وليد شرارة
يمثّل قرار انزال العلم العراقي عن مؤسسات اقليم كردستان ورفع العلم الكردي الذي اتخذه رئيس هذا الاقليم مسعود البرزاني، خطوة في غاية الخطورة سيترتب عليها تداعيات كبرى على مستقبل العلاقات بين العراقيين، عرباً وأكراداً، وعلى مستقبل العلاقات بين الأكراد من جهة، والعرب والأتراك والايرانيين من جهة أخرى. لقد صدق وزير الخارجية التركي عبد الله غول عندما قال إن على الذين اتخذوا هذا الاجراء أن يدركوا مدى خطورته. فالظروف الاستثنائية التي تسمح لبعض النخب الكردية اليوم اعتماد الخيار الانفصالي ستتغير في زمن ليس بعيداً. الاحتلال الأميركي للعراق لن يستمر الى ما لا نهاية، وسعيه لتقسيم هذا البلد بالاعتماد على بعض المتعاونين من جميع الطوائف الذي ألّفوا فرقاً للقتل على الهوية لن يكتب له النجاح بالضرورة. والمقاومون العراقيون الذين يخوضون معركة تحرر وطني حقيقية ضد الغزاة الأميركيين والبريطانيين تزداد ضراوة وفاعلية مع مرور الأيام، باعتراف الغزاة أنفسهم (تقارير أنطوني كوردسمان الصادرة عن مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية القريب من المحافظين الجدد خير دليل على ذلك)، لن يعترفوا بجميع النتائج الناجمة عن احتلال وطنهم، بما فيها الحالة الانفصالية السائدة في كردستان العراق. ولا شك في أن عمليات التطهير العرقي الواسعة النطاق التي مارستها الميليشيات الكردية بحق السكان العرب والتركمان في منطقة كركوك، حيث هُجّر أكثر من مئة وأربعين ألف مواطن عراقي بسبب أصولهم، ستزيد من الاحتقان بين مكونات الشعب العراقي وتوجد الظروف المؤاتية لصراع مديد فيما بينها. عامل آخر سيساهم في إيجاد مثل هذه الظروف هو علاقات التحالف شبه المعلنة بين الحالة الانفصالية الكردية وإسرائيل. ومن يرد الاطلاع على عمق هذه العلاقات وقدَمها، فعليه مراجعة كتاب جوناثان راندل، «أمة في شقاق»، الصادر بالعربية عن «دار النهار». يكشف راندال أن هذه العلاقات تعود الى أواسط ستينيات القرن الماضي، عندما كلّف الملا مصطفى البرزاني المدعو سامي عبد الرحمن، وهو من رموز الحركة الكردية وقد قتل في بداية عام 2004 في عملية استشهادية في شمال العراق، ببنائها. السلاح الاسرائيلي سمح للمجموعات الكردية في تلك الأيام بتحقيق أول انتصار عسكري على الجيش العراقي. تعززت هذه العلاقات كثيراً مع مرور الزمن، وساهمت الاستخبارات الاسرائيلية في بناء الجهاز الأمني الكردي وفي انشاء عدد كبير من شركات الأمن الخاص المشتركة الكردية ــ الاسرائيلية التي تحوم الشبهات حول مسؤوليتها عن عدد كبير من عمليات القتل والاغتيال في العراق. يضاف الى ذلك أن الأجهزة الاسرائيلية باتت تستخدم كردستان العراق قاعدة للتجسس على ايران وسوريا ولزعزعة استقرار البلدين وتركيا. فمجموعات حزب العمال الكردستاني ما زالت متمركزة في شمال العراق وتشن بين الحين والآخر هجمات عسكرية داخل الأراضي التركية. وقد أنشأ الحزب المذكور فرعاً ايرانياً اسمه «حياة حرة لكردستان» يرتكب بدوره عمليات عنف داخل الأراضي الايرانية. أدّى أنصار الحزب المذكور دوراً كبيراً في الصدامات التي وقعت داخل الأراضي السورية عام 2004. وعلى عقلاء الأكراد أن يدركوا أن دول المنطقة لن تقبل بإنشاء اسرائيل ثانية فوق جبال كردستان.