ماجد عزام *
عندما أُعلن إيقاف أو تعليق المحادثات والمفاوضات المتعلقة بتأليف حكومة وحدة وطنية في فلسطين لم تمتلك الأطراف أو الشخصيات على الساحة السياسية الشجاعة الكافية لتسمية الأشياء والأمور باسمها وتحديداً الأسباب والحيثيات التي أدت إلى هذا الإيقاف أو التعليق الذي اعتبرته الجوقة المحيطة بالرئيس محمود عباس تجميداً يعود بحسب نبيل عمرو إلى صعوبات جدية تنذر بإنهاء المحاولة وعدم إنجاز هذا المشروع الوطني المهم مع إيحاءات واتهامات غير مباشرة لحماس بالمسؤولية عما آلت إليه الأمور. ياسر عبد ربه كان أكثر صراحة إذ حمّل قادة حماس المسؤولية عن توقف عملية تأليف الحكومة المنتظرة حيث إن تصريحاتهم أفقدت الرئيس عباس صدقيته على الصعيدين العربي والدولي.
مقاربة أخرى تجدها عند رئيس الوزراء إسماعيل هنية الذي اعتبر أن الأمر لا يعدو تأجيلاً تقنياً بسبب مشاركة الرئيس عباس في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وهي المقاربة نفسها التي اتبعها المتحدث باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة الذي اعتبر ما تردد عن تجميد تأليف الحكومة غير صحيح ولا أساس له في الواقع، في تناقض صارخ مع تصريحات لمصادر في حركة فتح اعتبرت ان فكرة تأليف حكومة وحدة وطنية دخلت غرفة العناية الفائقة وربما وصلت إلى حد الموت السريري. لم يقل لنا أحد إذن السبب الحقيقي والجوهري وراء محاولات تأليف حكومة الوحدة الوطنية حتى طالعتنا صحيفة يديعوت أحرونوت (الاثنين 18/9/2006) بالسبب الحقيقي وراء التجميد أو التأجيل أو حتى الموت السريري، المتمثل بالموقف الأميركي الذي أبلغه القنصل الأميركي في القدس جاك والاس إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والرافض لمغامرة حكومة الوحدة الوطنية والمهدد لعباس بمعاملته مثل إسماعيل هنية إذا جرؤ على تأليف حكومة وحدة وطنية من دون توفير البضاعة المطلوبة أميركياً المتمثلة في قبول حماس شروط إسرائيل المغلفة أميركياً ودولياً والتي تتضمن الاعتراف بإسرئيل والاتفاقات التي وقعت معها ــ نبذ العنف أي إيقاف المقاومة.
يديعوت أحرونوت لم تخف أن إسرائيل هي التي وقفت وراء هذا الموقف الأميركي الذي صاغته وزيرة الخارجية الإسرائيلية «تسيبي ليفني» قبل أن يعاد إنتاجه وتصديره إلى رئيس السلطة بصفته مطلباً وشرطاً أميركياً حازماً للتعاطي مع أي حكومة فلسطينية مقبلة.
بدلاً من الإعلان الصريح بجوهر الموقف الأميركي غير الأخلاقي وغير الواقعي في التعاطي مع حكومة الوحدة الوطنية، بدأ تبادل الاتهامات بين حماس وفتح وزادت أجواء التشنج والاحتقانات بين الطرفين ووصلت إلى حد الاشتباكات والصراعات الميدانية كما حدث أمام المجلس التشريعي في غزة ظهر الاثنين الماضي، وللأسف الشديد أن رئاسة السلطة الفلسطينية فوّتت مرة أخرى فرصة مواجهة تحدي الشروط والمواقف الأميركية الظالمة والمنحازة، فكان لا بد من مواجهة الإدارة الأميركية ومندوبها السامي في القدس المحتلة بأن حكومة الوحدة الوطنية هي المخرج الوحيد من المأزق الفلسطيني الداخلي ومن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تزداد تدهوراً أو تأزماً يوماً بعد يوم، وكان يجب مواجهة الإدارة الأميركية بأن البرنامج السياسي الذي اتفق عليه أساساً لحكومة الوحدة الوطنية والمتمثل بوثيقة الوفاق الوطني، هو الحد الأدنى الذي يمكن التوافق عليه فلسطينياً ونتيجة حقيقية وواقعية للتوازنات السياسية الحزبية والتنظيمية كما أفرزتها الانتخابات التشريعية الأخيرة التي كانت جد نزيهة وشفافة، وبأن احترام العملية الانتخابية والديموقراطية ببعدها وجذرها المبدئي والأخلاقي يعني حتماً احترام الواقع الذي أفرزته تلك الانتخابات بكل تجلياته السياسية والحزبية والاقتصادية والاجتماعية.
