بولس خلف
هناك من يعتقد أو يأمل أو يروّج أن أوروبا قررت أن تسلك طريقاً مختلفاً عن الإدارة الأميركية، أقل عدائية وأكثر ليونة وواقعية. يقول هؤلاء إن بوادر هذا الاختلاف ظهرت خلال الحرب الاسرائيلية على لبنان وتأكّدت في مقاربة الدول الأوروبية الأخيرة الملف النووي الإيراني. ويتابع أصحاب هذه النظرية أن فرنسا ومعها إسبانيا وإيطاليا أبدوا قدراً لا بأس به من التمايز مع واشنطن خلال العدوان الاسرائيلي، عبر المطالبة العلنية بوقف إطلاق النار ورفضهم نشر قوة أطلسية قتالية في جنوب لبنان. أما في ما يخص الموضوع الايراني فيبدي الأوروبيون رغبة الحوار مع طهران بدلاً من التهديد بالعقوبات التي تسعى الولايات المتحدة الى فرضها على الجمهورية الإسلامية.
نحن نقول إنه على رغم بعض الاختلافات في الشكل والأسلوب فلا شيء تغيّر في الجوهر. صحيح أن إسبانيا ثاباتيرو غير إسبانيا آزنار، وأن ايطاليا برودي مختلفة عن إيطاليا برلسكوني، ولكن صحيح أيضاً أن ألمانيا ميركل غير ألمانيا شرودر، وفرنسا شيراك ــ 2003 لا تمتّ لفرنسا شيراك اليوم. ما خسره جورج بوش في مدريد وروما من خلال سقوط حليفين أساسيين قد تم تعويضه في برلين مع مجيء مستشارة أطلسية الهوى وفي باريس مع تلاوة جاك شيراك فعل الندامة.
ليس هناك من مؤشرات تدل على أن الدول المحورية في أوروبا قد قررت الافتراق التدريجي مع سياسات الادارة الاميركية. يمكن ان يظهر الرئيس الفرنسي بعض الحرد بعدما انتابه شعور الزوج المخدوع لعدم قدرته على تجنيب لبنان التدمير المنهجي، وهو الذي تخلى عن كل ثوابت السياسة الخارجية الفرنسية من أجل أن تقبله الولايات المتحدة شريكاً في إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.
في الساحات الملتهبة والمتوترة الخمس في الشرق الأوسط، لم تقرّر بعد أوروبا رسم سياسة خاصة بها تتسم بقدر من الاستقلالية تجاه الولايات المتحدة وبمقاربة أكثر عدالة وواقعية لقضايا شعوب المنطقة. في أفغانستان لا تزال الدول الأوروبية تؤدي، من خلال حلف شمال الأطلسي، دور الأداة التنفيذية للمشروع الأميركي الهادف الى دعم نظام ضعيف وفاسد من دون أي أفق إصلاحي وتنموي.
العراق يختزل وحده السقف الأوروبي بحديه الأقصى والأدنى. فمن جهة نرى المملكة المتحدة المنخرطة بقوة إلى جانب أميركا، ومن جهة أخرى نرى اسبانيا وايطاليا اللتين قررتا الهروب من المستنقع ولكن من دون تقديم رؤية أو مبادرة جديدة لإيجاد حل لهذا المأزق. كما في العراق، كذلك في فلسطين، اختارت أوروبا الانسحاب السياسي وترك الساحة للعنف الدموي الاسرائيلي، أما في موضوع الملف النووي الايراني، فتؤدي أوروبا دور المحاور في إطار توزيع المهمات مع الولايات المتحدة. ويبقى هدفها المعلن والخفي منع ايران من امتلاك الدورة التكنولوجية النووية الكاملة.
في ضوء ما سبق يمكن فهم الدور الحقيقي لأوروبا في الساحة المتوترة الخامسة، وهي لبنان. إنه دور منحاز لفئة من اللبنانيين على حساب فئة أخرى، مكمّل لما حاولت اسرائيل القيام به وفشلت. مهمة أوروبا عبر القوات الدولية هي استكمال تطويق المقاومة وكل القوى الممانعة للهيمنة الأميركية ــ الاسرائيلية ميدانياً عبر سلسلة من الإجراءات الأمنية والعسكرية والتقنية والاستخبارية، بينما يمضي أصدقاؤها قدماً في محاولاتهم محاصرتها سياسياً.
إذا ارتضت الدول الأوروبية المشاركة في قوات الطوارئ أن تؤدي هذا الدور، فلن يمر وقت طويل حتى يبدأ الناس باعتبارها قوة معادية ومحتلة تحاول تغليب فئة من اللبنانيين على أخرى، تماماً كما كانت بعض القوى تنظر الى الجيش السوري.
تغيّر اللاعبون والموقف واحد: حرية، سيادة، استقلال.