الدولة... الشركة
بعد انعقاد الطائف عام 1989، برز تحدّي افتتاح عصر الدولة في لبنان بقوة. ويستذكر اللبنانيون سلسلة احداث ومشاريع، وصور حكومات ثلاثينية توالت على الحكم، وحركة سياحية نشطة وقمماً ومؤتمرات تلت هذا التاريخ.
لم يأفل نجم اتفاق الطائف بعد، بل هو حاضر اليوم بزخم كبير على مائدة المزايدات السياسية، وقد اضحى مجرد ترديد ذكره مقياساً لتقويم نقاء الانتماء الوطني والتنظير السمج له، حتى من فئات سياسية شغوفة بذكر هذا الاتفاق اليوم وكانت هي نفسها قد كفرت بتعاليمه لسنوات طويلة لا بل جذّفت عكس تيارها.
في اتفاق الطائف، خرج ممثلو الشعب اللبناني بقرارات وطنية تعد بقيام الدولة القادرة، الا أن هذا الاتفاق قد مسخ ايّما مسخ، وتحوّلت صورة الدولة الموصوفة فيه لتصبح على هيئة كيان شركة مساهمة، مجلس ادارتها متمثل في مجلس الوزراء اللبناني وأعضاؤها الاستشاريون هم النواب اللبنانيون، اما ملجأ فض النزاع لديها فهو القضاء اللبناني «المتجرد».
صحيح ان الدولة بهيكلها المتين مفتقَدة اليوم بشدة، وأحد أسباب غيابها الوجيهة هو حال الطبقة السياسية في لبنان التي درجت تاريخياً على تركيز واقع الوطن: «الشركة المساهمة» واستبعاد صيغة الوطن: «الدولة المتينة». ذلك أن التسويف والذهنية السياسية اللبنانية بأصفاد الطائفية والتبعية والفساد، حالت دون تحقيق إنجازات تُقيّد في رصيد الشعب اللبناني وتساهم في رفع الحيف اللاحق به في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
مريم مرتضى

أفق سياسي

منذ الانتصار الأخير للمقاومة في لبنان، والتعليقات المؤيدة والرافضة لا تتوقف.
يعترف الدكتور سمير جعجع بأن مقاتلي حزب الله أبلوا بلاء حسناً في القتال ضد اسرائيل، لكنه يستدرك بالقول «ان الاداء التكتيكي في بعض القرى لا يعني أننا ربحنا المعركة، وأن صواريخ حزب الله لم تحقق توازن الرعب مع اسرائيل». إنه الاسلوب الذي يراد منه التقليل من شأن ما حصل، ويمكن إدراجه في باب الذم في معرض المديح.
ويمكن الاكتفاء برأي جعجع لأن في الرأي الذي يعرضه ما يعبّر، بل ويختصر باقي رفاق الخندق الواحد في حلف 14 آذار، ولننتقل الى ما يورده «المفكرين والكتّاب».
فالدكتورة دلال البزري مثلاً، ترى في مقال في جريدة الحياة 20/8/2006، «ان نصر المقاومة ما هو إلا «خدش» صغير في صورة اسرائيل». «معنى النصر بالنسبة للحزب ــ تتابع السيدة البزري ــ أن يخرج «الحزب» سالماً بجهازه الحربي وآلته العسكرية، وهذا يعني أن انتصار الحزب لا يعني انتصار لبنان».
ويبلغ تألق البزري ذروته، فترى ان «حزب الله الذي يفترض الآن أن يكون موضع مساءلة ومحاسبة على ما جرّه على البلاد من دمار وخراب، يصور محاسبته على انها ايذاء لأبناء طائفته الثكلى، إنه ابتزاز طائفي صريح».
ان ما تورده السيدة البزري عن أن المقاومة تستخدم الابتزاز الطائفي، يندرج في باب الاتهام، ويعبّر عن افق سياسي معاد، العلمية تقتضي تبيان الابتزاز وكيفيته.
دعاة «الدولة» تقاسموا الوظائف والمغانم، ولم يبق لرجال الله إلا المغارم، وكان غرمهم كبيراً: الشهادة. عندما يصمد المقاتلون في خنادقهم، رغم جبروت العدو وتخلي العرب عنهم، وبعض الداخل، عندما يصمد هؤلاء ويستشهدون، فهذا دليل كاف على وطنيتهم وصدق مسعاهم.
واعلمي انه سيكون للصمود الذي أبدته المقاومة، وهو ما عجزت عنه الجيوش العربية مجتمعة، تداعيات لن تمر بدون تحولات تاريخية وحقيقية على تاريخ المنطقة، ويكفي أن ترصدي ما يحصل داخل اسرائيل من تخبط سياسي، انتجه الصمود لا الاقلام الحاقدة.
خضر محمد نبها