وليد شرارة
الولايات المتحدة إمبراطورية عسكرية أولاً وأساساً. وهي استطاعت بفضل تفوقها العسكري النوعي على بقية دول العالم (هي تمتلك منظومة سلاح متقدمة بجيل على منظومات السلاح لدى بقية القوى الدولية) وسيطرتها على مصادر الطاقة، أن تفرض نفسها قوةً دوليةً مهيمنةً وأن تحافظ على هذا الموقع في مواجهة صعود أقطاب دولية أخرى. ولا تتردد واشنطن أحياناً في استغلال الأزمات الدولية لاستعراض قوتها وترويع خصومها وأعدائها وحتى حلفائها لتعزيز موقعها المشار إليه. هذا مغزى استخدامها للسلاح النووي ضد اليابان خلال الحرب العالمية الثانية على الرغم من أن الأخيرة كانت مستعدة للاستسلام بإجماع غالبية المؤرخين. قصف هيروشيما بالقنبلة النووية كان هدفه التأسيس لنظام عالمي تحت الهيمنة الأميركية. الحرب الأولى والثانية ضد العراق تشكلان استمرارية للنهج نفسه.
الإخفاقات المتتالية التي منيت بها السياسة الأميركية في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان لم تدفع، كما يعتقد البعض، أقطاب إدارة بوش الى القيام بعملية مراجعة وإعادة تقويم لهذه السياسة. من يقرأ تصريحات الرئيس الأميركي الأخيرة ومقابلات وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس يتأكد أن الادارة ماضية في النهج نفسه وأنها، في مواجهة تصاعد الانتقادات الداخلية والدولية بسبب نتائج سياستها وتداعياتها، تعمل وفقاً للمبدأ العسكري المعروف: «أفضل دفاع هو الهجوم». من الممكن اعتبار هذه السياسة نوعاً من الهروب الى الأمام ووصفها بالمغامرة والكارثية بالنسبة إلى المصالح الأميركية «الاستراتيجية» لكن المطلوب أولاً رؤيتها على حقيقتها وعدم إحلال الرغبات أو ما يفترض أنه «السياسة المنطقية والواقعية» مكان الحقائق والوقائع الصلبة.
الولايات المتحدة لا تتجه الى تسوية مع ايران حول ملفها النووي على الرغم من الإخفاقات المذكورة، بل هي، وبسبب هذه الاخفاقات، تسارع في إعداد العدة لضرب ايران. لقد كان أحد أهداف ما يسمى الحرب على الارهاب، بالاضافة إلى الأهداف الاستراتيجية والاقتصادية، الانتقام من الشعوب العربية والاسلامية على جرأة ثلة من أفرادها على تحدي «القوة الخارقة» الأميركية في الحادي عشر من أيلول 2001، وإعادة الاعتبار لهيبتها وسطوتها. تتضمن هذه الحرب بعداً «تربوياً»، إذا صح التعبير، غايته ترهيب كل من تسوّل له نفسه مجرد معارضة السياسة الأميركية مهما كانت درجة حدة هذه المعارضة، وكسر إرادة المقاومة والممانعة بين شعوب المنطقة. لم يتم اختيار «الصدمة والترويع» اسماً للعدوان الأميركي ــ البريطاني على العراق بمحض الصدفة. لقد كان مقدّراً لهذه الحرب التي استخدمت خلالها ترسانة أسلحة أميركية تقليدية وغير تقليدية بشكل مكثّف وعلى نطاق واسع، أن «تصدم» و «تروّع» شعوب المنطقة ودولها وتدفعهم فرادى وجماعات الى دخول بيت الطاعة الأميركي. واستمرت سياسة الصدم والترويع في العراق بعد الاحتلال، فأنهار الدم التي تسيل يومياً والفتن المتنقلة وفرق الموت المختلفة ومراكز التعذيب السرية والعلنية وأقبيتها والتدمير الذي لحق باقتصاد البلاد وبناها التحتية والإفقار الفادح لسكانها، جميعها عناصر مكوّنة لهذه السياسة الهادفة الى تطويع العراقيين أولاً والى ترهيب العرب والمسلمين ثانياً. نجحت في المزيد من تطويع بعض الأنظمة الحليفة أساساً للولايات المتحدة لكنها لم تفلح في تحطيم ارادة المقاومة لدى الشعوب ولا في إجبار الدول الممانعة على تغيير سياساتها. وقد أضحت ايران، من منظور واشنطن، قطباً إقليمياً يجمع حوله قوى المقاومة والممانعة وسيشكل نجاحه في امتلاك التكنولوجيا النووية تحولاً في موازين القوى الاستراتيجية ودليلاً على أن التمرد على السياسة الأميركية يؤتي ثماره في النهاية. لذلك، يرى بعض أقطاب المحافظين الجدد والادارة الراهنة أن توجيه ضربة قوية لإيران بات ضرورة للحفاظ على نظام السيطرة الأميركي على الإقليم برمته.