بلال نعيم *
إن الشرق الأوسط الجديد يتآكل وتتضاءل فرص تشكّله. الضربات تتوالى عليه من العراق إلى فلسطين وأخيراً في لبنان حيث المواجهة التي أقلقت الإدارة الأميركية وجعلتها تفكر مليّاً في إكمال مخطط الإخضاع بالقوة. والهدف المحوري لأميركا حالياً هو منع إيران من تشكيل نقطة ارتكاز لمحور معاد للسياسة الأميركية يجذب إليه كل المشتركين في العداوة مع أميركا، ويمكن أن يؤسس لإضعاف وضرب المصالح الأميركية في المنطقة ومنها وعلى رأسها وجود إسرائيل كقوة إقليمية قادرة على التحكم بمحيطها وعلى التخريب فيه. وان المشروع النووي الإيراني هو المقدمة التكنولوجية والاستراتيجية التي تنطلق منها إيران لتشكيل محورها الإقليمي في قبالة المشروع الأميركي بحسب ما تنظر الإدارة الأميركية، وعليه فإن منع إيران من تشكيل محورها بما يكفل حماية إسرائيل وإحباط خيارات الممانعة في المنطقة. كل ذلك يستدعي عاجلاً أم آجلاً توجيه ضربة لإيران و لمشروعها النووي لإجهاضه قبل أن يتحول من فكرة إلى تقنية ومن وسيلة سلمية إلى سلاح نووي!
ويضاف إلى هذه الهواجس من إيران الحاجة الأميركية لتحقيق أهداف متعددة في المرحلة الحالية:
أولاً: تحقيق انتصار ما، يمكن أن يستثمره الجمهوريون للحفاظ على مواقعهم في الانتخابات الأميركية المقبلة.
ثانياً: تحويل الأنظار عما يحدث في العراق من استنزاف يومي للقوات الأميركية.
ثالثاً: إعادة التوازن في استهدافات الآلة العسكرية الأميركية التي تعرضت لبلد محكوم من السنة، فالتوازن يقضي التعرض لبلد آخر محكوم من الشيعة.
رابعاً: تضاؤل فرص تحقيق انتصارات في مواجهة ما يسمى الإرهاب، وعلى رأسه تنظيم القاعدة بعد كل الذي حصل في أفغانستان والعراق. وبالتالي فإن أي نصر جديد يحتاج إلى هدف جديد غير تنظيم القاعدة، ويفضل بحسب الاستراتيجيين الأميركيين أن يكون نظاماً مشخصاً يمكن ضربه والانتصار عليه.
خامساً: إن إخضاع كل القوى المعاندة للسياسة الأميركية يبدأ من إيران التي تبدو نقطة الارتكاز لهذه القوى والجهة الأساسية الداعمة لها.
سادساً: الحاجة لمنع أي تقدم تحاول السياسة الروسية أن تحققه في مجالات التنمية والاقتصاد وكذلك في مجالات السياسة الخارجية للحؤول دون صعود المارد الروسي من جديد ليقف قبالة الأحادية الأميركية في حاكمية العالم.
سابعاً: الحاجة الأميركية للتحكم أكثر بموارد الطاقة في منطقة الخليج وتوجيه رسالة للأوروبيين بضرورة الالتحاق بسياساتها في إدارة العالم للحفاظ على مصالحهم أي الحاجة لإنهاء الاتحاد الأوروبي كمشروع قوة يمكن أن تتمايز عن أميركا وتشكل محوراً بإزائها. كل هذه الأهداف وغيرها تتدحرج وتتكثف وتزداد أولويتها مع مرور الزمن وانقضاء المدة واقتراب الاستحقاقات الأميركية المفصليّة، وان هذه الأهداف مجتمعة يمكن تحقيقها في حال القدرة على ضرب إيران وإجهاض مشروعها النووي وكسر إرادة المقاومة والممانعة في الشرق. ومن أجل التأسيس لخيار المواجهة مع إيران، ومع تضاؤل فرص تشكيل ائتلاف دولي ضاغط على إيران، ومع تردد بعض الدول الأوروبية في توجيه العقوبات وفرضها على إيران، ومع الموقف الروسي ــ الصيني الذي قد يتصاعد في المستقبل ليشكل سداً يحول دون اتخاذ قرارات ناجحة وناجعة عبر مجلس الأمن الدولي. ومع تفاقم الحاجة الى توجيه الضربة لإيران، فإن الخيار الأميركي قد يكون التحضير لذلك عبر حشر الدول والجهات الدولية وعبر فرض العقوبات أولاً، لكن مع التهيئة المستديمة للخيار العسكري الذي يبقى هو الخيار طالما لم تتبدل الأهداف ولم تتغير الظروف المحيطة بالرغم من كل الهواجس التي تحيط بالضربة وتداعياتها من التعرض للقوات الأميركية في الخليج الى إقفال مضيق هرمز، إلى ارتفاع أسعار النفط الى نشوء مقاومة شيعية ضد القوات الأميركية في العراق إلى توجيه الضربات لإسرائيل. مع كل هذه الهواجس تبقى الضربة محتملة لأن حجم الأهداف المتوقعة كبير وهام جداً بالنسبة للوجود الأميركي في المنطقة ولمشروعها في الشرق ولحاكميتها على هذا العالم.
