محمـد عبيـد*
سأبدأ بفقرة أسقطتها من مقالة سابقة لي بناءً على تمنّي صديق عزيز، وكان فيها: «إن مشكلة القلة في الطائفة الشيعية وخارجها وفي لبنان وخارجه أنهم اعتقدوا من تلقاء أنفسهم ولفترة وجيزة بأن سماحة السيد حسن نصر الله هو واحد منهم، من طينتهم، يرغب في ما يرغبون من وجاهة ومناصب وأزلام، يسعى لأن يلعب لعبتهم الطائفية البغيضة، يريد حصته المساوية لحصصهم، يتمسك بمذهبية تبرر مذهبيتهم، يغريه ما يغريهم من مديح للزعماء والحكام. واعتقدوا بأن قادة المقاومة مثل ندمائهم يؤمرون في غير طاعة الله فيطيعون، ورجالها مثل أزلامهم يؤخذون الى حروب صغيرة تؤسس للتناحر والتباعد بين أبناء الوطن الواحد أو الأمة الواحدة خدمة لعدو غاصب أو مستعمر طامع».
يــــــبدو اليوم أن الأكــــــثـــــرية فــــي السلطة ما زالت تتــــــمسك بـــهــــذا الاعـــــتــــقــــاد الــــواهم الذي تأتّى من المـــــرونة الــــتــــي أبـــداها سماحة الســــيد ومعه حزب الله غداة اغــــــتـــــيال المرحوم الرئـــــيس رفــــــيـــــق الحريري بهدف تفويت الفرصة على ما يسمى «المجتمع الدولي» أو الإدارة الأميركية ـ لافرق ـ ومنعهم من ضم لبنان الى مجموعة دول «الفوضى الخلاقة» الى جانب العراق وأفغانستان وغيرهما.. فاستعاضت الادارة الأميركية عن هذا التوجه بدفع اسرائيل، الجاهزة والمجهزة دائماً، الى شن حرب على لبنان تجهز من خلالها على قادة المقاومة وعلى قدراتها العسكرية والأمنية وتمهد الطريق أمام هذه الأكثرية لدفن المقاومة. تكون عندها قد حققت هذه الادارة بداية مشجعة لمشروع «الشرق الأوسط الجديد» وتكون الأكثرية، التي أعلنت بلسانها أنها تتحالف مع الولايات المتحدة الأميركية لأجل مصلحة لبنان، سبّاقة على المستويين العربي والشرق أوسطي في تكريس هذا المشروع على أرض الواقع.
مغامرة مكلفة جداً للبنان بشرياً وعمرانياً واقتصادياً وسياسياً قاده إليها سياسيون وجدوا أنفسهم فجأة في موقع القرار فحاولوا أن يجعلوا الوطن على صورتهم وارتأوا أن يجروه الى أحلافهم المجتمعة أحياناً والمتناقضة أحياناً أخرى والمتنقلة بين الأميركي والفرنسي والعربي «السلمي».
إن المراجعة التي ينتظرها أهل المقاومة منها لا بد من أن تكون جذرية وصريحة تجاه الذات وتجاه الآخرين. فالتضحيات الجسام التي قدمها مجاهدو المقاومة الأخيار وأهلها الأنصار لا بد من أن تعالج كمنعطف تاريخي واستراتيجي في حياة الطائفة الشيعية المستهدفة أصلاً في هذه الحر، يقود الى تحديد تفسير هذه الطائفة لاتفاق الطائف وملحقاته ولمشروع الدولة الحقيقي من خلاله، ويقود الى توثيق قراءات هذه القيادة السياسية لمرحلة ما بعد إقرار الطائف وموانع تطبيقه، إضافة الى إبراز المواقف من التطورات السياسية في لبنان منذ إصدار القرار الدولي الرقم 1559 الى القرار الرقم 1701، وأن تستثمر بالتالي كمنطلق لتأسيس شراكة داخلية حقيقية قائمة على الأخوة في المواطنة وعلى إنجاز قراءة موحدة لمفهوم المصالح الوطنية مع ما يستوجبه ذلك من تسمية واضحة للشقيق والصديق والمحايد والعدو.
والمراجعة تستوجب تحرير المقاومة من حلف ثلاثي متجذر وعميق الترابط، وهي كانت الأساس في إعادة إنتاجه عبر تشكيل رافعة شعبية له مكّنته من الإمساك بأكثرية السلطة واستعمالها لمحاصرة المقاومة مباشرة أو مواربة. وتفرض تحرير حلفائها الفعليين من القوى والشخصيات الوطنية المقاومة والحاضنة للمقاومة من الضغوط التي مارستها عليها «ودياً» لدرء المواجهة بينها وبين الأكثرية أو الحلف.
والمراجعة تتطلب قراءة منفتحة للواقع الشيعي تجعل المقاومة وأطرها السياسية المساهم الأول والأكبر في إسقاط فكرة الاستحواذ على إمكانيات وقدرات هذه الطائفة وتقزيمها بما يخدم حالات إقطاعية سياسية ودينية متجددة.. أيمكن أن تعير جمجمتك لله في الحرب وأن تعيرها لغيره في السياسة!
والمراجعة لا بد من أن تتجه الى فرض مشاركة المقاومة في صياغة جديدة للاقتصاد اللبناني تسقط الحصرية في مناقشة الخيارات الاقتصادية وفي صياغة الحلول التي لم تؤد حتى الآن إلا الى المزيد من تراكم الدين العام ومن رهـــن مستقــبل اللبنانيين للبنك الدولي ومن خلفه.
والمـــــراجعة تقـــــتــــضي موقـــــفـــــاً واضحاً وعاجلاً مما يجري على صـــــعــــــيــــد نـــــوعـــــيـــــة الــــــقوات الدولية المستـــــقــــــدمة الى لبنان ومواقع انـــــتـــــشارها وحدود مــــهمـــــاتها التي بدأ يـــــــتضح تجــــاوزها للنـــصوص الــــواردة فـــي مــــتن الـــــــقرار 1701 مـــــــمــــــا يجــــــعـــــل من الســـــلطة اللبــــــنانيــــــة شــــيئاً فشــــــيـــــئاً «سلطة حــــــكــــــم ذاتي» قـــــامــــت بتلــــزيم أمــــــنـــها الوطني وسيــــــادتها وربــــــــما حرية قرارها لاحقاً لــــقـــــــوى خارجية.
كان في إمكان قوى الأكثرية في السلطة الاعتراف للمقاومة بالنصر والانتظار قليلاً لمتابعة تداعيات هذا النصر على الداخل الاسرائيلي حيث بدأنا نشهد فصولها الأولى، وكان في إمكانها التفرغ لاستكمال معاركها الديبلوماسية التي تدّعيها ضد اسرائيل بدل المقاومة، عبر السعي من خلال تحالفاتها العربية والدولية الى تحديد مصير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والخط الأزرق لتكمل انتصار المقاومة فتحاصرها بذلك، والأهم كان في إمكانها ألا تطلق على الطائفة الشيـــــعـــــيــــة ألقــــاباً كالفئة والأداة… كان في إمكان قوى الأكثرية في السلطة ألا تفوّت على نفسها فرصة المشاركة في صناعة النصر الذي لم ولن يهدى إليها.
*سياسي وإعلامي لبناني