زياد سعيد
للأسف الشديد، لا جديد نوعياً في مهرجان الحزب الشيوعي الذي أُقيم أول من أمس في بيروت. الخطبة «الطويلة» التي تولّى «الرفيق» خالد حدادة إلقاءها، جاءت لتكرر ما سبق ان قيل مراراً وتكراراً. إنه الكلام نفسه الذي قيل في العام الماضي، وربما العام الذي قبله، وسيقال حتماً في العام المقبل، الأرجح ان الإضافات القليلة التي تُستدخل على هذا النص المناسباتي أو ذاك، هي من باب رفع العتب، للقول بصلة ما مع الحدث، أو براهنية وطزاجة ما، وخصوصاً ان التطورات اللبنانية الأخيرة، ومن بينها العدوان الاسرائيلي، هي من الأحداث التي لا يمكن النص، أي نص، تجاهل حدوثها، أو الإعراض عنها، لا لتأسيسية تأثيراتها فحسب، بل لأنها تفتح الباب أمام أفق سياسي تأسيسي.
إذاً، في الشكل كما في المضمون، المشهد المحزن نفسه.
ربما كانت المشكلة الأبرز التي تعترض الرغبة المشروعة في استعادة الدور، وتحول دون ملء الحزب مساحته التي كانت له، تكمن في وجود رهان دائم يرى في المناسبة، أي مناسبة، فرصة للنجاة من العزلة واللافاعلية، وحتى اللاجدوى.
لا شك في ان ما يعانيه الحزب اليوم من مصاعب سياسية وتنظيمية، هو انعكاس لسنوات من الحرب الكبيرة التي استهدفته بسبب من موقفه السياسي المستقل الذي حاول جاهداً الحفاظ على يسارية لا لبس فيها. كانت الكلفة كبيرة، وخصوصاً ان الحرب التي جرّبت النيل من استقلالية موقفه السياسي ووحدة تنظيمه الحزبي استندت الى آلة أمنية وسياسية ومالية مثّلتها قوى الوصاية اللبنانية ــ السورية، ومن الضروري اليوم لتجاوز آثار هذه الحرب أن يقلع عن الرهان على قوة المناسبات، لعقمه أولاً، ولأنه قرين الوهم ليس إلا. استعادة الدور والمعنى تحتاج الى قول سياسي يبتعد من اصطياد المناسبة، مع ضرورة الاشارة الى واجب ان يكون الهدف أرقى وأبعد من استعادة الدور النضالي السابق.
لعل قوة الغياب التي تثقل على أفراد الحزب، هي غير تلك التي تثقل على قيادته. وعلى رغم هذا الفارق، قوة الغياب الخاصة بكل الحزب، إنما تستمد نفسها من قوة الحضور ونوعه. المسرح الذي غص بالحضور، والرايات التي زينت القاعة بالأحمر «الشيوعي»، طقوسيات باتت ملازمة لكل احتفال، أو مناسبة «شيوعية»، ومن شأن التركيز عليها، أن يحجب المعنى العميق الذي تمثّله هذه الكتلة السياسية، من عنوان حقيقي للوطنية اللبنانية.
ربما احتاج الحزب الى مهرجان آخر لا يحمل شبهة المناسبة. فالقول بالوجود وبالتالي التأثير لا يكون بالبناء على المناسبات، بقدر ما يكون بالعمل على إعادة ابتناء الحزب، وفق قواعد أكثر ديموقراطية، يكون عمادها الأول المراجعة النقدية الصارمة.
الطقوس التي رافقت مهرجان «العيد»، تأكيد لشبهة غياب طال أكثر من اللازم. صحيح ان المنطق الذي حكم سني الوصاية ما زال حاضراً، إلا ان حضورها يتطلب تحدياً من نوع خاص، والخوف، كل الخوف، أن يكون الغياب الخاص للحزب هو البرنامج السياسي الوحيد للحزب. ثمة مفارقة في الحضور الذي يجسّده الحزب الشيوعي، إنه من النوع الذي يعطي صاحبه غياباً مضاعفاً، أو يمنحه حضوراً لا يقدر عليه. الحزب الشيوعي، خلافاً للقوى الأخرى، أعطى الانطباع من خلال كلمة أمينه العام، على أهمية ما جاء فيها، انه بات يستطيب هذا الغياب الذي يوفر عليه مشقة العمل الجدي.
ما زال الحزب الشيوعي هو الأرض اليسارية الوحيدة، وعلى هذه الارض وحدها يمكن اليسار أن يعاود ابتناء نفسه، وشرط الابتناء الفعلي يحتاج الى مبادرة عملية تقطع مع الخطابة وأشكال البلاغة الموسمية، وهنا يكمن التحدي الذي ينتظر الحزب، وخصوصاً ان منتحلي الصفة أمسوا نواباً يعتدّون بنيابتهم، من غير أن يتخلوا عن اللفظية النضالية التي ربما كانت تثقل عليهم كثيراً.