فوزي الأسمر *
اختلفت الولايات المتحدة هذه الأيام بالذكرى الخامسة لأحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر عام 2001. وبدلاً من ان تقوم الادارة الاميركية وخصوصاً رئيسها جورج بوش، برؤية أكثر واقعية لما حدث في ذلك اليوم الرهيب، وتضيّق فجوة الصراع لينحصر ضد مجموعة محددة، نراه يوسع الموضوع، ويطلق عليه اسم «حرب إيديولوجية في القرن الواحد والعشرين».
ويذهب جورج بوش الى أبعد من ذلك عندما يعطي هذا الصراع بعداً دينياً، ومن دون تفكير عميق يتهم الاسلام بالفاشية، ويبلور فهمه لهذا الموضوع عندما يحدد في كلمته الاسبوعية الى الأمة (2/9/2006) هذا الصراع بأنه: «بين جانب يؤمن بالحرية والتمدن وبحق جميع الشعوب في التعبير عن رأيها وحرية العبادة والعيش بحرية والجانب الآخر الذي يقوده المتطرفون الذين يتطلعون الى حكم استبدادي وفرض آراء أقلية متعصبة على الجميع».
وليس غريباً ان نسمع مثل هذا الكلام من شخص حاول ولا يزال يحاول ان يفرض نفسه وآراءه مع بقية أعضاء إداراته، على مجريات الأمور العالمية، فلو اقتبسنا ما قاله نائبه ديك تشيني عام 1996 لتأكدنا ان ما قاله بوش ينطبق عليه وعلى ادارته حتى قبل استلام دفة الحكم.
وقال تشيني: «... اننا نعرف ما هو أفضل شيء للآخرين، وسوف نستعمل العصا الاقتصادية لكي نجبر الجميع على أن يعيشوا بالطريقة التي نريدها نحن». قال تشيني هذا الكلام عندما كان رئيساً لشركة «هلبرطون»، وهو كلام سمعناه من الرئيس بوش وأعضاء في إدارته منذ وصوله الى البيت الأبيض.
ففشل جورج بوش وادارته في العراق وتبنيه لما يسميه الحرب على الارهاب من دون تحديد هذا المفهوم متعمداً لكي يشمل أوسع شريحة من المقاومة في الشرق الأوسط، لم يؤدِّ الى هبوط كبير في شعبيته فحسب، بل في شعبية الحزب الجمهوري الذي يواجه الآن امكانية فقدانه السيطرة على الكونغرس الاميركي في انتخابات شهر تشرين الثاني المقبل، حسب ما تشير إليه استطلاعات الرأي العام الاميركي.
ولكن الخطر الأكبر يكمن في السياسة الهوجاء التي يتبعها جورج بوش، بعد ان برهنت الغطرسة الاميركية التي يتبناها، أنه وإدارته لا يؤمنون بالأمم المتحدة أو حتى بالقانون الدولي. بل يمكن القول وخصوصاً بعد الحرب الاخيرة في لبنان، ان الولايات المتحدة بمواقفها المتطرفة أفرغت الامم المتحدة من مضمونها الانساني الذي قامت من أجله بعد ان منعت مجلس الامن من اتخاذ قرار لوقف اطلاق النار بين لبنان واسرائيل لمدة تزيد على الشهر لاعطاء فرصة للأخيرة بالانتصار. وسمحت بذلك بإهدار دم أكثر من ألف مدني جلّهم من الاطفال والنساء والشيوخ، وتشريد اكثر من مليون انسان وهدم الآلاف من المباني والمنازل.
ومحاولة بوش خلق ايديولوجيا لما يسميه «الإسلام الفاشي» تصب في التفكير الايديولوجي لـ«المحافظين الجدد» الذين يسيطرون على الحكم في اميركا ويرون بنظرتهم العنصرية تفوقاً حضارياً ودينياً لهم، وبالتالي يحكمون بإعدام بقية الحضارات، من طريق حصارها ومنعها من التقدم.
فالذي تقبله ادارة بوش لنفسها تحاول منعه عن الآخرين لأسباب مختلفة تُضاف الى إيمانها بنظرية التعالي الديني واعتبار الحرب التي تقودها على ما تسميه «الارهاب» حرباً صليبية، وبوش يحاول الآن من خلال سلسلة الخطب التي يلقيها في الولايات المتحدة الاميركية المختلفة من أجل اعادة بناء الثقة بالحزب الجمهوري، الاشارة الى هذه الحرب بوضع كل القوى المقاومة والارهابية في سلة واحدة، ومثل هذا الحصار يظهر جلياً في خطب بوش.
