تنشر «نيويوركر» اليوم هذا التحقيق لسايمور هيرش. ومثل العادة يكشف هذا الصحافي الاستقصائي الذي بات أشهر من أن يعرّف عن معطيات جديدة. الأطروحة التي يثبتها هي ان الحرب الاسرائيلية على لبنان كانت معدّة ويراد لها أن تكون «بروفه» الحرب المحتملة على ايران. في الايام التي دخل فيها حزب الله الى اسرائيل لخطف الجنديين متسببا بهجوم اسرائيلي جوي على لبنان وحرب كبيرة بدت ادارة بوش، غير فاعلة بشكل غريب، هذا وقت للتوضحيات" قال الرئيس بوش في اجتماع قمة الثمانية في بيترسبورغ، "اصبح واضحا الان لماذا لم يعم السشلام في الشرق الاوسط بعد" ووصف العلاقة بين حزب الله ومناصريه في ايران وسوريا كواحدة من "الاسباب الجذرية لعد الاستقرار" وقال لاحقا ان على هذين البلدين انهاء الازمة، وبعد يومين وعلى الرغم مندعوات حكومات عديدة للولايات المتحدة كي تقود المفاوضات من اجل انهاء النزاع قالت وزويرة الخارجية رايس ان وقف اطلاق النار يجب ان يتأجل حتى تصبح "الظروف ملائمة".
ولكن ادارة بوش كانت متورطة بشكل عميق في التخطيط للهجمات الاسرائيلية، الرئيس بوش ونائبه تشيني كانا مقتنعين بحسب مسؤولين حاليين وسابقين في المخابرات وديبلوماسيين، ان حملة هجمات جوية اسرائيلية ناجحة ضد حزب الله وضد الصورياخ المخزنة تحت الارض، والمجمعات القيادية في لبنان التابعة للحزب، ستزيل الهواجس الاسرائيلية الامنية وتخدم كمقدمة لهجوم اميركي استباقي في المستقبل لتدمير المفاعل النووي الايراني، والذي يقوم بعضها تحت الارض ايضا.
خبراء عسكريون واستخباراتيون اسرائيليون تحدثت معهم شددوا على ان الاعتبارات الامنية الاسرائيلية تكفي وحدها لمهاجمة حزب الله بصرف النظر عما تريده ادارة بوش. شتاي شافيت، وهو مستشار الامن القومي في الكنيست وسبق ان كان رئيسا للموساد (1989-1996) اخبرني "نقوم بما نظن انه الافضل بالنسبة لنا، واذا ما تلاءم ذلك مع المتطلبات الاميركية فهذا جزء من العلاقة بين الصديقين، حزب الله مسلح بشكل كبير ومدرب باحدث تقنيات حرب العصابات، كانت مجرد سألة وقت قبل ان نواجه الامر".
ينظر الى حزب الله في اسرائيل على انه خطر كبير، منظمة ارهابية تعمل على الحدود مع ترسانة عسكرية اصبحت اقوى منذ انتهاء الاحتلال الاسرائيلي للبنان العام 2000، وذلك بمساعدة سوريا وايران.
الامين العام حسن نصرالله قال انه لا يعترف بشرعية اسرائيل، المخابرات الاسرائيلية توقعت عند بداية الحرب الجوية ان حزب الله يملك حوالي خمسمئة صاروخ فجر 3 المتوسط المدى وفجر 5 ايضا متوسط المدى وبضع عشرات من صورايخ زلزال البعيد المدى. وصاروخ زلزال الذي يصل الى 200 كليومتر يستطيع ان يصل الى تل ابيب، وهو يملك ايضا اكثر من 12 الف صاروخ قصير المدى، ومنذ بداية الصراع اكثر من 3000 صاروخ اطلقت على اسرائيل.
