بين الوليد والكمال
أنا إنسان أممي، لبنانيّتي حرّة وغير مرهونة إلى هذه الطائفة أو تلك.
بين «المعلم» كمال ووليده بون شاسع يستحق الوقوف عنده.
كمال. اسم على مسمَّى، رجل فكر ومبادئ وأخلاق. مقاوم من أجل حرية الإنسان وسعادته، وعنده الحياة مساوية للقضية التي آمن بها.
وقف سداً منيعاً في وجه الرأسمالية الجشعة، وقدّم نهجاً جديداً في الاشتراكية الإنسانية، ولأنه مثل النقيض الفكري والأخلاقي لأعدائه أطيح به. كان ذلك هو الاغتيال الأول. وليد، بويع الوليد، فغزا، وما أدراك لما غزا وما غزا، وإذ به يستبيح الأعراض وينتهك الحرمات وحقوق الإنسان. هجّر، وارتكب المجازر، فكان الاغتيال الثاني للكمال.
استشهد رفيق فأدمع وليد.
وها هو الوليد يُطلّ بوجه حقيقي، بعدما انقلب على كل المبادئ والقيم، حاملاً سيف العدو الأجنبي.
تحية إلى الأسير سمير القنطار، الصامد في سجون المحتل، حليف حلفاء الوليد، وعدوّ الكمال والرفيق، سلام إلى سمير الباقي على فكر الكمال.
لو بُعثَ الكمال إلى الدار من جديد، لتبرّأ من هذا الوليد.
نسيم غطاس

النصر والشباب اللبناني

لبنان بعد حرب تموز لن يكون نفسه قبلها، جملةٌ تتردد كثيراً على ألسنة المحلّلين والسياسيين المحترفين. لندع التحليل السياسيّ لأهله ونحاول مقاربة أخرى. أنت شاب لبنانيّ، كيف لك أن تفهم وطنك بعد هذا الحدث؟ قبل الحرب، كنت قد سئمت الإحباط، وسئمت الاحتجاج على أسبابه، واعتدت أن يحكم عليك بالبطالة والقهر والوقوع في براثن المحسوبية، والاستخفاف بقدراتك. لم تكن رهينة وضع اقتصادي فحسب، بل أيضاً رهينة طاقم سياسي عمله الوحيد «تطفيشك» من البلد، عبر إذكاء الصراعات الطائفية.
بعد الحرب، وحين سألت نفسك ما الذي حصل؟ اكتشفت أن عليك الابتسام، لن تذهب بعيداً في خيالك وتحلم أن لبنان سينقلب بفضل المؤتمرات والمساعدات إلى إحدى الدول الاسكندينافية، فلقد سبق واختبرت الهبات والمؤتمرات.
بيت القصيد هو أنك كشاب لبناني، وبفضل المقاومة، لن تضيف إلى مآسيك السابقة ذلّ العيش تحت المظلّة الإسرائيلية. بيت القصيد، هو سقوط الكثير من المفاهيم السابقة، وعلى رأسها من دون منازع الإحباط. فوطنك لبنان، بعيداً عن الفولكلور، دخل التاريخ من جديد. نصر المقاومة ثقب جدار اليأس. أصبحت تفخر أنك تشارك الهوية اللبنانية مع رجال المقاومة وقائدها. أعطاك السيّد حسن نصر الله نموذجاً للقائد، مغايراً لنماذج الكذب والفساد. بعد هذه التجربة أصبحت تصدّق أن شعبك، الذي كنت قلقاً على هجرة أدمغته، تمكّن شباب قراه الجنوبيّة المحرومة أن ينفذوا أذكى الخطط لهزم عدو صُوّر على أنه لا يُهزم.
الآن، وبعد هذه الحرب، لن يستطيع أحد أن ينتزع منك اعتزازك بالنصر الذي فتح باب الأمل بمستقبل هذا البلد. لن تقبل بعد اليوم أن تقارن مقاومتك الوطنية بالمقاومة الفرنسية أو الفييتنامية، لأنه من الآن وصاعداً أصبحت هي الأصل والمثل لكل ثوّار العالم وأحراره. كل هذا الدمار والخراب لن يقنعك أن منطق المقاومة والصمود صار قديماً، فهو ما انفكّ يثبت جدواه منذ انطلاقة المقاومة الوطنية حتى الحرب الأخيرة. لن يغيّر شيئاً من أن المقاومة ردّت الاعتبار لهويّتك اللبنانية.
سناء الخوري

كما الأحلام

كما الأحلام تمضي، مضت تلك الأيام والساعات. لم نعرف كيف بدأت ولا كيف انتهت، ما عرفناه أننا خلدنا إلى النوم في ليلة صيف، بعدما آوت الشمس.
في تلك الليلة كان كل شيء في مكانه، حتى العجوز القابع تحت السنديانة العتيقة. لم يكن ما حدث فجر ذلك الصباح بالحسبان. وبدلاً من الاستيقاظ العادي، كانت الحرب، وراحت الطائرات الحربية ترمي بحقدها على البيوت والطرقات والأفراد. وبقينا على هذه الحال، أربعة وثلاثين يوماً قبل أن يأتي الصباح الذي حدد لوقف إطلاق النار. وحين جاء الموعد وحلّت الساعة الموعودة، سكتت أصوات المدافع، وغادرت الطيور المعدنية السماء الجنوبية. بات الأمر وكأن شيئاً لم يكن. فدهشنا وقلنا «نمنا فكانت حرب واستيقظنا فوجدنا أن الحرب قد انتهت»، ما عشناه في تلك الأيام لم يكن حلماً مطلقاً، كان أسوأ كابوس يمكن للإنسان أن يعيشه.
المحامي حسين محيدلي