بإسرائيل على توقيع اتفاقات سلام معها والدخول في الفلك الأميركي... من منظور واقعي، دعم اسرائيل كان وسيلة محدودة الكلفة للحفاظ على النظام في الشرق الأوسط بإشراف أميركي عن بعد، ومن دون الاضطرار لإرسال قوات الى هذه المنطقة».
وهو يؤكد أن الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية فرض على الدول العربية أن تلجأ إلى الوساطة الأميركية لاستعادة أراضيها باعتبارها الوحيدة التي ستوافق عليها اسرائيل.
دفعت هذه الأسباب الولايات المتحدة للنظر الى اسرائيل على أنها ورقة قوة استراتيجية.
ويعتقد كرامر أن ثمن بقاء هذا التحالف شبه العضوي بين الطرفين هو الحفاظ على التفوق الاسرائيلي النوعي على دول الطوق العربية وعلى جهوزية عسكرية دائمة.
ما يخشاه كرامر وأمثاله، الأبعاد المعنوية والنفسية والرمزية للهزيمة الاسرائيلية في الجنوب اللبناني. حركة مقاومة شعبية، محدودة العدد والعدة، نجحت، في ظل تواطؤ دولي وعربي رسمي مع العدوان، في تحطيم أسطورة التفوق العسكري الاسرائيلي. لكن هذا التواطؤ ساهم في الحد من الهزيمة الاسرائيلية ومن تداعياتها. كان الوضع سيختلف نوعياً لو دعمت الأطراف العربية لبنان سياسياً ودبلوماسياً. وكانت المكاسب التي ستجنيها هذه الأخيرة كثيرة، بما فيها مكاسب على صعيد علاقاتها مع الولايات المتحدة.