كمال مساعد *
نشرت صحيفة «يو. إس. إي. توداي» الأميركية تقريراً يكشف الدور الأميركي التركي في دعم اسرائيل خلال الحرب التدميرية على لبنان، وقد تجلّى هذا الدور في منع وصول طائرات شحن ايرانية الى سوريا يُعتقد بأنها تنقل صواريخ متطورة وقذائف لحزب الله، وتؤكد الصحيفة أن عملية تجسس عالية التقنية التقطت صوراً لجنود في قاعدة جوية ايرانية يحملون على متن طائرة شحن ثمانية صواريخ سي 802 المضادة للسفن وهي ايرانية الصنع ومبنية على تكنولوجيا ايرانية، وقد استطاعت الدبلوماسية الاميركية إقناع تركيا بعدم السماح للطائرات بعبور أراضيها وأجوائها في اتجاه دمشق إلا بعد عملية تفتيش دقيقة كي لا تحمل صواريخ ومعدات عسكرية، وأدت تركيا هذا الدور بعد زيارة التفاهم لنائب رئيس الوزراء وزير الخارجية التركي عبد الله غول إلى واشنطن، وذلك بهدف تعزيز التعاون بين بلاده وأميركا وإزالة ما تبقى من رواسب في علاقاتهما الثنائية نتيجة رفض مجلس النواب التركي منح تسهيلات للقوات الأميركية عشية الحملة العسكرية على العراق. وأبرز ما أسفرت عنه الاتصالات والزيارة كان توقـــــيع «وثـــــيقة الرؤية المشتركة والحوار المؤســـــساتي لدفع الشراكة الاستراتيجية التركية ــ الأميركية».
الأهداف والاتفاق
وتلخّص وثيقة الرؤية المشتركة بكونها تعكس علاقات الصداقة، التحالف، والثقة المتبادلة ووحدة الرؤية بين البلدين. وتعكس سعيهما لتحقيق الأهداف الإقليمية والعالمية: ترسيخ السلام، الديموقراطية، الحرية والازدهار... في مواجهة التحديات والفرص المشتركة التي تستدعي تضافر جهودهما...
تضيف الوثيقة أن البلدين اتفقا على ترجمة رؤيتهما المشتركة عبر: الترويج للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط الموسع من خلال الديموقراطية، دعم الجهود الدولية للتوصل إلى تسوية دائمة للنزاع العربي ــ الاسرائيلي، حل النزاع الفلسطيني ــ الاسرائيلي على أساس إقامة دولتين، تعزيز الاستقرار، الديموقراطية والازدهار في عراق موحد، دعم الجهود الدبلوماسية بشأن برنامج إيران النووي، بما فيها مبادرة الـ5+1، المساهمة في الاستقرار والديموقراطية في منطقة البحر الأسود، القوقاز، آسيا الوسطى وأفغانستان، دعم تحقيق تسوية عادلة ونهائية وشاملة ومقبولة من طرفي النزاع في قبرص برعاية الأمم المتحدة، وفي هذا الإطار إنهاء العزلة عن القبارصة الأتراك، ترسيخ أمن الطاقة عبر تنويع مصادرها وطرقها بما فيها الوافدة من حوض قزوين، تمتين العلاقات عبر الأطلسية وتحديث حلف شمال الأطلسي، مكافحة الارهاب بما فيه إرهاب حزب العمــــــال الكردستاني والمنظمات الدائرة في فلكه، حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل، مكافحة المتاجرة غير المشروعة بالبشر والمخدرات والأسلحة، تعزيز التفاهم والاحترام والتسامح بين مختلف الديانات والثقــــــافات، ودعــــــم الجهود المـــــتعددة الأطراف الرامية إلى إيجاد حلول للتحديات والأزمات الدولية.
تشير الوثيقة أيضاً الى دعم الولايات المتحدة الأميريكية القوي لعزم تركيا على الانضمام الى الاتحاد الأوروبي ولجهودها في هذا السبيل مع التركيز على العلاقات الاقتصادية والتجارية، الاستثمار، التعاون الدفاعي ــ العسكري، العلوم والتكنولوجيا، ولهذا تم الاتفاق على الوسائل التالية:
1 ــ تأليف لجان رفيعة المستوى تعقد اجتماعين في السنة بين مؤسسات الدولة، والمنظمات الحكومية، والقطاع الخاص.
2 ــ تأليف لجان متخصصة وفرعية تكون بمثابة مجموعات عمل تتولى متابعة كل الوسائل العالقة وتقديم الاقتراحات لمعالجتها.
3 ــ إنشاء وحدات للتخطيط السياسي لاستكشاف التيارات والتطورات المحتملة وتحليلها وتقديم التوصيات بكيفية التصدي لها.
4 ــ توسيع قاعدة الحوار وتنويعها لتشمل جمعيات المجتمع المدني، الإعلام، رجال الأعمال والاقتصاد، العلماء، الجامعيين، التربويين، وكذلك رجال التشريع والبرلمانيين في البلدين.
5 ــ تقويم سنوي لتطور عملية تنفيذ هذه الوثيقة بين وزارتي الخارجية في البلدين.
إقامة قواعد عسكرية أميركية
وكشفت صحيفة «جمهورييت» التركية عن سعي الولايات المتحدة لإقامة ثلاث قواعد عسكرية كبيرة جديدة في تركيا، إضافة الى قاعدة «إينجيرليك» الموجودة حالياً.
