حبيب فياض
ليس بعيداً من حسابات خاصة تتصل بالمنطقة وما يُحضّر لها، تحاول الحكومة المصرية تقديم صورة معكوسة عن العدوان الاسرائيلي الاخير على لبنان، سواء لناحية الاسباب التي أدت إليه أو النتائج التي تمخّضت عنه، حيث اتهم وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط حزب الله بالقيام بخطوة غير محسوبة وبإشعال الحرب في لبنان بهدف الاحتفاظ بسلاحه بخلاف ما ينص عليه اتفاق الطائف!!
ومع أن كلام رئيس الديبلوماسية المصرية لا يستحق النقاش والسجال لناحية صدقيته ودقته، كما لا يحتمل أي إبهام أو التباس لناحية الجهة التي يصب في خدمتها، فإن السؤال يبقى مطروحاً وبإلحاح توقيته والدوافع التي تقف خلفه والاطار الذي يراد توظيفه فيه؟
أولاً: كلام الوزير المصري لا يمكن إدراجه إلا في سياق المهمات المطلوبة من دول محور «الاعتدال» العربي الذي التزم أجندة اميركية لمواجهة محور «التطرف» في المنطقة أثناء الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الاميركية الى الشرق الأوسط.
ثانياً: يهدف هذا الكلام الى تحميل حزب الله ــ مسؤولية الحرب التي كلّفت «لبنان وشعبه خسائر فادحة» وتخفيف وطأة اللوم على اسرائيل. وبالتالي يشكل محاولة لتقديم معطيات تبرّر اقتراب محور «الاعتدال» العربي من أميركا واسرائيل ووقوفه بوجه محور «التطرف» الذي يعتبر حزب الله جزءاً منه.
ثالثاً: يتزامن الكلام المصري مع حملة تصعيد ضد أصدقاء حزب الله في المنطقة: تنسيق بعض العرب مع المعارضة السورية، اتهام أميركي لسوريا وإيران بزعزعة الأمن على الساحة العراقية، تحميل مصر حركةَ حماس مسؤولية الفشل في تأليف حكومة وحدة وطنية فلسطينية، و ...
رابعاً: يأتي كلام أبو الغيط في ظل مساعٍ دولية لتعديل دور القوات الدولية المفرزة في الجنوب طبقاً للقرار 1701 بهدف فرض المزيد من الإجراءات المقيّدة لحزب الله من دون ان يكون لدى هذه القوات خطط محددة أو نيّات جدية لحماية لبنان ومنع الاعتداءات الاسرائيلية عليه.
خامساً: لم يخفِ أبو الغيط قناعته بأن حزب الله «أشعل فتيل الحرب مع اسرائيل لإفشال مساعي الحكومة اللبنانية وتفادي نزع سلاحه طبقاً لاتفاق الطائف الذي أجمع عليه اللبنانيون»، الأمر الذي يمكن توظيفه لمصلحة فريق من اللبنانيين ضد فريق آخر، وبالتالي زيادة الشرخ بينهما، من خلال الايحاء بأن دور حزب الله خلال الحرب لم يكن بهدف الدفاع عن لبنان بل كان يتصل بحسابات سياسية داخلية، كل هذا في وقت يأمل اللبنانيون الوصول الى صيغة توافقية مع انتهاء هدنة رمضان والبدء بجولة المشاورات التي أطلقها الرئيس بري.
من خلال ما تقدم، يتضح ان هناك محاولة للالتفاف على النتائج الاستراتيجية التي خلّفها انتصار المقاومة في لبنان، بيد ان الخطورة تكمن في الدور الذي من الممكن ان تقوم به بعض الدول العربية في المرحلة الراهنة، هذا الدور الذي يراد له ان يتسم بفعالية أكبر نيابة عن الاميركي الذي بات منهمكاً أكثر من أي وقت مضى في معالجة الأخطار المتزايدة التي تحيط به في العراق، وفي وقت تعاني فيه اسرائيل انكسار القوة العسكرية وضياع الهيبة نتيجة النكسة التي تعرضت لها في لبنان.
لم يكن أبو الغيط موفقاً عندما حاول النيل من صدقية حزب الله والتشكيك بانتصاره... ذلك ان الجميع يعرف ان المقاومة اللبنانية دخلت حرب تموز بأهداف دفاعية استطاعت تحقيقها، بينما اسرائيل شنّت عدوانها بأهداف هجومية أخفقت في الوصول إليها، وفوق ذلك، فإن هذه الحرب انتهت بمؤشرات ايجابية إلى قدرة المقاومة الهجومية، فيما تركت علامات استفهام كثيرة عن قدرات اسرائيل الدفاعية.