ماجد عزام*
يفترض أن يغلق الموقف الذي أعلنته اللجنة المركزية لحركة فتح دائرة الاجماع الوطني على فكرة أو مشروع حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية المستندة والمرتكزة الى وثيقة الوفاق الوطني «وثيقة الأسرى».
تكمن أهمية الموقف الذي أعلنته أعلى هيئة قيادية لحركة فتح في أنه أوجد لأول مرة على الساحة السياسية الفلسطينية حالة من الاجماع على حكومة الوحدة الوطنية ــ على أساس وثيقة الوفاق ــ بعدما تباينت المواقف خلال الفترة الماضية ــ الشهور الستة الأخيرة تحديداً ــ التي أعقبت الهزة السياسية أو التسونامي المتمثل في الفوز الساحق الذي حققته حركة المقاومة الاسلامية حماس في الانتخابات التشريعية التي جرت أواخر كانون الثاني الماضي، آنذاك تقاطعت مواقف حماس وفتح في رفض حكومة الوحدة الوطنية ــ لكل أهدافه ونظرته الفئوية الخاصة ــ بينما كانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الطرف الوحيد الذي عمل بجدية وإخلاص لإخراج حكومة كهذه الى حيز الوجود.
ففتح المجروحة من نتائج الانتخابات شهدت سجالاً داخلياً حاداً على أسباب الهزيمة والطرف الذي يتحمل المسؤولية الأساسية عنها، الاجتهادات حول هذا الأمر أنتجت مواقف متباينة من مسألة الاشتراك في حكومة وطنية مع حماس، فيما اعتبر الحرس القديم أن المسؤولية مشتركة وتطال الجميع وأن الكل يجب أن يتكاتف لإجراء المراجعة الداخلية والخروج بفتح من محنتها مع مقاربة ولو على استحياء لفكرة الدخول في حكومة وحدة وطنية مع حماس. غير أن هذا التيار لم يخرج في حملات اعلامية وسياسية لإنفاذ موقفه هذا تحت وطأة الهجوم الشرس الذي قام به التيار الشاب أو الحرس الجديد الذي حمّل الحرس القديم، وخصوصاً اللجنة المركزية، المسؤولية الأولى والمركزية عن الهزيمة المدوية، واعتبر أن الأولوية هي لإعادة بناء حركة فتح على أسس ديموقراطية وتنظيمية سليمة بحيث تكفل التعبير عن الواقع الفتحاوي بصورته الراهنة. غير أن هجوم هذا التيار على حماس لم يقل شراسة عن هجومه على الحرس القديم واعتبر أن إفشال حماس هو مهمته الأولى والمركزية.
هذا الموقف سرعان ما امتد وانتشر ليصبح هو الموقف العام لحركة فتح. الموقف داخل حركة حماس لم يكن ميالاً أيضاً لفكرة حكومة الوحدة الوطنية فنشوة الفوز الساحق والسذاجة أو البراءة السياسية ولّدت قناعة بأن حماس وحدها قادرة على قيادة السفينة الفلسطينية واذا ما أقفلت أبواب الغرب في وجه الحكومة والشعب فإن أبواب الشرق ستفتح لا محالة، غير أن حماس التي فوجئت بحجم الحصار وقساوته وصرامته وصلت بعد ثلاثة أشهر تقريباً من تسلّمها السلطة الى عدة قناعات ذات طابع استراتيجي أبرزها القبول بحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية والمزاوجة بين خيار المقاومة والعمل السياسي بمعناه أو بعده السلطوي.
هذا الموقف الذي تمت ترجمته عبر العملية النوعية التي نفذتها حماس والأذرع العسكرية التابعة لها ــ مع أسماء حركية مختلفة ــ في كرم أبو سالم في الخامس والعشرين من حزيران الماضي.
