أنيس النقاش *
لم يعد خافيا على من يتابع بدقة, ولكثرة ما كتب وكشف من معلومات حول اهداف الحروب التي اطلقتها الولايات المتحدة على أفغانستان ومن ثم العراق وما تحاوله في فلسطين ولبنان أن الامور سارت وتسير بالترتيب التالي:
أن الحرب على العراق كانت معدة سلفا ضمن برنامج المحافظون الجدد قبل حملة نويورك وواشنطن من قبل مجاهدي تنظيم القاعدة. وبالتالي لا علاقة للهجوم بما تبع من اعلان الحرب على العراق بل على الامة كلها باشكال مختلفة. أن الحرب على أفغانستان فرضت نفسها بقوة بعد هذه الغزوة, ولكن ما أن انتهت حتى عاد البرنامج بأتجاه العراق كما كان مرسوما. والحجج الواهية لخوض هذه الحرب أصبحت من تندرات المجتمع الاميركي وساسيييه انفسهم. الموقف من فلسطين وعدم الدفع بأتجاه اي حل منطقي, ولا نقول عادلا, يدل على عدم رغبة الادارة بايجاد اي حل طالما انها لم تحقق أهدافها في الحروب الاخرى, ذلك لانها تعتقد ان فلسطين ومن ثم مصر بجب أن تكون هدايا مجانية نتيجة الانتصارات في الحروب الاخرى.
في لبنان تحاول الادارة , تارة عن طريق عملاء الداخل, وتارة بالهجوم الاسرائيلي المباشر تحقيق هدفها, بجعل لينان منبرا ومنصة لاستكمال الهجوم على المنطقة وسحبه من جبهة المقاومة, ليصبح خادما لمشاريعها و واحدا من أدوات الدعم لهذا المشروع. الفشل على كل الجبهات لم يعد سرا ولا حاجة لمناقشة احتمالاته, بل المطلوب دراسة تداعياته وابعاده وآثاره على الولايات المتحدة نفسها.
في أفغانستان الحرب تجددت بضراوة, والحلف الاطلسي يواجه أزمة تامين جنود اضافيين لحرب يعرف سلفا أنها كباقي الحروب الغير متقارنة لن تكسب ابدا.
في العراق مقاومة ضارية متصاعدة أثبتت عدم قدرة الولايات المتحدة وحلفائها على الامساك بزمام الامور, وهم بصدد البحث عن أفضل سبيل للانسحاب باقل خسائر سياسية ممكنة. في فلسطين فشل في كل الجالات, فشل في تركيب حكومة تناسبهم, وفشل في قمع الانتفاضة, وفشل في الانتخابات المرجوة التي أتت بالد أعدائهم.
في لبنان وبعد فشل قوى عملاء الداخل , لجاءت الولايات المتحدة الى اسرائيل وقواتها مباشرة في محاولة فاشلة للحصول على التغيير المطلوب في توجهات لبنان ودوره في المقاومة الشاملة في المنطقة. هل يعني ان الصورة وردية وان الانتصارات المحققة تعدنا بمستقبل واعد؟
في افغانستان لم تقم الولايات المتحدة بحربها مباشرة على الارض بل دعمت تحالفا افغانيا ادى الى الاستيلاء على البلاد. فسياسة فرق تسد كانت اذا حاضرة وضرورية لتامين نصر لها في هذا البلد. الانقسام هناك والشرخ كان عرقيا وليس مذهبيا. في العراق وقبل بدئ المعارك, اطلت علينا وسائل الاعلام الموجهة, الدولي منها والعربي, بسيل من التحليلات والمقالات, كانت كلها تهدف لايجاد شرخ بين السنة والشيعة. فجاة اصبح استبداد نظام صدام محصورا بالشيعة أو بهم أكثر من غيرهم, وكأن حزب البعث العراقي كان حزب السنة الهادف لقمع الشيعة. مع أن أكثر أعضاء القيادة القطرية, وحتى الاعضاء العاديون كانوابأكثرهم من الشيعة. لقد كان واضحا أن الولايات الممتحدة تلعب دور فرق تسد من أجل مزيد من السيطرة. وكان الشرخ الثاني في العراق وهو شرخ مذهبي.ساعدهم في تحقيق ذلك جوقة من أشباه العلماء الذين يجهلون الدين أكثر من جهلهم المعروف في السياسة, تحركهم غريزة فوبيا الطائفة المهددة بالانقراض والمعذبة على مدى العصور, فتحولوا الى ادات غبية بأيدي اعداء الامة. في فلسطين الشرخ مختلف, لا هو مذهبي ولا هو عرقي. الشرخ هنا هو بين من يريد التحرير ومن يريد «الصرفة», اي أي حل ,بأي ثمن. اللعب هناك كان على التعب والانهاك, مع الكثير من جرعات الافساد العقلي والمادي, لشراء المجتمع الفلسطيني, عبر تجويعه وترهيبه وترغيبه وجرعات كبيرة من المساعدات لجعله مرتبطا برغبات عاملي « الخير»..
