وليد الزبيدي
يزداد الحديث عن أخطار الفتنة الطائفية في العراق، وتزداد التكهّنات، وتدور النقاشات، ولأهمية هذا الأمر، يحرص الكثير من العراقيين على تناوله والبحث في جوانبه، وضمن هذا التوجّه، أصدر الكاتب العراقي محمد مظلوم كتابه الجديد بعنوان (الفتن البغدادية ــ فقهاء المارينز وأهل الشقاق)، وبقدر ما يعرض هذا الكتاب حجم الأخطار الحقيقية التي تواجه مستقبل العراق وحاضره، من خلال تباين ما فعله الاحتلال الأميركي في العراق، منذ أن وطأت دباباته هذا البلد في ربيع عام 2003، يركّز محمد مظلوم كواشفه الضوئية في جهده البحثي والفكري على رصيف الثقافة في العراق وتجمّعات المثقفين، وهو بقدر ما يتعامل بحدة عالية أحياناً مع الذين روّجوا للاحتلال ومشروعه الكولونيالي وأسماهم (فقهاء المارينز)، يدفعه حرصه على مستقبل العراق الى المناقشة الهادئة، ويجهد نفسه كثيراً في دعم طروحاته وأفكاره بالشواهد التاريخية التي تؤكد أن العراقيين ليسوا باللقمة السهلة في أفواه الغزاة، بل إن آلاف الصفحات في كتب التاريخ، تثبت حجم التآخي والتكاتف والوحدة الاجتماعية والدينية، وهذا أهم ما يتميّز به هذا المجتمع عبر مئات وآلاف السنين.
أما الفقهاء الذين يريدون رسم المسارات الجديدة للمارينز، فهم قد وقعوا تحت سحر القوة الأميركية العظمى، وتصور هؤلاء أن هذه القوة لا يمكن أن تُهزم في أي ميدان، ولهذا اندس البعض في جمع فقهاء المارينز، وهنا يسجل محمد مظلوم مأخذه على هؤلاء الفقهاء في نقطتين أساسيتين، وجدت أنه قد وضع فيهما خلاصة جهده الذي بذله في هذا الكتاب، إضافة الى الموضوعات والجوانب الأخرى.
هاتان النقطتان هما:
الأولى: إن مسؤولية المثقف (الأستاذ الجامعي، الكفاءات العلمية، الأدباء، الباحثون وسواهم) تختلف عن مسؤولية الآخرين، فهذه النخبة يُفترض أنها ترى أبعد مما يراه الآخرون، وخاصة في ما يرتبط بموضوع احتلال الدول واجتياحها من قوات أجنبية، ويرى مظلوم أن الاستعجال في اتخاذ قرار الفرار من المواجهة لا يليق بهذه الفئات، وخاصة أن مثقفينا بصورة عامة والأدباء في العراق بشكل خاص تربّوا على كتابات غالبيتها ذات طابع وتوجّه يساري، وهذه الأسس المعرفية تتناقض بشكل صارخ مع طروحات وتوجهات البعض الذين يسميهم الكاتب (فقهاء المارينز).
الثانية: إن المثقف وصاحب الكلمة وحامل الشهادة لا يمكن أن يتحول الى أداة مديح للسلطات، فكيف إذا سارع الى الانغمار في ذلك السوق، بل جرّد البعض سيوفهم وأقلامهم لمحاربة كل من يعارض الاحتلال ويقاومه حتى لو كان ذلك بالكلمة، ولهذا حرص مظلوم على دق ناقوس الخطر خشية أن يواصل هؤلاء رحلتهم في سفينة ليست لهم ولا تليق بهم.
من هذه الزاوية، يحاول المؤلف في (الفتن البغدادية) أن يبعث برسائل الى العراقيين ولا سيما المثقفين، ينبّه خلالها من خطورة الانجرار وراء الذين يزرعون الألغام بين العراقيين، في ظرف يسهل فيه الزرع السيء، وقلّ فيه أصحاب الرأي السديد الذين يرون بدقة خطورة هذا الزرع.
كاتب عراقي مؤلف كتاب «جدار بغداد»