خالد صاغيّة
تحتاج أي قوّة سياسيّة إلى مخزون أخلاقيّ كبير حتّى تخرج إلى شعب وتخاطبه للمرّة الأولى، بعد تعرّضه للدمار والموت، فتقول له: «أرأيت؟ نحن مَن كنّا على حق». لا يجازف المرء في اعتبار أنّ قوى 14 آذار، كتجمّع، لا تملك هذا المخزون الأخلاقيّ. ورغم ذلك، لم تتوانَ عن افتتاح خطابها بالقول: «أيّها اللبنانيون، أثبتت الحرب التي فُرضت على لبنان صحّة موقف قوى الرابع عشر من آذار».
يتجاوز الأمر حدوده الشكلية. لكنّ الأدهى أنّ لازمة «صحّة موقف قوى الرابع عشر من آذار» التي تتكرّر كثيراً في البيان الأخير لهذه القوى، تؤكّدها، بحسب البيان نفسه، حقيقة أنّ قوى 14 آذار «لم تفاجأ بعدوانية إسرائيل ووحشيّتها». وكأنّ ثمّة دعوة إلى المفاضلة بين من «تفاجأ» وتصدّى للعدوان، وبين من «لم يتفاجأ» فدعا... إلى نزع السلاح الذي تصدّى.
لكنّ الحرب «أثبتت صحّة موقف قوى الرابع عشر من آذار» مرّة أخرى. فلطالما رفضت تلك القوى «سياسة المواجهة مع المجتمع الدولي التي أتاحت للعدوانية الإسرائيلية فرصة التفلّت من عقالها». يتناسى هذا الموقف أنّ «المجتمع الدولي» دعم بشكل صريح الحرب الإسرائيلية على لبنان. ورغم ما يتمتّع به «المجتمع الدولي» من نفوذ، لم يستطع حتّى تحييد البنى التحتية اللبنانية. لا يسوّغ ذلك مواجهة مع «المجتمع الدولي»، لكنّه يدعو إلى إعادة النظر باعتبار القوى الكبرى في هذا «المجتمع» أصدقاء صدوقين للبنان، وغيارى على مصلحته. وما علينا، بالتالي، إلا تقبّل نصيحة السفراء.
مرّةً ثالثة، «أثبتت الحرب صحّة موقف قوى الرابع عشر من آذار». ألم ترفض هذه القوى
«الانزلاق بلبنان إلى سياسة المحاور»؟ يمكن لقوى 14 آذار أن تدّعي طبعاً أنّ الحفاظ على سلاح المقاومة يخدم سياسة «محور» سوري- إيراني. لكن ما لا يمكن لها أن تدّعيه هو أنّ المطالبة الشرسة بنزع سلاح المقاومة لا تخدم مصلحة «محاور» أخرى. إذا ما كان هناك انزلاق إلى «سياسة المحاور»، فإنّ الهاوية تتّسع حتماً للجميع.
«أثبتت الحرب صحّة موقف قوى الرابع عشر من آذار» مرّة رابعة. فهذه القوى كانت قد حذّرت من «الفراغ السياسي القائم في رئاسة الجمهورية وما يترتب عنه من شعور مجموعات أساسية من اللبنانيين بخلو موقع الرئاسة وغيابها عن المشاركة الفعلية في القرارات الوطنية». لا يخفى أنّ المقصود بهذه «المجموعات» هم المسيحيّون في لبنان. ولنفترض أنّ الفريق الذي رفض عزل إميل لحود، وليس الفريق الذي دعا إلى مقاطعته، هو من همّش موقع الرئاسة، وبالتالي موقع المسيحيين. يبقى السؤال: إذا كان «المحور السوري الإيراني» قد همّش موقع المسيحيين في الرئاسة، فمن همّش موقع المسيحيين في الحكومة؟ يبدو أنّ قوى 14 آذار ما زالت ترفض الاعتراف بأنّ معظم المسيحيين، شئنا أم أبينا، قد اختاروا ممثّليهم الذين لا ينتمون إلى المجتمعين في البريستول. لا تريد قوى 14 آذار أن ترى ذلك، وتستعيض عن الرؤية بعروض بهلوانية كدعوة بعض «المنشقّين» إلى صفوفها. وهي تفعل الشيء نفسه حين تشكّك في «لبنانيّة» حزب الله، ثمّ تدّعي أنّ «الدعوة للانخراط في المشروع اللبناني يرفعها اليوم كبار القادة السياسيين والقادة الروحيين والمثقّفين والإعلاميين في الطائفة الشيعية الكريمة».
وبما أنّ الأحداث أثبتت صحّة موقف 14 آذار، كان لا بدّ لها أن تقترح خطوات لمستقبل زاهر. فاكتشفت مثلاً أنّ «الشرط الأول للدولة هو أن تضطلع بمهمة التصدّي لكل ما ينتهك سيادتها». لا بأس. لكنّ من يقرأ هذه العبارة يظنّ أنّ الدولة وأساطيلها البحرية والجوية كانت تستعدّ للتصدّي للعدوان الإسرائيلي، فوقف حزب الله في الميدان، ومنعها من إتمام المهمّة.