وأكدت الصحيفة أن الولايات المتحدة قدمت طلباً الى تركيا لإقامة ثلاث «منشآت» عسكرية في بحار تركيا الثلاثة: الأبيض المتوسط، إيجه، والبحر الأسود. لكن تركيا لم توافق على إقامة منشأة في البحر الأسود حتى لا تنتهك بذلك اتفاقية مونرو حول المضائق، فيما أجابت بأنها ستكون «مرنة» تجاه الطلبين الآخرين. أما المؤسسة العسكرية التركية، فقد رأت أن ذلك مرتبط بالحكومة وبالإدارة السياسية حيث القرار النهائي لها. وهنا قررت الحكومة التركية السماح للأميركيين بالقيام بأبحاثهم عن الأماكن المحتملة لهذه القواعد.
وبعد هذا الإذن، قام وفد من 10 الى 12 شخصاً من الأميركيين بمراسلة المسؤولين المحليين في المناطق الساحلية المزمعة دراستها، للمساعدة في عدم ظهور ردود فعل محلية على عمل الوفد. وقد شمل عمل الوفد مسح الشواطىء وقياس أعماقها.
واستقر رأي الهيئة الأميريكية على أن ميناء الإسكندرون الراهن، نظراً إلى عمق مياهه وقربه من قاعدة إينجيرلك، هو مكان مناسب جداً لإحدى هذه القواعد. والمكان المناسب الآخر هو ميناء أورلا، وهو أيضاً على البحر المتوسط. وقد بدأت الهيئة محاولات شراء الأراضي المحيطة بالميناء، مستفيدة من قانون حرية بيع الأراضي للأجانب. أما المكان الثالث المحتمل، فهو منطقة موردوغان القريبة من أزمير على بحر إيجه، حيث توجد شبه جزيرة قره بورون.
ويخطط الأميركيون لإقامة قواعد بحرية تستطيع استقبال السفن الضخمة، والسفن البحرية وحاملات الطائرات. وتلحظ عملية ما بعد اختيار الأماكن، حجم القواعد التي ستقام وهدفها وحجم الوجود البشري الأميركي فيها. وتشير الصحيفة إلى أن ما يسري على قاعدة إينجيرليك سينطبق على القواعد الجديدة، بحيث تكون تركيا على علم بأي أشغال ستقام وبوجود مسؤول تركي دائم فيها. وإن أي عملية عسكرية أو غيرها ستنطلق من هذه القواعد، يجب أن تحصل على إذن مسبق من تركيا.
وتلفت الصحيفة الى أن الاتفاقيات المتعلقة بقاعدة إينجيرليك تشير الى أن ما يُقام ليس قاعدة بل «منشأة». واللافت أن الاتفاقيات لتأسيس قواعد جديدة، لن تكون جديده، بل ستدخل في إطار الاتفاقيات السابقة بين تركيا وحلف شمال الأطلسي، ولا سيما بروتوكول لندن في 17 نيسان 1951 الذي انضمت تركيا بموجبه الى الحلف، وبين تركيا والولايات المتحدة، ولا سيما «اتفاقية التعاون العسكري والاقتصادي» في 29 آذار 1980. وتتبع هذه الاتفاقية ثلاث اتفاقيات مكمّلة لها، وهي بـــــمثابة ملاحق حددت الوضع القانوني لقاعدة إنجيرليك ووقّع عليها السفير الأميريكي حينها جيمس سباين ووزير الخارجية التركية خير الدين أركمين، بحيث لكل من إينجيرليك وسينوب وبيرينتشليك اتفاقية مكملة خاصة بها.
وكشفت الصحيفة أيضاً عن أن الولايات المتحدة قد استطاعت إقناع تركيا بالسماح لها باستعمال القاعدة العسكرية على الحدود السورية لتشديد مراقبة ايران وسوريا معاً، وكشفت الصحيفة عن ان القاعدة الخاصة بالرادارات المتطورة والحديثة أقيمت في إقليم الإسكندرون بتمويل من حلف الناتو حيث يتم تشغيلها بالأقمار الاصطناعية وتصدر تعليمات التجسس والتنصت الخاصة من قاعدة إنجيرليك، وان احتمال استعمال الرادار للقيام بضربات جوية على المنشآت النووية الايرانية، وامكانية استخدامها لشن هجمات عسكرية على الأراضي السورية والمواقع العسكرية ممكنان، هذا إضافة الى رادار آخر هو قيد الإنجاز ويقع في موقع كيسه جيك، وقد وضع في خدمة الناتو. ويتركّز التعاون التركي الأميركي على تخصيص قاعدة عسكرية جديدة تسمح للطائرات الأميركية الحربية بقصف مواقع عسكرية في المنطقة.
أخيراً تعتبر هذه الوثيقة الأكثر تقدماً وطموحاً وشمولية في تعزيز التعاون الثنائي بين الولايات المتحدة الأميركية ودولة كبرى فاعلة في العالم الإسلامي، وفي إحدى المناطق الجيوستراتيجية والأهم بالنسبة إلى العالم الغربي، ولو كان تم توقيعها على مستوى أرفع لكانت أرست قواعد جديدة تخطت عضوية تركيا في الناتو الى تحالف استراتيجي بين البلدين.
* باحث في الشؤون الاستراتيجية