في لبنان اللعب على المشاعر المذهبية تؤججه جوقة من تجار السياسة, بعضهم مرتبط بقوى اقليمية, وجودها واستمرارها وسايستها الاقليمية والدولية كانت وما زالت تحدده عقيدة ان الامور كلها , منذ ايجاد ممالكهم الى اليوم هي بيد السيد الاجنبي.وهي اليوم تقوم بخدمته عن طريق تجيير عمالها الصغار في لبنان لصالح استراتيجية السيد الكبير.وتحالفت هذه القوى مع قوى أخرى كانت وما زالت تمارس السياسة على وقع الاملاءات والرغبات الاجنبية. الجديد ألقديم أنهم يسعون لجعل الشرخ ايضا مذهبيا كما كان على مر سنين عمر هذا البلد.ولكن هذه المرة بين المسلمين انفسهم. لم يعد سرا أن الولايات المتحدة ,واسرائيل ومن يدور في فلكهم, لا حيلة لهم ولا قوة الا بالاستثمار بالفتن المذهبية وبتفريق الصفوف سعيا للوصول الى اهدافهم . ان مشروع الشرق الاوسط الكبير أو الجديد لم يعد ممكن الوصول اليه الا من خلال مشروع الشرخ الاوسط الكبير الذي يسمح لهم بالتعويض عن فشلهم في السيطرة المباشرة من خلال محاولة لضرب كل ماهو موجود, لعل وعسى يسهل لهم ذلك مهمة اعادة صياغة المنطقة.
الرئيس بوش الغير معرف بفطنته المفقودة وذكائه الذي يجب البحث عنه بالمنظار يسهل علينا الامور احيانا كثيرة بفلتات لسانه, تارة بالحرب الصليبية وتارة بالحرب على الفاشية الاسلامية, وآخر ابداعاته كانت جملته التي قال فيها : أنه لا فرق بين الارهاب الشيعي والارهاب السني. هكذا اصبح جورج بوش خبيرا في الشؤون المذهبية الاسلامية ولكن على عكس ما كان التوجه للتفرقة فهو اليوم بدمجه للحالتين يوحد بينهما عن غير قصد ولا تصميم.
لا عجب في ذلك فقد قالوا له أن الشيعة طائفة اسلامية تسعى للديموقراطية وهي حليفتنا في العراق, كذا, وكان العدو هو الارهاب السني, كذا, ثم فوجئ بالتظاهرات في بغداد المحررة ديموقراطيا ترفع شعارات لا تريح المشروع الاميركي, وفوجئ بنور المالكي يصرح بتصريحات داعمة للمقاومة في لبنان وبمواقف أخرى من هنا وهناك ضد الكيان الصهيوني. عنده حق جورج بوش أن يضيع زرعه وصبره في زواريب المذهبيات الاسلامية. فهو اتاها من كل صوب وهي تلتف عليه من كل حدب وصوب. ولكن السؤال الاساس يبقى هو: متى تستفيق الحركات الاسلامية من غفوتها لتصبح اكثر وعيا بضرورة وحدتها وضرورة نظرتها الى الامور من منظور استراتيجي يحفظ مصالح الامة لا الطوائف والمذاهب؟؟ ومتى تستفيق من غفوة التعصب لترى بمنظور شمولي الامور والاحداث من خلال حقيقة الصراعات الدولية ودور الامة :امة في التصدي لمن يرد الهيمنة على مقدراتها ومصيرها وبلادها والاهم اليوم مع اعلان جورج بوش ان الحرب هي حرب الافكار ايضا فلنسال انفسنا : اين هي المصلحة بالتشكيلات المذهبية والبرامج المذهبية عندما تكون الامة كلها مستهدفة؟؟
امام هذه الوقائع ومع تطور الاحداث تماما كما كنا نتوقعه ونحذر منه لا نستطيع الا أن نوجه التحية للجهاديتين مرة أخرى لكل ما قاموا به ويقومون به كل من موقعه للدفاع عن مصالح الامة, لعل وعسى أن الجهاديتان تصبحان يوما ما جهادية واحدة. يبقى السؤال الاهم :أأمرتم بالفرقة فأطعتموه, أم بالوحدة فعصيتموه؟؟
* منسق شبكة الامان للدراسات الاستراتيجية.