بولس خلف
غريب أمر هذه الطبقة السياسية القابضة اليوم على مقاليد السلطة في لبنان. هي تملك أكثرية مريحة في البرلمان وتسيطر على ثلثي مجلس الوزراء وتهيمن على الادارات العامة وتدير قوى الأمن الداخلي وتبتلع المؤسسات الدستورية والقضائية وتمسك بقطاعات واسعة من الاعلام المرئي والمسموع والمكتوب، ومع ذلك تتصرف بذهنية أقلية خائفة ومحاصرة فاقدة للثقة بالنفس ومهددة بالزوال.
قيل عنها أنها «أكثرية وهمية واحتيالية» وهي أوصاف تسببت بحالات انفعالية وعصبية عند بعض رموزها. إنها أكثر من ذلك. إنها أيضاً «أكثرية إلغائية» لا تشعر بالحياة تدبّ في عروقها إلا إذا نفت عن غيرها سمة الوجود.
تعاني هذه الأكثرية مشاكل كبيرة مع طائفتين أساسيتين في البلاد، هما الشيعة والمسيحيون. مع الشيعة، تعمد الى نبش القبور واستنباط الأرواح واحياء الموتى وابراز بعض المنسيين من خلال القذف بهم على منابرها الاعلامية في محاولة لتسليط أضواء قوية على وجهات نظر «مختلفة» في هذه الطائفة. وبسحر الساحر يصبح الرأي الآخر رأياً عاماً والحالات الفردية تيارات شعبية عارمة، حتى يخيل للمرء أن هؤلاء يتمتعون بصفة تمثيلية خالصة وان حزب الله وحركة أمل ليسا إلا حالتين متواضعتين تتحركان على هامش الطائفة أو أنهما يستأثران من دون وجه حق بالتمثيل.
المنطق الالغائي هذا يظهر بأبهى تجلياته مع المسيحيين حيث يمارس من دون قفازات. فليست نتائج الانتخابات هي التي تحدد من هو الطرف الأكثر تمثيلاً داخل هذه الطائفة، بل مجموع التصريحات (المنسقة) التي يطلقها مسيحيو الأكثرية وعدد طلاتهم الاعلامية واستنتاجات محلليهم حول تراجع دراماتيكي في شعبية الخصم، والأهم من ذلك الاشاعات التي تطلقها غرف العمليات المتخصصة وتتولى نشرها وسائل الاعلام.
فالتيّار الوطني الحر وحلفاؤه الذين يتمتعون بكتلة تضم واحداً وعشرين نائباً ويمثلون أربعة أقضية منها ثلاثة في جبل لبنان، ناهيك عن ثقل شعبي مؤكد في عشرة أقضية أخرى (أي أكثر من نصف لبنان)، يتم تجاهلهم بالكامل. وإذا تجرأ التيار الوطني وطالب بأليف حكومة وفاق وطني يتعرض لهجوم عنيف من كل حدب وصوب وتوجه إليه شتى الاتهامات أقلها أنه ينفذ أجندة خارجية ويخطط للقيام بانقلاب عسكري(!).
كأنّ المطالبة بالمشاركة بالسلطة أصبحت جريمة يعاقب عليها القانون. إنها عمليّة إلغاء سياسي بامتياز.
إذا كانت الأكثريّة الحاكمة تقول إنّها تمثّل الأكثريّة الشعبيّة فلماذا تسعى إلى إلغاء خصومها؟ ولماذا تخاف من انتخابات مبكرة؟