سالي حداد *
عقب الرابع عشر من شباط 2005، شهد لبنان ولادة طبقة سياسية جديدة، مزهوة بحادثة بالاستقلال، مع أن الأغلبية فيها تتكون من “القاصرين” القدامى، الذين خضعوا طويلاً للوصي السوري. تعيش هذه الطبقة نوعاً من فقدان الذاكرة. فبعد أن عمدت إلى محو سجلها السابق، قامت برتق عذريتها السياسية، وراحت تنفخ بالأبواق ضد سوريا، وتطالبها بأن تسحب قواتها من لبنان، وتمتنع عن أي تدخل في الشؤون اللبنانية، وأن تحترم السيادة الوطنية.
وبصرف النظر عن نبل المقاصد، فإن طرح هذه المطالب لهو أمر جدير بالتقدير، ولا سيما من جانب أولئك السياسيين الذين عاشوا زمناً طويلاً، وهم ينفذون الإملاءات السورية.
لقد أعادت الطبقة السياسية الجديدة اكتشاف فضائل الجيش اللبناني، الذي كان بحسب الشواهد والأدلة، موضوع نقد عنيف من جانب أركانها، بعدما اتهموه بتخريب المالية العامة للبلاد. لكن هذا الجيش غدا فجأة، الملاذ الأخير ضد الحضور الكاسح لحزب الله.
وبعد أن صاروا يصنفون هذا الحزب إحدى الأدوات السورية ــ الإيرانية في لبنان، ينشد السياديون الجدد، قيام لبنان سيد، ديموقراطي، ويطالبون العواصم الأجنبية كافة، وخصوصاً تلك التي تناصب سوريا أشد العداء، بالمساعدة في بلوغ هذا الهدف. لكن النتائج التي تحققت مريرة وقاسية، وبدلاً من أن يصبح السياديون الجدد رواد الاستقلال عن الوصي السوري القديم، جعلوا أنفسهم “قصّراً” لدى وصي جديد، هو الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها. وإذا ما ألح الوصي الجديد وحلفاؤه على تسمية بعض الضباط، وفضلوا تسنمهم مناصب معينة لأنهم “معادون لحزب الله”، فإن السياديين الجدد لا يتورعون عن التسليم بذلك، من دون أن يروا في تصرف الوصي الجديد انتهاكاً لحرمة السيادة الوطنية، وتدخلاً في الشؤون الداخلية اللبنانية. كما أن هذا الكلام ينطبق على موقف السياديين الجدد مما يجري في المجال الجوي. فالإسرائيليون عبر الأميركيين، يجبرون كل الطائرات المغامرة والآتية من مطار بيروت الدولي وإليه بالتوقف في مطار عمان للتفتيش. فهل بات الجيش اللبناني مذنباً بسبب إصراره على توافق وطني لتنفيذ المهام الموكلة اليه؟ ما الذي يحول دون حصر مسؤولية مراقبة الحدود بقواته ويتطلب استحضار قوات دولية تراقب مداخل بلاد الأرز ومخارجها.
إن لائحة الادعاءات والشروط الأميركية ــ الإسرائيلية طويلة، والمطالب التي تترتب عليها قد لا تنتهي. لكنّ السياديين الجدد لا يرون في هذه الادعاءات والشروط أي خرق للسيادة ولا أي مس بالاستقلال، فانتماؤهم الوطني لم يمنعهم من الخضوع لقرارات خارجية لا تخدم في المقام الأول سوى مصالح الدول الأجنبية، ولذلك رأينا في السنوات الأخيرة بلداناً كثيرة لم تعد تحسب للبنان أي حساب إلا من منظار مصالحها.
وبغية إسكات كل من يفكر بتوجيه النقد إليهم، يدين السياديون الجدد خصومهم السياسيين ويتهمونهم بأنهم يعملون من أجل غايات غير لبنانية. فهل الحركة الشعبية الكبرى يوم 14 آذار 2005 أصبحت مخدوعة بهذه الأساليب والشعارات الفارغة حيث الكرامة الوطنية تتعرض للامتهان والسخرية تارة لسوء عملية توزيع المساعدات على اللبنانيين الذين شردهم العدوان الإسرائيلي، وتارة أخرى بسبب اعتراض طائراتنا وتعرضها للتفتيش في الخارج؟ هذا من دون أن ننسى الحصار المضروب على لبنان بواسطة الذئب الأميركي، ولا محاولاته فرض الإملاءات على لبنان؟ وهل السياديون الجدد يلهثون خلف السراب، ما داموا مشغولين بأفكار نبيلة، لكنهم عاجزون عن تطبيقها؟
* كاتبة لبنانية