وليد شرارة
روي على لسان جورج غالاوي النائب البريطاني وآخرين ممن التقوا رئيس الوزراء فؤاد السنيورة انه غضب عند سماعه عبارة انتصار المقاومة والشعب اللبناني على العدوان العسكري الاسرائيلي.
فقد كان جوابه الحاضر دائماً: عن أي انتصار تتحدثون؟ انظروا ما حدث من دمار وخراب وضحايا. فهل، مع كل هذا الدمار الذي حل بلبنان، يمكن ان نتحدث عن انتصار؟
هذا الربط بين الدمار والانتصار، بهدف إلغاء الانتصار بسبب ضخامة الدمار، لم يسبق إليه أحد من قبل في الغرب ولا في الشرق. فما من شعب تعرض لعدوان عسكري خارجي من قبل قوة متفوقة، أو احتلال، أو استعمار، وهبّ للمقاومة دفاعاً عن وطنه وأرضه وحريته وسيادته إلا لحق به من الدمار والكوارث والتضحيات الكثير الكثير، ولا حاجة الى المقارنة بين دمار ودمار لأن المهم جوهر الموقف والنظرية هنا.
يبدو ان الآخذين بهذا الرأي لم يقرأوا، أو نسوا ما قد قرأوا، عن الدمار الذي حل بالشعب الاميركي، وهو يقاوم القوات البريطانية. فقد وصل الأمر الى إحراق مدينة واشنطن بالكامل. وقد حدث من الدمار في الحرب الاهلية التي وحّدت الولايات المتحدة الاميركية أكثر من ذلك ولا سيما من حيث الضحايا البشرية. لكن مع ذلك لم يخطر ببال أحد من الاميركيين وغير الاميركيين أن ينكر الانتصار، أو لا يحتفل به سنوياً حتى يومنا هذا بسبب ما حدث من دمار وخسائر وضحايا.
الأمر نفسه يمكن قوله بالنسبة الى كل الحالات التي انتصر فيها شعب من الشعوب على عدوان واحتلال على الرغم مما تسبب من دمار. ويكفي ان نذكر ما حدث من دمار لبريطانيا وفرنسا والكثير من الدول الاوروبية في مواجهة الاجتياح النازي. ومع ذلك من طعن في الانتصار بسبب ما حدث من دمار؟
ولعل المثل الأبرز في الحرب العالمية الثانية نجده في الاتحاد السوفياتي الذي خسر 25 مليوناً من مواطنيه عدا الجرحى وإصابات الإعاقة الدائمة، يضاف إلى ذلك ما دمر من مدن عن بكرة أبيها مثل مدينة سفاستيبول وأقل منها قليلاً ستالينغراد ولينينغراد في حينه.
وعليه قس انتصار الجزائر وفيتنام والصين وأندونيسيا.
وباختصار ليس هناك من موضوعة أشد هزالاً من الموضوعة التي تنكر انتصاراً أقر به العدو، بإجماع قياداته السياسية والعسكرية، بسبب ما أحدثه من دمار وألحقه من خسائر في الارواح والاموال. بل ليس هنالك ما هو أكثر منها تجاهلاً للتاريخ، ولمسألة عليها إجماع عالمي ولا يشذ عن ذلك إلا البعض عندنا في لبنان.
هؤلاء باتوا اليوم يسعون، على خلفية السجال الداخلي الدائر في لبنان، الى تبرئة اسرائيل من مسؤوليتها عن الدمار والخسائر البشرية والمادية وتحميل هذه المسؤولية للمقاومة. لقد تمنوا أن ينجح العدوان في الإجهاز
على المقاومة، وعندما فشل في ذلك اضطروا وحلفائهم الإقليميين والدوليين الى تعديل استراتيجيتهم. تفترض هذه الأخيرة فرض حصار لوجستي واقتصادي ومالي وسياسي ــ إعلامي على المقاومة بغية دفعها للتخلي عن سلاحها. إنكار الانتصار كان مقدمة الحملة السياسية ــ الإعلامية التي أطلقوها والتي تتصاعد حدتها مع مرور الأيام. ها هم يعملون اليوم على إذكاء النعرات الطائفية ويجرؤ بعضهم على المقارنة بين أكثر فصول الحرب الأهلية قتامة، أيام معارك خطوط التماس في بيروت، والصمود الأسطوري في مارون الراس وبنت جبيل وعيتا الشعب في مواجهة العدوان الاسرائيلي. هذه المقارنة تعيد تذكير اللبنانيين بحقيقة من يجريها باعتباره مجرد قوة حرب أهلية سبق أن قادت هي وأمثالها لبنان الى الدمار.