سالي حداد *
رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي أصبح معتاداً على البكاء والشكوى في اللقاءات الرسمية، ناشد اللبنانيين الالتفاف حول دولتهم، وطالبهم بأن يكون لديهم ملء الثقة بها. والحال، فإن هذه المناشدة تعد جزءاً من «النصائح» الخارجية التي تنهمر على اللبنانيين منذ مدة، وتدعوهم إلى الاعتماد على الدولة دون سواها، بدلاً من الانجرار في مغامرات سوف تؤدي إلى إضعاف السلطة المركزية.
لكن الاهتمام المفاجئ الذي تبديه المجموعة الدولية بمصير الدولة اللبنانية، لم يصل إلى حد قبول هذه المجموعة بتجهيز الجيش وتسليحه، من دون إخضاعه للرقابة الدولية. ولذلك، تبدو المناشدات المحلية أو الخارجية للالتفاف حول الدولة، وكأنها تنطلق من افتراض ضمني بأن المواطنين اللبنانيين معادون، أصلاً، لدولتهم. وهذا الافتراض يقودنا إلى طرح سؤال كبير عن ماهية الدولة التي يتكلمون عليها؟
كيف نشرح عدم وثوق غالبية اللبنانيين بالدولة، وكيف نفسر مسارعتهم إلى الاحتماء بطوائفهم، واللجوء إلى زعمائهم السياسيين الطائفيين، من أجل الحصول على أبسط حقوقهم؟ إن المدافعين الآن، بحرص، عن دور الدولة ومكانتها في الحياة العامة، لم يفعلوا شيئاً من أجل قيام دولة محترمة، يركن لها. أين هو هذا المواطن الذي يستطيع التوجه صوب السلطات المختصة وإنجاز معاملة رسمية بشكل عادي، من دون أن يجبر على اللجوء إلى خدمات وسيط طائفي أو سمسار إداري؟ من هو المواطن الذي يتوجه بصورة تلقائية إلى مراكز قوى الأمن والشرطة، حينما يتعرض لعدوان أو سرقة، لأنه موقن بأن العدالة ستأخذ مجراها؟
أين هو المواطن المقتنع بأن الدولة تضمن حقوقه وتحميها من دون أي تمييز طائفي أو سياسي أو جهوي؟
طوال السنوات الماضية، وتحديداً بعد التوقيع على اتفاق الطائف وتعديل الدستور عام 1989، تعرض مفهوم بل مبدأ الدولة للانتهاك الصارخ من جانب فريق السلطة الذي تسلّم الحكم حينذاك. وقد اعتمد هذا الفريق، الذي كان رئيس الحكومة الراهن فؤاد السنيورة أحد أركانه البارزين، سياسة المحاصصة الطائفية في إدارة الدولة وتسيير الشؤون العامة. طبعاً، الأمثلة أكثر من أن تحصى، واللبنانيون ما زالوا يذكرون تلك السياسة، على الرغم من أن البعض يحاول سلبهم ذاكرتهم ودفعهم إلى النسيان. اليوم يُحضّ اللبنانيون على الالتفاف حول الدولة والارتباط بها. ولكن هل لدينا دولة بالفعل؟ إلا إذا كان المقصود هو انضمام المواطنين إلى الإمبراطورية التي أنشأتها قوى 14 آذار، بما يسمح لهذه القوى بالاستمرار في إدارة البلد مثلما تُدار المزرعة الخاصة أو الميراث العائلي!
من المؤسف، أن يكون اللبنانيون قد شهدوا بدقة، كيف قام حزب الله في الأسابيع الأخيرة بإدارة الأزمة. إذ باشر على وجه السرعة بإعادة بناء الأبنية المدمرة والمتضررة خلال العدوان، وصرف تعويضات عادلة تمكّن النازحين الذين دمرت منازلهم من استئجار مساكن بديلة، من دون أن يضطر أي مواطن نازح ومحتاج إلى الركوع أمام النافذين أو طلب وساطتهم.
مقابل هذه الفعالية والعمل الملموس الذي أظهرته «ميليشيا حزب الله» من أجل إعادة الإعمار، نلحظ من الجهة الأخرى، أي من جهة الدولة التي نُناشَد الالتفاف حولها، أنه لا يوجد سوى المماطلة، والتلاعب، والزبائنية، والكسب الشخصي.
إذاً، أي جهة ينبغي أن يختارها اللبنانيون؟
إن مطالبة العالم للبنانيين بالالتفاف حول الدولة، دونما اعتبار لأوضاعها الفعلية، لهي أشبه بدعوتهم إلى اختيار الفساد وتأييد التمييز والمحاباة. لكن اللبنانيين قادرون على تذوّق «نكهة» التجربة الجديدة التي بدأها حزب الله لإعادة الإعمار، وتحسس ما تتميز به من إدارة نزيهة، شفافة، وفعالة، على الرغم من أن هذه التجربة تحدث خارج الدولة.
* كاتبة لبنانية