وليد شرارة
منذ بداية العدوان الاسرائيلي على لبنان، روجت الولايات المتحدة وإسرائيل لتحليل لخلفيات هذه المواجهة العسكرية، تبنته قوى سياسية بارزة ووسائل إعلام لبنانية وعربية عديدة. وبحسب هذا التحليل، الذي بات معروفاً جدّاً، فإن ايران وسوريا هما وراء عملية اختطاف الجنديين الاسرائيليين بهدف استدراج اسرائيل الى معركة كبرى في الجنوب اللبناني سرعان ما تتحول الى أزمة سياسية كبرى ذات أبعاد اقليمية ودولية. وكان من المفترض أن يدفع هذا التطور الخطير القوى الدولية، وخصوصاً قوى التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة، الى اعادة جدولة أولوياتها الحالية التي يحتلّ فيها الملفّ النووي الايراني موقع الصدارة، والتركيز على الوضع المستجدّ في لبنان. فالمواجهة الدائرة في هذا البلد تظهر مرة أخرى للتحالف الغربي قدرة ايران وسوريا «على الإيذاء» وتفرض عليه التخلي عن استراتيجية العزل والتطويق التي يعتمدها معهما والشروع في مفاوضات سياسية مع الدولتين.
كذّبت الوقائع والمعلومات هذا التحليل. فالدول الغربية ما زالت ترى أن الأولوية اليوم على المستوى الشرق أوسطي هي لمنع ايران من دخول النادي النووي. المواقف الصادرة عن المسؤولين الأوروبيين والأميركيين منذ بداية العدوان على لبنان تؤكد هذا الأمر. أما بالنسبة لهذا العدوان، فقد أمّنت هذه الدول دعماً سياسياً كاملاً له، على الرغم من التباين الشكلي بين مواقفها المعلنة، عبر تبنّي هدفه السياسي المركزي أي نزع سلاح المقاومة الاسلامية. ولم تؤدّ التطورات المتلاحقة الى تعاط غربي مختلف مع سوريا، وبقي إصرار واضح على محاولة عزلها، عبّر عنه الرئيس الفرنسي جاك شيراك عندما أعلن بوضوح عن رفضه الحوار معها بشأن الأزمة. أما المعلومات التي كُشف عنها في الآونة الأخيرة، وأبرزها تلك التي تضمنتها مقالة سايمور هيرش المنشورة في هذا العدد، فهي تعزز التحليل القائل بأن هذه الحرب أُعدّ لها منذ مدة طويلة، وبأنها تندرج ضمن الاستراتيجية الاقليمية لواشنطن الهادفة الى تفكيك شبكة التحالفات الاقليمية التي نسجتها طهران. قبل العدوان، نجحت الولايات المتحدة في بناء تحالف عريض يضم بين صفوفه غالبية الدول الأوروبية واسرائيل وبعض الأنظمة العربية للأسف، في مواجهة ما تسمّيه أدبيات المحافظين الجدد «تعاظم النفوذ الاقليمي لإيران». لكن صمود المقاومة الاسلامية وتداعياته على الأوضاع العربية الداخلية، دفع الأنظمة المذكورة إلى التراجع خطوة الى الوراء. غير أن التغيير الهزيل في المواقف الرسمية لم يصاحبه تغيير في لهجة بعض وسائل الإعلام المحسوبة عليها التي تتابع حملتها على المقاومة وتحميلها مسؤولية العدوان على لبنان كأن شيئاً لم يكن. الأمر نفسه ينطبق على الحلفاء اللبنانيين المحليين لهذه الأنظمة العربية. فهؤلاء لا يزالون يلوّحونون «بتصفية حساب» سياسية داخلية بعد العدوان. في ضوء الوقائع والحقائق المستجدة، من مصلحتهم أن يكفّوا عن ذلك.