حبيب فياض
لم تكن زيارة أمين عام الأمم المتحدة كوفي أنان الى طهران أواخر الأسبوع الماضي مجرد محطة عادية في جولته التي قام بها الى المنطقة، بل إن هذه الزيارة شكلت، في ما يبدو، أهمية استثنائية، نظراً إلى محورية الدور الذي تلعبه الجمهورية الاسلامية على مستوى المنطقة، وحساسية المرحلة التي وصلت إليها العلاقات الايرانية ــ الاميركية على خلفية الملف النووي الذي اقترب من بلوغ نهاياته ودخل مرحلة الحسم المفضي إما الى الحل والانفراج وإما الى الصدام والتصعيد.
وترى مصادر ايرانية مطلعة أن وراء تحرك أنان في اتجاه العاصمة الايرانية ما يتجاوز المبررات الظاهرة التي شكلت اطاراً معلناً لهذه الزيارة، ذلك ان جهود أنان، مهما تكن حثيثة، هي أكثر تواضعاً من المقدرة على إقناع الايرانيين ــ حيث فشل المجتمع الدولي ــ بضرورة وقف تخصيب اليورانيوم والامتثال لمقتضيات القرار الدولي 1696... وإن أياً من المراقبين لم يكن يتوقع سوى أن يبدي الايرانيون استعدادهم للتعاون على تطبيق القرار 1701، باعتبار ان القاضي اللبناني راضٍ بهذا القرار، وانطلاقاً من التزام طهران بدعمها لكل ما يجمع عليه اللبنانيون.
لقد وصل أنان الى طهران، تضيف المصادر عينها، مدفوعاً بضوء أخضر أميركي وهو يحمل مجموعة من المقترحات التي من الممكن ان تؤدي الى فتح ثغرة في جدار العلاقات الايرانية ــ الأميركية بحيث يتسنّى لواشنطن الخروج من المأزق الذي أوقعت نفسها فيه ــ على خلفية إدارتها للملف النووي الايراني ــ نتيجة مراوحتها في مكانها واقتصار فعاليتها في هذا المجال على التهديدات الشكلية واللفظية، في ظل انعدام الخيارات الجدية والمجدية أمامها، فيما طهران تقطع أشواطاً عملية الى الأمام وتقترب من تحقيق كامل أهدافها النووية، مزاوجةً في ذلك بين التمسك بحقها من دون هوادة، والانفتاح على الخارج على أساس الرغبة في التفاهم.
ويتجلى المأزق الاميركي، كما تقول المصادر نفسها، في ظل صعوبة بالغة في التحرك من خارج مجلس الأمن واتخاذ أي إجراء تصعيدي ــ عسكرياً أو اقتصادياً أو ديبلوماسياً ــ من الممكن ان يدفع ايران الى التخلي عن حقوقها النووية... وفي المقابل أيضاً، في ظل انقسام دولي واضح داخل مجلس الأمن وسياسة الدهقنة والابتزاز التي تتّبعها كل من بكين وموسكو إزاء واشنطن التي باتت بدورها تخشى من أن تشكل الأزمة النووية الايرانية مدخلاً يدغدغ طموحاتهما في إعادة احياء التعددية القطبية في العالم. لقد جربت الولايات المتحدة، تتابع المصادر، طرقاً التفافية ودائرية لمحاصرة طهران ــ بدءاً من أفغانستان ومروراً بالعراق ووصولاً الى لبنان وسوريا ــ فوجدتها طويلة ومليئة بالمستنقعات والألغام... ثم فكرت بالطريق التصعيدي والمباشر والسريع، فوجدته متهوراً وباهظ الكلفة وغير مضمون النتائج، ولم يبق أمامها سوى حجز مقعد لنفسها في القطار الدولي المتجه نحو جولة جديدة من المفاوضات بين المجتمع الدولي وايران، وهذا ما حاول القيام به كوفي أنان في زيارته الاخيرة الى عاصمة الجمهورية الاسلامية.
وتختم المصادر كلامها بالقول ان الدور المطلوب من أنان القيام به بين اميركا وايران على خلفية الملف النووي، يشبه الى حد كبير الدور المطلوب منه القيام به بين حزب الله واسرائيل على خلفية الجنديين الأسيرين... إذ كما ان اسرائيل لم تجد، في النهاية، مفراً من اللجوء الى الامم المتحدة للدخول في مفاوضات غير مباشرة مع حزب الله لإطلاق جندييها على رغم خوضها حرباً هي من أصعب الحروب التي خاضتها في تاريخها من أجل تحقيق ذلك، فإن اميركا ايضاً لن تجد في نهاية المطاف سوى المفاوضات طريقاً للتعامل مع ملف طهران النووي على رغم رفعها، على الدوام، سقف التصعيد الى حد التهديد بضرب المنشآت النووية الايرانية. بيد ان ثمة فرقاً أساسياً بين المشهدين، ذلك ان من الممكن ان نشهد، يوماً، مفاوضات مباشرة بين طهران وواشنطن، لكن اية مفاوضات قد تجري بين حزب الله واسرائيل ستبقى غير مباشرة الى الأبد.