وكان يجب مواجهة الإدارة الأميركية ومندوبها السامي بأن ثمة إجماعاً دولياً عربياً وأوروبياً وآسيوياً على التعامل مع حكومة الوحدة الوطنية لتصحيح الأخطاء والسياسات غير الأخلاقية والحصار التجويعي للشعب الفلسطيني وعقابه على ممارسته حقه الانتخابي والديموقراطي الطبيعي.
وكان يجب مواجهة الإدارة الأميركية بأن السلطة الفلسطينية ورئاستها يفضّلون الوفاق الوطني الفلسطيني ــ الفلسطيني الداخلي على الوفاق الخارجي مع الولايات المتحدة وإسرائيل وخاصة في ظل هيمنة هذه الأخيرة ونفوذها الكبير على السياسات والخطط الدولية تجاه المنطقة وتجاه الصراع العربي ــ الإسرائيلي.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجب إدارة الخلاف مع الولايات المتحدة بصورة صحيحة وسليمة وبما يتلاءم مع التطورات الأخيرة في المنطقة، فالولايات المتحدة تمارس في الحقيقة حرب أعصاب على رئاسة السلطة الفلسطينية عبر التهديد بمعاملتها مثلما عوملت الحكومة ورئيسها إسماعيل هنية لأن جورج بوش أعطى من وقته الأسبوع الماضي ــ وعلى غير العادة ــ 45 دقيقة لوزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني طالباً منها دعم تقوية الرئيس محمود عباس الذي يمثل في ظل نتائج حرب لبنان الأخيرة وعجز جيش الاحتلال عن تحقيق الانتصار على حزب الله ركيزةً سياسيةً للولايات المتحدة التي لا تريد انهيار السلطة الفلسطينية ولا تود رحيل محمود عباس أو استقالته لأن أياً منهما يؤثر في حال حدوثه على فشل وانهيار السياسات الأميركية في المنطقة وخاصة في ظل التعثر والفشل في العراق وأفغانستان ولبنان. وكان بإمكان ــ وما زال بإمكانه ــ الرئيس محمود عباس التهديد بالاستقالة لأنه يفضل الوفاق مع اسماعيل هنية على الوفاق مع جورج بوش وخاصة أن حكومة الوحدة الوطنية تعد بمثابة الخيار والفرصة الأخيرين وإلا فإن الأمور آيلة إلى انفجار هائل وحرب أهلية فلسطينية قد تؤدي إلى حل أو انهيار السلطة الفلسطينية التي ما زالت حتى الآن ضرورة للاستقرار الإقليمي من وجهة النظر الاقليمية، وحتى الإسرائيلية والأميركية.
هناك سبب آخر للإصرار على حكومة الوحدة الوطنية حيث إن لا سبب يوجب التضحية بالوفاق الفلسطيني الداخلي في ظل سراب ووهم التسوية أو المفاوضات مع إسرائيل، فالواقع الإسرائيلي بتجلياته المختلفة بعد حرب لبنان الثانية حيث القيادة ضعيفة ومنهكة وعرجاء ومنشغلة بترتيب البيت الداخلي على المستويات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، ومن البديهي أن قيادة كهذه مشكوكاً في كفاءتها وحتى شرعيتها لن تستطيع ولا تملك القوة الأدبية والمعنوية والسياسية لتقديم تنازل جدي للفلسطينيين وصولاً إلى توقيع اتفاق نهائي معهم.
لا يجب تقديم الوفاق الداخلي والوحدة الوطنية الفلسطينية قرباناً على مذبح السياسات والمصالح الأميركية في المنطقة وحتماً لا يجب تقديمها قرباناً لإخراج القيادة الإسرائيلية من أزمتها ومأزقها وخاصة أن ثمة اهتمامات أميركية وإسرائيلية متطابقة في الفترة الأخيرة لا تعطي أولوية وأهمية قصوى لحل الصراع في فلسطين ولا تسعى إلى التهدئة لإبقائه تحت السيطرة بحيث لا ينعكس سلباً على الإدارة الأميركية ــ الإسرائيلية للصراعات والملفات الأخرى في المنطقة.
كلمة أخيرة، ما دمنا نتحدث عن ضرورة الوحدة الوطنية الفلسطينية وقدسيتها، يجب توجيهها إلى حركة حماس وقادتها ومطالبتهم بالإقلال قدر الإمكان من التصريحات والاعتماد والإصرار على وثيقة الوفاق الوطني وغموضها البنّاء مع عدم التضارب والتناقض في التصريحات والمواقف، فلا يجب أن يتحدث أحمد يوسف بالإنكليزية بشكل يتعارض مع ما يقوله غازي حمد بالعبرية، علماً أن إسماعيل هنية يقول بالعربية ما ينسف ويدحض كل ما يقولانه يوسف وحمد سواء بالإنكليزية أو بالعبرية.
* مدير مركز شرق المتوسط للصحافة والإعلام