بيسان طي
إنه وقت للنقاش المفتوح في كل ما آمنّا به. وثمة أسئلة تخجل أن تطرح نفسها لبديهيتها لكنها ضرورية لمن يبحث بكثير من العناد عن حلم في محاولة لتلمّس طريق يزداد ظلمة.
ما هي الخيانة، هل ثمة خائن في لبنان؟ من هو؟
من هي اسرائيل؟ صديقة أو عدوة أو دولة ستربطنا بها حتماً مصالح اقتصادية؟ هل ستقوم بيننا علاقة “ندّية”؟ ولماذا قامت اسرائيل أصلاً؟ ولمَ لا نقتدي بها؟
من هي سوريا؟ أهي دولة عربية شقيقة؟ أم نلخّصها بنظام ديكتاتوري؟
ومن الأسئلة: لمَ المناداة بالعلمنة؟ أو الحديث عن نظم دينية؟
هل نتطاول إذا سألنا لمَ الصدق؟ والأمانة؟ و...
لمَ الانتصار للخير ضد الشر ما دام العداء لإسرائيل مسألة فيها نظر أو مرفوضة بشكل واضح؟
جميل على أية حال أن نتناقش في البديهيات، وفي هذا الاطار أيحق لنا أن نسأل لمَ يسرقنا المسؤولون عنّا ورجالهم ورجال رجالهم على مبدأ أن “كلب المير مير”، ثم نطرح سؤالاً مقابلاً (بغية الحفاظ على “الموضوعية”) ولمَ لا يسرق الزعماء؟ ألا يحتاجون إلى كثير من المال يحافظون به على الـ“Prestige”
وعلى أزلامهم؟ وعلى نوادي زوجاتهم، ولمَ لا، زوجاتهم نساء جميلات و“مندفعات”، فلمَ لا تكون لهن نوادي تسلية، لمَ نتهكّم على كل امرأة أو رجل يريد أن يتسلّى بالآخرين، إنها الحرية تضمن لأيٍّ كان أن يفعل ما يريد بمن يريد ما دام الآخرون لا يعترضون. وأبناء الطوائف الأصيلون لا يعترضون.
ويقودنا الهذيان إلى السؤال الجوهري “لمَ كل هذا الهذيان؟” ألأن “نخبة” لبنانية قررت أن تعيد النظر في ما كانت تسميه هي أيضاً “بديهيات”؟ ربما، ولكن لماذا تزامن توقيت “إعادة النظر” هذه مع توقيت أميركي لتثبيت مشروع “الشرق الأوسط الجديد”؟ وما الخطأ في التزامن؟ سؤال يُطرح في إطار النقاش المفتوح إذا لم يعترض بعض “السياديين الجدد” الآتين من تجربة مريرة عنوانها الرئيسي الالتحاق بنظام الوصاية السورية حين اضطر هؤلاء “مرغمين” إلى تمضية معظم أوقاتهم في قرية عنجر اللبنانية حيث “تصادف” وجود مركز رئيسي للاستخبارات السورية يديره اللواء والوزير السوري الراحل غازي كنعان. إذا قررنا (ظلماً؟) أن ننحاز مجدداً للخير ضد الشر فسنقول إن نضالات شعوب كثيرة أثبتت أن محاربة المحتل هي أولوية الأولويات، وبعد أن يخرج المحتل مهزوماً يتناقش أبناء الشعب في كل الأمور “في شكل العلم” مثلاً. ونعرف (ربما خطأ) أن تلك الشعوب حاربت المحتل لأن مشروعه يقوم على قتل مستقبلها الذي تريده مزدهراً. أما نحن في لبنان فنكاد لا نسمع إلاّ ذلك الصوت النشاز الذي يريد أن تمر الطريق إلى الكرسي الرئاسي في دمشق عبر فوهة بندقية، ونحن صرنا نطرب للنشاز بفضل نجوم الغناء الراهن. ما لنا وما لدمشق، وما دخلنا نحن بالعرب أصلاً؟ ربما، ولكن من أجل الديموقراطية نذكر أن ثمة من يشعر بأنه عربي وله الحق في الدفاع عن هذه الهوية. وثمة من لا يزال يعتقد بأهمية العلمنة طريقاً للخلاص من النظام الطائفي المهيمن على أرواحنا وأرزاقنا وأحلامنا ونسمة الهواء (الملوّثة بسبب الصفقات العديدة) التي نتنشّقها. لذلك نسأل المذعورين من سيطرة التيارات الأصولية ألاّ يكونوا حاجزاً يزيد عدد الكافرين بالعلمنة. فكيف سترضى الجماهير “المنساقة” بفكرة العلمنة إذا كان معظم المتحدثين بها حالياً يرفعونها سلاحاً ليقتلوا به المقاومين لإسرائيل، كيف ستقبل شعوب لم تنس البديهيات (العالمية) بطروحات وأفكار من يقف مع اسرائيل أو يرفض محاربتها أو يلعن من يحاربها. هل ستقبل الجماهير “المنساقة” بمشاريع من يُعرّفها بأنها جاهلة ومتعصبة وكافرة بمشروع الدولة، من دون أن يلتفت يوماً إلى جوعها واستهتار أصحاب “مشروع الدولة” بأبسط حقوقها.
رأفةً بالعلمنة وباليسار (الحقيقي) وحلم التقدم والازدهار الفكري والثقافي أولاً، ثم الاقتصادي لنحارب (نعم نحارب) من يعمل على قتلها متعمّداً إذ يرفعها سلاحاً لسحق الفقراء والمقاومين وكل طبقات “العامة”. هؤلاء إذا لم يؤمنوا بالديموقراطية والعلمنة والخيارات الليبرالية والدفاع عن التنمية بشكل صحيح ومساواة الرجل والمرأة فلن تتحقق هذه الشعارات. وهؤلاء العامة لن يصدقوا يوماً من يكرههم.
وهؤلاء “العامة” وإن لم يطوّروا بعد خياراتهم الفكرية فإنهم ليسوا مجموعة من الأغبياء، ويدركون بحسّهم الوطني ومن خلال التجربة العملية والمريرة جداً أن الصلح بين لبنان والدولة العبرية بالشروط الأميركية سيجعل اسرائيل الفاعل وسيكون لبنان مفعولاً به مجروراً عكس كل ما تقول به قواعد الصرف والنحو والانتماء العربي. ولكن وبما أننا نناقش البديهيات لمَ لا ننبش رماد سيبويه ونسأله تغيير قواعد اللغة العربية أو نلعنه ونبحث عن “كاوبوي لغوي” جديد.