داميان ميليه وإيريك توسان *
لقد شهد لبنان شهراً كاملاً من النزاعات الدموية. وقضى ما يزيد على 1100 لبناني جراء غارات الجيش الإسرائيلي وضرباته العمياء، ثلثهم كانوا من الأطفال الذين لا تتعدى أعمارهم سِنّ الثانية عشرة، بينما نزح حوالى مليون لبناني عن قراهم ومدنهم.
ولكن الكلمات تعجز عن وصف حجم المعاناة الإنسانية التي شهدها هذا البلد.
إن الشرارة التي أشعلت الحرب كانت عملية أسر جنديين إسرائيليين نفذها حزب الله وهو حزب سياسي لبناني شيعي مشارك في الحكومة ولديه ميليشيا نافذة في جنوب لبنان. وجاء رد الحكومة الإسرائيلية مدمراً. ومما لا شك فيه ان جيش الدفاع الإسرائيلي كان هنا بمثابة سلاح دمار شامل وبدعم كامل من الولايات المتحدة..
لقد سمح اتفاق وقف النار الهش الذي دخل حيّز التنفيذ بالخروج من دوامة الحاضر والتطلّع قليلاً نحو المستقبل. وبغض النظر عما إذا كان سيُحترم هذا الاتفاق أو لا، على لبنان أن يباشر، عاجلاً أو آجلاً، عملية إعادة الإعمار. فالأضرار تُقدّر حتى الآن بنحو 2،5 مليار دولار، وهي تشمل 150 جسراً مدمراً بالإضافة إلى تلوث نحو 140 كيلومتراً من الشواطئ اللبنانية بحوالى 15 ألف طن من المازوت (على غرار كارثة إيريكا التي حلت بالشواطئ الفرنسية عام 1999).
وبحسب تقـــــارير البنك الدولي، كان لبنان، إلى حين اندلاع الحرب، يــــرزح تحـــــت عبء ديـــن خارجي هائل كان قد بلغ 22،2 مليار دولار في نهـــــاية عام 2004 حين كان عدد سكانه 3،5 ملــــيون نسمة، أي إن الــــدين الفردي قارب الـ6260 دولاراً من دون احتساب الدين الداخلي الذي يبلغ المستويات نفـــــسها ما يجعل لبنان من بين الدول التي تسجل أعلى معدل مديونية للفرد الواحد في العالم، علماً أن حجم خـــــدمة الدين العـــام في السنة نفسها بلغ الـ 4،4 مليار دولار.
لقد كان لبنان، في مرحلة ما قبل اندلاع هذه الحرب، يشهد وضعاً مالياً متدهوراً للغاية. وقد اضطرت الدول المانحة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وفرنسا، إلى الاجتماع في تشرين الثاني 2002 في باريس للتوصل إلى حل لهذه الأزمة: تعهدت تلك الدول حينها بمنح لبنان مبلغ بقيمة 4،3 مليار دولار مقابل التزام الحكومة اللبنانية بإصلاح النظام الضريبي وإطلاق عملية الخصخصة. وهكذا، أجبر هذا الدين لبنان على تعزيز سياسات نيوليبرالية تصبّ في مصلحة الأغنياء اللبنانيين والدائنين الأجانب وشركاتهم الكبرى.
أما الآن، فيضطر لبنان مجدداً إلى دعوة العواصم الأجنبية إلى مساعدته في عملية إعادة الإعمار، وسيؤدي هذا إلى ارتفاع جديد في الدين تقابله إجراءات اقتصادية جديدة ترمي إلى تحقيق إصلاح بنيوي، وبذلك سيكون على الشعب اللبناني في السنوات المقبلة أن يدفع غالياً ثمن تداعيات الحرب التي شنتها إسرائيل منتهكة الاتفاقيات الدولية التي تحكم العلاقات بين الدول.
لكن لا يُفترض باللبنانيين الذين دفعوا حياتهم وحياة أقاربهم ومنازلهم وبناهم التحتية ثمناً لهذه الحرب أن يعانوا الأمرّين لتمويل عملية إعادة الإعمار. فقد سبق لفلسطين أن دفعت ثمناً إنسانياً ومالياً هائلاً بسبب إرهاب الدولة الذي مارسته إسرائيل.
ومن جهته، يتعرض العراق منذ آذار 2003 لعدوان عسكري غير مشروع من جانب الولايات المتحدة وحلفائها الذين يسيطرون على هذا البلد ويفرضون خياراتهم النيوليبرالية على اقتصاده فيراكمون عليه ديوناً لمصلحة كبرى الشركات المتعددة الجنسيات من دول الشمال. لذلك على فلسطين والعراق ولبنان أن يطالبوا بمحاسبة المعتدين عليهم، ويُفترض بالحركات الاجتماعية في هذه البلدان أن تضغط على المجتمع الدولي في هذا الاتجاه.
بالنسبة إلى لبنان تحديداً، فإن الحل يكمن في إلغاء فوري للدين وإنشاء صندوق لإعادة الإعمار تغذيه التعويضات الإسرائيلية عن الدمار الذي خلفته إسرائيل في لبنان، بالإضافة إلى مساهمة مالية من الولايات المتحدة التي تدعم إسرائيل وتموّلها. بهذا فقط يمكن القول ان العدالة تحققت للشعب اللبناني.
*اقتصاديان في اللجنة الدولية لإلغاء ديون العالم الثالث