وائل عبد الفتاح *
4 - صورة انتهت. وخيال لم يعد له وجود. عقل يتعلم من الدروس ويعتمد عـلى رد الفعل لا الفعل. يُقـتل السـادات في استـعراض الجيش. يُلغى الاستعراض. يلعب مبارك بالتنظيمات الدينـية فيتم حصارها وجرّها الى مخزن من مخازن النظام التي يسيطر بها على المعارضة. يجلس على عرش الرئاسة من موقع النائب، فيترك المـنصب شاغراً 25 سنة. حــرص مدهش وحركة لا يكاد يظهر أثرها، ونـجاح في تحقيق الاستمرار الذي فشل فـيه عبد الناصر والسادات. مـشروع مبارك هو الوحيد الذي تحقق. لا مصدات رياح أمامه. ولا أسلاك شائكة. مشروع تسلل خطوة خطوة. مشروع هدفه هو: تجميد المؤسسات.
5 - كل شيء في التجميد. عند نقطة الصفر يتساوى الساخن والبارد. الجماعات الاسلامية وأحزاب حصلت على شرعيتها بقانون ضد الأحزاب. الجماعات الاسلامية التي قتلت السادات بدأت مع مبارك بمحاولة السيطرة على الحكم بأسلوب قريب من انقلابات الجيوش. وانتهت وهي تحت سيطرة أجهزة الأمن.
تعيش مرحلتها المعتدلة وتبدو مثل الجناح الديني للحزب الحاكم. لكنها لم تتغير. كما لم يتغير النظام حين قرر الرئيس تعديل طريقة الانتخاب. وجهّز ترزية القوانين مع التعديلات لتكون على مقاس النظام، أي ان النظام تغيّر ولم يتغير. هكذا الجماعة الاسلامية تغيرت ولم تتغير. هي في محطة انتظار، منهكة، وأليفة وتجاوزها الزمن. وهو ما دفعني إلى التوقف أمام معلومة مهمة في حوار سابق مع منتصر الزيات محامي الجماعة الاسلامية، وهي انهم (الجماعة الاسلامية) كانوا في مرحلة مراهقة فكرية عندما اغتالوا السادات... وانهم كانوا يقررون ما يريدونه.. ثم يبحثون له عن مبرر شرعي.
هذه حــــــقيــــــقة أثـــــــــبتــــــــتها الأيام.. وعرّت فكرة العنف المـــــــــقـــــدس من كــــــــل جاذبــــــــيتها الطاغية. فالجماعة التي شرّعت لقتل الرئيس.. هي التي أعلنت ان القتل فكرة خاطئة... ليس هذا فقط بل إن حرب الحاكم بالعنف أو إعلان الحرب على الحاكم لن تأتي بثمارها.. لكنها ستنشر الفوضى والدمار.
كانت فكرة «قتل الرئيس..» محورية في توبة الجماعة الاسلامية التي تمت على مرحلتين: الاولى مبادرة إلى نبذ العنف عام 1996 التي كانت تشبه اعلان وقف اطلاق النار من جانب الجماعة.. وتلتها مراجعات فكرية أُعلنت عام 2003.. وأُفرج بناءً عليها عن أمراء الجماعة الذين قالوا ما هو أبعد من «التراجع عن فكرة قتل الرئيس..».. اعتذروا.. وقالوا إن «السادات مات شهيد الخطأ الذي ارتكبوه..».. وهذه لعبة أخرى تمنحهم الحق في منح صك الشهادة في وقت وإصدار حكم الاعدام في وقت آخر. وهذا ضد فكرة السياسة المدنية المعتمدة على انه ليس هناك من يملك الصواب أو الخطأ. ليس هناك سلطة عليا تملك الحقيقة النهائية. هناك ملعب.. وقانون للعب.. وصراع بين بشر.. وليس بين وكلاء الله على الارض يقومون بكل شيء بدلاً من الشعب.. يغيّرون الرئيس.. والنظام.. ويمنحون صكوك دخول الجنة، أي انهم لم يخرجوا من جلدهم. غيّروه فقط. لم يتحوّلوا الى تنظيم مدني. فقط اعتذروا لكي يستمروا في الحياة.
6 - 25 سنة من دون أحداث كبيرة. بلا خيال ولا ملهمين ولا عقل ينقل الدولة الى محطة على طريقة بسمارك في ألمانيا بعد الحرب العالمية. بدت قدرة النظام على السيطرة هائلة. أكبر حتى من عبد الناصر والسادات المستهلكين في صناعة دولة على الكتالوج، أو اكتشاف كتالوجات جديدة تناسب إعجابهم بذواتهم، أو صناعة أعمال تسجل في التاريخ باسمهم: الثورة. الوحدة العربية. الانتقال من الحرب الى السلام. من ديكتاتورية الحزب الواحد الى تعدد الاحزاب.
الشيء الوحيد الذي تضخمت قوته هو جهاز البوليس. فقط.
تضخم حتى أصبح قادراً على ابتلاع كل شيء. وحش خرافي ضخم يحمي الرئيس. ولا شيء مهم بعده. كل ما حوله شريك في الصفقة. صفقة الاستمرار: لكم الاستمرار ما دمتم ملتزمين قاعدة: محلّك سر.
(حلقة ثانية وأخيرة)
* كاتب مصري