وليد شرارة
هل هناك رابط بين تعاظم جرائم القتل الطائفي في العراق وتقرير البنتاغون عن «احتمال» انفجار حرب أهلية واسعة النطاق في هذا البلد، ودعوة الزعيم الكردي مسعود البرزاني الى رفع العلم الكردي بدلاً من العراقي في كردستان؟ أعداء «نظرية المؤامرة» سيسارعون الى استنكار أسلوب صياغة هذا السؤال وإلى اعتبار أنه يتضمن اقتراحاً للجواب بالإيجاب عليه. لم يعد بإمكان هؤلاء اليوم التعامي عن النتائج الكارثية للحرب والاحتلال الأميركي للعراق. لذلك فهم مضطرّون لتجديد خطابهم عن التطورات التي شهدها هذا البلد منذ الحرب مع التمسّك بثابتين. الأول هو نفي وجود مؤامرة تستهدف وجوده ومستقبله وثرواته. والثاني هو تحميل مسؤولية حصرية عن هذه التطورات، وبشكل خاص أعمال العنف الطائفي، للمجتمع العراقي وقواه السياسية. أما قوات الاحتلال الأميركي ـ البريطاني، المسؤولة من منظور القانون الدولي عن أمن البلاد والسكان لكونها قوات احتلال، فإن مسؤوليتها محصورة «بالأخطاء» التي ارتكبتها، عن حسن نية طبعاً وبسبب ثقتها المفرطة بقدرة العراقيين على التأقلم مع الديموقراطية. لا شك أن التحالف الأصولي ـ العسكري ـ المحافظ الجديد الحاكم في واشنطن كان يريد تحويل العراق الى قاعدة ارتكاز للمشروع الأميركي الجديد في المنطقة، مشروع الشرق الأوسط الأوسع، وإلى نموذج سياسي واقتصادي يقوم على المزاوجة بين نظام فيدرالية الطوائف والاثنيات والليبرالية الاقتصادية المنفلتة من أية ضوابط، «يوتوبيا نيوليبرالية» حسب تعبير المفكرة الأميركية نعومي كلاين. لكن المقاومة العراقية الباسلة أولاً وأساساً و«تدخلات» بعض دول الجوار، المنطلقة من اعتبارات تتعلق بأمنها القومي ومصالحها الخاصة، ثانياً، أفشلتا هذا المشروع الأميركي. نجاحه كان يفترض أن يكون باستطاعة الولايات المتحدة إدارة حرب أهلية باردة بين العراقيين تتمحور حول حصة كل مكون من مكونات المجتمع العراقي من السلطة والثروة الوطنية. عودة سريعة الى تقارير ونصائح «خبراء الشؤون العراقية» المعتمدين من قبل إدارة بوش تظهر هذه الحقيقة بوضوح. أحد هؤلاء، رويل مارك غيريشت (Ruel Marc Gerecht)، الباحث في مركز المبادرة الأميركية (American Enterprise Institute)، نصح منذ بداية الاحتلال باعتماد سياسة اضطهاد وتهميش طائفي «للسنّة العرب» لحملهم على الاستسلام للأمر الواقع الجديد. المدقق في عملية إعادة بناء مؤسسات الدولة العراقية والمؤسسات الأمنية والعسكرية سيلحظ بوضوح أن المحتلين عملوا بنصائح غيريشت.
مجموعة أخرى من المحافظين الجدد والقدامى كانت ترى مع بداية الحرب أن المشروع الوحيد القابل للتنفيذ في العراق والمنسجم فعلاً مع المصالح الأميركية هو مشروع تقسيم هذا البلد الى ثلاث دويلات، شيعية وسنية وكردية. أول من دافع علناً عن هذا المشروع هو ليسلي غيلب، الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية. يبدو أن إدارة بوش باتت تعتمد، ومنذ فترة، هذا المشروع كخيار بديل في العراق. وهذا ما يفسر على الأغلب اعتمادها زلماي خليل زادة، مندوبها السامي في العراق المولع بنظرية الفوضى المستوحاة من الفيزياء وبتطبيقاتها المحتملة في مجال العلوم الاجتماعية، سفيراً في هذا البلد.