وإذا أصبحت الضربة ناجزة من حيث القرار والتخطيط، فإن أحد السيناريوهات التي تعمل عليها الإدارة الأميركية حالياً والتي تقرأ في بعض المقالات والتحليلات لباحثين استراتيجيين أميركيين، أحد هذه السيناريوهات هو اختلاق أزمة إنسانية في خوزستان الإيرانية وتحويلها الى ما يشبه دارفور في السودان، وتقوم الخطة الأميركية على نبش واستحضار كل المشاكل ذات الأبعاد القومية التي يتعرض لها السكان في هذه المحافظة ذات الأغلبية العربية، ومن ثم التركيز على المشاكل الأمنية والسياسية والاجتماعية والحياتية وعلى حقوق الإنسان المهدورة والمعتدى عليها وعلى مشاكل التنمية وعلى الاستضعاف للسكان، وعلى انعدام الحريات وعلى السجناء السياسيين وعلى مشاكل الانتماء إلى الوطن الأم ومشكلة الهوية وعدم الاهتمام من قبل السلطات العليا بهذه المنطقة وإهمالها وعدم رعايتها مع اختلاق الأكاذيب وتضخيم الوقائع والمبالغة في التوصيف مع حشد العملاء وصناعة بعضهم، مع استخدام كل الوسائل الإعلامية والدعائية على نحو واسع، مع استمالة بعض المثقفين والكتّاب والشخصيات للترويج لمشروعهم بما يؤسس لأزمة فعلية في خوزستان ليست واقعية ولا فعلية، قد تكون مصحوبة بافتعال أحداث واضطرابات أمنية تساعد في الترويج والدعاية للمشروع المزمع إقامته، وبعد ذلك يتم التخطيط لهجوم أميركي على إيران يستهدف ضرب المنشآت الحيوية ومراكز القيادة والمؤسسات الرئيسية في البلد وذلك بغطاء جوي صاروخي كثيف وفي الوقت نفسه يستهدف الاجتياح البري للأراضي الإيرانية عن طريق العراق بغية احتلال خوزستان ذات الموقع الحيوي لإيران من جهتين:
- حيازة 90% من منابع النفط الإيراني.
- الإطلال على الخليج وعلى المنطقة التي تحوي أكبر مخزون نفطي في العالم. ومع هذه الضربة وبحسب التقدير الأميركي يتم تدمير البنية القيادية الأساسية وتتم محاصرة إيران اقتصادياً فتخضع للسياسة الأميركية. إذاً إيران هي الهدف، لم تفلح أميركا بضربها من الداخل وإحداث تصدّعات في واقعها السياسي الداخلي، وقد لا تفلح أميركا في استصدار قرارات رادعة من مجلس الأمن، وقد تخفق في حشد جهات دولية كثيرة في المواجهة، عند ذلك لن يكون الخيار أمامها سوى توجيه الضربة لإيران على نحو منفرد بعد افتعال واختلاق أزمة ذات طابع قومي ــ عنصري يتم استغلاله في هذه العملية لاحتلال خوزستان بحجة تخليصها من التمييز والغبن اللاحق بها نتيجة السياسات المركزية الإيرانية. وقد يكون الهدف من احتلال خوزستان أيضاً هو إنشاء الحزام الأمني الفاصل بين إيران وشيعة العراق لمنع التواصل وإلغاء التهديد المستقبلي بنشوء مقاومة عراقية شيعية تغذيها إيران، فهل تنجح أميركا في مشروعها هذا؟ المعوّل عليه هو وعي الشعب في خوزستان وحكمة القيادة في إيران والجهوزيّة الكبيرة لأي طارئ بهذا الحجم !..
* باحث لبناني