الإعمار المناسب لمجتمع منتصر
أفكار أولية على هامش مشروع إعمار ما خلّفته الحرب الأخيرة التي استهدفت لبنان:
1 ـ لتشهد مشاهد الدمار في المربع الأمني المنتصر وتبقَ مدينة أثرية سياحية باسم «مربع الحرية والعنصرية» شاهدةً على حريتنا وعنصرية عدونا.
وليكن في كل بلدة تعرضــت للتوحش العنصري الصهيوني مربع مثله. وليبنَ حولها جدران وسقـــوف وممرات زجاجية سميكة تحفـــظها وتسمح ببقائها شاهداً أمام الأجيال والزوار من أنحاء العــالم. ولتكن مزاراً حيّاً ودائماً.
2 ـ الضاحية الجنوبية المنتصرة الشمّاء، بنيت تاريخياً وسط أزمات خانقة واكتظاظ عمراني وسكاني، من دون تخطيط ولا استشراف اجتماعي وحضاري... ثم هدمت في ظروف أبشع... فلا يجوز أن يخفى الدمار العنصري ولا يجوز وأد ما تمخضت عنه الحرب من آثار تشهد على البطولة والنصر...
3 ـ الواجهة البحرية للضاحية (الجناح والاوزاعي والمدور وخلفها بئر حسن والمرامل وبرج البراجنة) ما زالت موضع صراع بين أهلها والطامعين بالمساحات الموجودة، ومن كانوا يرغبون بإقامة «سوليدير» ثانية باسم «إليسار» التي ماتت بعد صراعات أهلها.
4 ـ حبذا لو بقي في بيروت «مربع شاهد» على ما حل بها بين 1975 و 1990، ليشكل مع الحفريات فيها متحفاً حضارياً يحكي تاريخ ألوف السنين لعشرات الحضارات والدول الزائلة..
5 ـ تختصر الضاحية اليوم كل ذلك التاريخ و«صراع الحضارات»، وتحكي كيف «ينتصر الدم على السيف»، وكيف ينتصر شعب بنى الحضارات العريقة خلال ألوف السنين وما زال يجسدها أخلاقاً وأدياناً وإيماناً ورسالات سماوية ولغة وثقافة ومراساً.. ينتصر على أصحاب الصناعة الحربية الموضوعة بتصرف مرتزقة اجتمعوا خلال عشرات السنين، أولاً في هجرات استعمارية أبادت شعوب القارة الأميركية، ثم اجتمعوا ثانية خلال عشرات السنين في فلسطين وحاولوا إبادة شعبها، والسيطرة على المنطقة وإخضاع أهلها واحـتلال أرضها والتحكم بثرواتها وسياساتها...
6 ـ مرة أخرى يجب الدعـــوة الى الإعلان أن «مدينة لبنان» ــ عبر الإعــــمار والتنمية والبنى التحـــــتية وعـــبر الســـياسة أولاً وأخـــيراً، لبنان مدينة من الحجم الوسط ما دامت مساحته حوالى عشرة آلاف كلم، وسكانه دون عشرة ملايين في المدينة ــ تتكرس فيها المواطنية وينتهي عصر الدويلات الطـــائفية والاقطاعية والحروب الأهلية.
7 ـ ان اعادة اعمار لا تفرض بالضرورة اعادة الأبنية والشقق كما كانت، وحيث كانت تماماً، بل يجب بناء أبنية أفضل وشقق أفضل في الحجم والنوع، وعدم العودة الى الاكتظاظ العمراني بل الإفساح في الأمكنة للحدائق والمساحات والشرفات والغرف ما دام الشهداء أحياء.
ان في البلديات والمناطق المذكورة الآن، وفي كل منطقة تعرضت للقصف، مساحات فارغة غير الأحياء المدمرة.. تسمح بإقامة أحياء جديدة لائقة ليقيم فيها من قدّموا بيوتهم، ومن قدموا الشهداء والجرحى، ومن سيقدمون إمكاناتهم عند الضرورة لتسهيل اقامة هذه الاحياء الحديثة... فيبقى الجميع في المناطق التي كانوا فيها وبـــــشــــروط أفــضل تلـــيـــق بشعب ضحّى وانتصر...
هكذا يكون الاعمار المناسب لشعب منتصر وتبقى الضاحية الشماء أثراً عياناً كأشرف معلم أثري سياحي يؤمه السواح المؤمنون والاحرار والاوفياء.. على مدار الاعوام كما تشهد هذه الايام.
د. مصطفى سليمان
(رئيس مركز ماداتا الاستشاري)