بولس خلف
تبرّع الدكتور سمير جعجع بالرد على خطاب السيد حسن نصر الله محاولاً تفنيد أهم ما جاء فيه من مواقف، طارحاً بالمقابل الأفكار التي يؤمن بها. ولكن يصعب للمستمع وللقارئ أن يجد في كلام قائد القوات اللبنانية برنامجاً سياسياً متكاملاً ورؤية واضحة عن مفهومه للدولة ودور المسيحيين فيها.
لقد اكتفى الدكتور جعجع بترداد مواقف المجموعة الحاكمة في لبنان، مضيفاً إليها بعض الشعارات التعبوية المستوحاة من تراثه السياسي والنفسي الذي لم نجد فيه قيمة مضافة رغم كل ما قيل عن الرجل إنه أمضى سنوات سجنه يقرأ كتب الفلسفة والتاريخ والسوسيولوجيا ومذكّرات كبار العالم.
لتبرير خصومته للمقاومة، التي باتت تلامس حدّ العداء، يحمّل حزب الله مسؤولية أساسية عن الحقبة الماضية، متناسياً أن أهم ركني الوصاية السورية البائدة هما حليفاه: تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي. وأن حزب الله لم يشترك في أي حكومة، وقبِل بتمثيل نيابي أقل مما يتيحه له ثقله الشعبي ولم يطالب بأي حصة في إدارة الدولة خلال الخمس عشرة سنة الماضية، مكرساً كل طاقاته لمعركته الأساسية ضد إسرائيل. ولم يشرح الدكتور جعجع لجمهوره سبب غفرانه لحليفيه الجديدين اللذين ساهما في إطالة مدة سجنه، ولا سيما للنائب وليد جنبلاط الذي خطف خلال فترة الوصاية، ولا يزال، التمثيل المسيحي في جبل لبنان الجنوبي، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي مسؤول بشكل مباشر عن تهميش المسيحيين وعن «الإحباط» الذي أصابهم عدا عن أنه لم يستكمل عودة المهجرين. ولكن الدكتور سمير جعجع لم «يجد شيئاً» ليقوله عن هذه المسائل وكأن ثقباً أسود في ذاكرته ابتلع كل هذه الأحداث المريرة.
وفي معرض تذكيره بأبوّته للمقاومة، يسترجع الدكتور جعجع المعارك التي خاضتها القوات اللبنانية، ولا سيما في عين الرمانة وهي حيّ مسيحي يقع مقابل منطقة الشياح الشيعية، ويتناسى أن أشد حروبه ضراوة وألماً خاضها في الشوف وعاليه ضد حليفه الجديد وليد جنبلاط.
وفي إطار التشكيك الدائم بلبنانية حزب الله ووطنيته، يأخذ الدكتور جعجع على المقاومة اعتزازها بعلاقاتها مع إيران ولكنه لا يجد حرجاً بإقامة تحالف وثيق مع السيد سعد الحريري الذي يفتخر بعلاقاته السياسية والمالية والعاطفية مع المملكة العربية السعودية، ولا مع وليد جنبلاط الذي ما يزال يحتفظ حتى يومنا هذا بعباءة الرئيس الراحل حافظ الأسد، كشعرة معاوية قد يحتاجها يوماً ما إذا ما قرر تغيير موقفه مجدداً.
ويقول قائد القوات اللبنانية إن حل مسألة سلاح المقاومة هو شرط مسبق لإقامة الدولة، ويضيف لاحقاً أنه من الصعب إقامة الدولة في ظل وجود دويلة حزب الله.
نفهم من ذلك أن قدمي الدكتور جعجع لم تطآ يوماً أرض الجنوب ليرى بأم العين أن لا شيء هناك اسمه دويلة حزب الله، وأن الذهاب الى الجنوب والتنقل في مدنه وقراه أسهل بما لا يقاس من الدخول الى الشوف حيث العيون والآذان تراقب كل شيء، والسيارات المريبة تعترض طريق الزائرين.
إن خطاب الدكتور جعجع يهدف الى ترويج ثقافة الخوف التي سمحت للقوات اللبنانية بفرض وصايتها على المسيحيين عبر تخويفهم من الآخر وصولاً الى طرح شعار أمن المجتمع المسيحي فوق كل اعتبار الذي يستولد فكراً شمولياً لا يسمح بوجود أي انتقاد.
المطلوب اليوم أن يخاف المسيحي من حزب الله «الشيعي» ومن صواريخه وامتداداته الخارجية، لأنه فقط من خلال الخوف تستطيع القوات اللبنانية أن تبسط نفوذها على المسيحيين، ولكن زمن الخوف ولّى الى غير رجعة.