حبيب فياض
لا يبدو ان المفاوضات «الشاقة والصعبة» التي يخوضها الجانبان الايراني والاوروبي، على خلفية ملف ايران النووي، سوف تصل الى طريق مسدود، ذلك ان الوقائع التي استطاعت ايران فرضها، في سياق ادارتها لهذا الملف، قد وضعت المجتمع الدولي امام معادلة جديدة تدفع الاوروبي ومن ورائه الاميركي للقبول بالقليل من التنازل الايراني مقابل تنازل هؤلاء عن الكثير من الشروط والمواقف التي حدّدوها سابقاً.
واستناداً الى الاجواء الايجابية، نسبياً، التي خيمت على المفاوضات التي شهدتها العاصمة النمساوية الاسبوع الماضي بين لاريجاني وسولانا، وتحديداً لناحية ما تسرب من معلومات عن استعداد طهران لتعليق تخصيب اليورانيوم مدة شهرين، استناداً الى ذلك يمكن القول ان الامور تتجه نحو «تخريجة» تحفظ ماء الوجه الاميركي والاوروبي أكثر مما تتجه نحو تسوية تقوم على حل وسط، والذي يدفع الأمور في هذا الاتجاه هو الشوط النووي الطويل الذي قطعته طهران الى الامام، هذا من جهة، والعجز الغربي من جهة ثانية، عن دفع طهران للتراجع عن انجازاتها النووية التي باتت أمراً واقعاً تجاوزته المفاوضات الى الخطوات التي لم تنجز بعد.
وإذا أفضت الجولة الجديدة من المفاوضات المرتقبة بين لاريجاني وسولانا أواخر الاسبوع الجاري الى اتفاق مبدئي يضع الملف النووي الايراني على سكة الحل، فإن الأنظار سوف تتجه تلقائياً صوب انعكاسات مثل هذا الاتفاق على العلاقات الايرانية ــ الاميركية، حيث لا يخفى ان واشنطن كانت قد أعلنت في أكثر من مناسبة استعدادها للدخول في مفاوضات مباشرة مع طهران في حال موافقتها على تعليق التخصيب، ولا يخفى أيضاً ان كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الاميركية رحّبت أخيراً بالأجواء الايجابية التي خيمت على مباحثات لاريجاني ــ سولانا التي كان جوهرها الكلام على وقف التخصيب لمدة شهرين.
وفي هذا الإطار بدأت تتوالى المؤشرات التي توحي ان واشنطن بصدد تمهيد الطريق لفتح قنوات حوار مع طهران تخرجها من خانة العاجز المتفرج على الأحداث الى خانة المساهم في صنعها... ومن هذه المؤشرات وصول الامين العام للامم المتحدة كوفي أنان الى طهران حيث تفيد مصادر ايرانية مطلعة ان أنان حاول خلال زيارته هذه تأدية دور الوسيط الدولي بين الجمهورية الاسلامية والولايات المتحدة، هذا بالاضافة الى وصول رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الى طهران أوائل الاسبوع الجاري حيث يبدو انه يصلح لأن يكون الوسيط الاقليمي بين الجانبين. إذ كما ان الساحة العراقية من الممكن ان تكون ساحة تجاذب ومواجهة بينهما، فهي من الممكن ان تكون أيضاً مدخلاً يؤدي الى التفاوض وربما الى التفاهم بين الخصمين اللدودين. والذي يزيد من احتمال قيام العراق بمثل هذا الدور هو إدراك القادة العراقيين أن لا استقرار حقيقياً على المستويين الأمني والسياسي في العراق من دون تفاهم اميركي ــ ايراني.
من هنا، يبدو ان اية مفاوضات محتملة بين طهران وواشنطن، لن تقتصر على الملف النووي، بل ستتعداه الى ملفات أخرى يأتي في مقدمها الملف العراقي، والوجود الاميركي في المنطقة، والارصدة الايرانية المجمدة في المصارف الاميركية، اضافة الى الضمانات الامنية بعدم تعرض ايران لاي اعتداء اميركي... وهذه بمجموعها تشكل السلة الواحدة التي لطالما تمسكت بها طهران شرطاً لأي انفراج في علاقاتها بواشنطن.