بعدما تبلورت القناعات داخل حماس وفتح بضرورة وحتمية تأليف حكومة وحدة وطنية، بدأ السجال والجدال حول البرنامج أو الأسس التي يجب أن تستند إليها حكومة الوحدة، وفي هذا الوقت طرحت وثيقة الأسرى بمبادرة من الرئيس محمود عباس وحركة فتح ورمزها الأسير مروان البرغوثي، الوثيقة التي هدفت الى نقل الحوار من الشارع الى الغرف المغلقة طرحت خططاً وأفكاراً عملية قابلة للنقاش والتعديل والتصويت. وعلى رغم تهديد الرئيس عباس بقبولها كما هي أو إجراء استفتاء وطني عليها، غير أن موقف حماس المتصلب وموازين القوى الداخلية الفلسطينية وموقف الجبهة الشعبية والجهاد الاسلامي المتحفظ والمنادي بضرورة اخضاع الورقة للنقاش والحوار أدت الى عزوف رئيس السلطة عن موقفه وطرح الوثيقة للنقاش، الأمر الذي أدى الى ادخال تعديلات اساسية عليها وتغيير اسمها عملياً من وثيقة الأسرى الى وثيقة الوفاق الوطني.
وهنا وفي هذا الوقت بالذات اندلعت حرب لبنان الثانية التي راهنت عليها الأطراف الفلسطينية الأساسية لتحسين مواقفها وشروطها التفاوضية، حركة فتح والرئيس محمود عباس تحديداً راهنا على انتصار اسرائيل أو على الأقل اضعاف حزب الله بما ينعكس سلباً على حماس وحكومتها ومن هنا جاءت مطالبته بحكومة تكنوقراط برئاسة شخصية مستقلة على أساس برنامج سياسي مختلف جذرياً عن وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني التي يرى الرئيس أن تعديلات حماس قد أفقدتها محتواها وجدواها، بحيث يتقاطع هذا البرنامج مع الشروط التي يطرحها المجتمع الدولي وأمريكا واسرائيل والمتمثلة في ضرورة اعتراف أي حكومة بإسرائيل وبالاتفاقيات السابقة الموقعة معها، مع التخلي عن العنف أو المقاومة.
حماس من جهتها راهنت على انتصار حزب الله واعتبرت أن انتصاراً كهذا سيؤدي حتماً الى تقوية موقعها في السلطة ناهيك عن الدفعة المعنوية التي سيعطيها لخيار المقاومة سواء في السلطة أو في الميدان، ومع نجاح حماس في رهانها تصلّبت هذه الأخيرة في شروطها ومواقفها تجاه حكومة الوحدة الوطنية.
فاعتبرت أن الحكومة لا بد من أن تكون برئاسة حماس ومعبّرة عن موازين القوى السياسية والحزبية كما أظهرتها الانتخابات التشريعية الأخيرة وكما ترجمت في المجلس التشريعي الراهن.
حركة فتح تحت وطأة المستجدات وبجهود حثيثة من الحرس القديم وافقت عملياً على شروط حماس، فهي لا تعترض على رئاسة هذه الأخيرة للحكومة مع طرح الأمور الأخرى للتفاوض وبخاصة تلك المتعلقة بالحصص والبرنامج السياسي للحكومة.
يبدو أننا دخلنا ربع الساعة الأخيرة قبل تأليف هذه الحكومة. وفي هذا السياق بالذات يجب أن ندرج التظاهرات التي تنظمها حركة فتح تحت لافتة المطالب المعيشية والانسانية والمؤتمرات الصحافية والتصريحات التي أطلقتها حماس عن التركة الثقيلة والفساد المنهجي والمبرمج الذي ساد عمل الحكومات السابقة يفترض أن يمثل هذا السجال والجدال مرحلة أولية للتفاوض على كل تفاصيل حكومة الوحدة الوطنية وخاصة أن البديل عن ذلك سيكون انفجاراً اجتماعياً كما حذر مبعوث الأمم المتحدة الى فلسطين، أو حتى حرباً أهلية داخلية، ولو بوتيرة منخفضة كما يحذر العديد من المراقبين على الساحة الفلسطينية.
* مدير مركز شرق المتوسط للصحافة والإعلام ــ بيروت.