فقد قال جورج بوش في خطاب له في يوم العمال الاميركي (4/9/2006) ألقاه في «بني بوينت» بولاية ماريلاند «حسب تقديري فإنه يتحتم على هذه البلاد ان تستمر في توسيع قوتها النووية إذا ما أردنا أن نقلل من اعتمادنا على مصادر الطاقة الأجنبية، إن القوة النووية لا خطر فيها والقوة النووية نظيفة ويمكن تجديدها، فهل يعني بوش بكلامه هذا ان نظرته تنطبق على دول أخرى؟ لا أعتقد بذلك.
والذي زاد الطين بلة هو الانتصار الكبير الذي حققه «حزب الله» في حربه ضد اسرائيل، هذا الانتصار أدى الى اقتناع الكثيرين في الولايات المتحدة بأن الحرب في العراق ليست حرباً ضد ما يسميه بوش «الارهاب».
فقد فشلت ادارة بوش وحكومة ايهود اولمرت في الربط بين الامين العام لحزب الله حسن نصر الله وزعيم القاعدة أسامة بن لادن، وظهرت المقاومة اللبنانية نقية ترمي الى الوصول إلى أهداف سامية، وتبين أن الاسلام الحقيقي غير مرتبط بما تريد ادارة بوش/تشيني ربطه به، أي الارهاب.
هذا الفصل أدى الى انهيار أسهم الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة وانهيار الفلسفة البوشية في الربط بين الحرب في العراق والحرب على الارهاب، وأظهرت استطلاعات الرأي العام الاميركية ان أغلبية الشعب الاميركي لا ترى ان الحرب في العراق هي حرب على الارهاب، ولهذا سارع بوش وزمرته في محاولات مستميتة لإيجاد مثل هذا الربط ولم يحالفهم الحظ.
وقد ظهر هذا التخبط المتعمد في كثير من خطب بوش الأخيرة. فمثلاً قال بوش في خطابه امام «المقاتلين» القدامى في مدينة «سالت ليك» بولاية «يوته» الاميركية ان أعداء الحرية يأتون من أجزاء مختلفة من العالم ويحصلون على أفكارهم الموحدة من مصادر مختلفة، بعضهم من مصادر سنية متطرفة انضموا الى منظمات ارهابية على غرار منظمة القاعدة، وبعضهم يتبعون الفكر الشيعي المتطرف على غرار حزب الله الذي يحصل على توجيهات من دول ترعى الارهاب مثل سوريا وايران، وهناك البعض الآخر الذي لا يزال ينشأ على فكر ارهابي محلي متطرف يعيش بهدوء في مجتمعات حرة ويحلم بهدمها، وعلى الرغم من الــفروق بــينهم فــــإنهم ينتمون الى الحركة نفسها التي تمثل شبكة عالمية متطرفة وتستعمل الارهاب لقتل هؤلاء الذين يقفون في طريق إيديولوجيتها الديكتاتورية (بوش في خطابه يوم 31/8/2006).
هذا النوع من البلبلة هدفه تخويف الشعب الاميركي وتبرير ما تقوم به إدارته ومحاولة إقناع هذا الشعب بأن التضحيات التي يقدمها لا تذهب هباءً، ولكي يؤكد ذلك قال بوش في خطابه الاسبوعي «اننا نحارب (الارهاب) وراء البحار كي لا نضطر ان نحاربه هنا في عقر بيتنا... وقد جعلنا موقفنا واضحاً من ان كل دولة ترعى الارهاب مجرمة مثل الارهاب نفسه ونقول لها انك عدوة الولايات المتحدة، وانها ستتحمل تبعية ذلك» (خطابه يوم 3/9/2006).
هذا الافلاس لإدارة بوش هو افلاس مخيف، فهي تضم الكثير من الاشخاص المتطرفين وغير المسؤولين وقد يدفعهم غباؤهم إلى اتخاذ قرارات غير مسؤولة تكون لها مضاعفات انسانية جسيمة.
*باحث لبناني