وبحسب خبير في شؤون الشرق الاوسط يملك معلومات حول طريقة تفكير اسرائيل والحكومة الاميركية، فان اسرائيل وضعت خطة لمهاجمة حزب الله، واطلعت عليها مسؤولين في الادارة الاميركية، قبل 12 تموز بوقت طويل "ليس ان الاسرائيلييون وضعوا فخا سقط فيه حزب الله" يقول "ولكن كان هناك شعور عميق او قوي في البيت الابيض انه عاجلا ام اجلا سينفذ الاسرائيليون تلك الخطة".
ويقول الخبير ان الادارة تملك اسبابا عدة لدعم حملة القصف الاسرائيلية، وقد نظر الى الامر في داخل الادارة بصفته وسيلة لتقوية الحكومة اللبنانية لتتمكن من بسط سلطتها على الجنوب الذي يسسيطر حزب الله على معظمه. ويتابع "البيت الابيض كان اكثر تركيزا على تجريد حزب الله من صواريخه لانه اذا كان من خيار عسكري ضد المفاعل النووي الايراني يجب ان تتخلص من الاسلحة التي يمكن لحزب الله ان يستخدمها في اي هجوم محتمل على اسرائيل، واراد بوش الامرين، فهو يطارد ايران كجزء من محور الشر، ومفاعلها النووي وهو ايضا مهتم بمطاردة حزب الله كجزء من اهتمامه بالديموقراي كون لبنان واحد من جواهر تاج الديموقراطية في الشرق الاوسط.مسؤولون في الادارة الاميركية نفوا علمهم بمخطط اسرائيل للحرب الجوية، البيت الابيض لم يجب على لائحة طويلة من الاسئلة، وفي اجابة على طلب خاص قال متحدث باسم مجلس الامن القومي "قبل اعتداء حزب الله على اسرائيل لم تعط الحكومة الاسرائيلية اي مسؤول في واشنطن اي سبب للاعتقاد بان اسرائيل تخطط للاعتداء، وحتى بعد اعتداء 12 تموز لم نكن نعلم ما هي المخططات الاسرائيلية".
وقال متحدث باسم وزارة الدفاع "تبقى حكومة الولايات المتحدة ملتزمة بحل ديبلوماسي لازمة الاسرلحة النووية الايرانية". ونفى القصة وكذلك فعل متحدث باسم الادارة الاميركية.
تتشارك الولايات المتحدة واسرائيل معلومات استخباراتية وهما تملكان تعوانا عسركيا واستخباراتيا منذ عقود، ولكن منذ بداية هذا الربيع وبححسب مسؤول استخباراتي سابق رفيع المستوى فان مخططين رفيعي المستوى من سلاح الجو الاميركي، وبضغط من البيت الابيض لوضع خطة حربية لضرب المفاعل النووي الايراني، بداوا يتشاورون مع نظرائهم في سلاح الجو الاسرائيلي.
"السؤال الكبير بالنسبة لسلاحنا الجوي: كيف نضرب سلسلة من الاهداف فيس ايران بشكل ناجع" يقول المسؤول الاستخباراتي السابق، "من هو الحليف الاقرب للولايات المتحدة ولسلاح الجو الاميري في هذا التخطيط، ليس الكونغو، انها اسرائيل، فالجميع يعلم ان مهندسين ايرانيين قدموا استشارات لحزب الله حول الانفاق وتخزين الاسلحة تحت الارض لذا ذهب سلاح الجو الى الاسرائيليين ببعض التكتيكات الجديدة وقال لهم: دعونا نركز على القصف ونتشارك في ما نملكه حول ايران وما تملكونه حول لبنان".
ووصلت المحادثات الى قيادتي الاركان والى وزير الدفاع دونالد رامسفيلد كما يقول المسؤول السابق، "اخبرنا الاسرائيليون بانها ستكون حراب بخسة الثمن بفوائد كبيرة" كما قال مستشار حكومي اميركي رفيع المستوى، " فلما نعارض ذلك؟ سيكون بامكاننا تدمير الصواريخ والانفاق والملاجئ من الجو وسيكون ذلك مجسم لما سيحصل في ايران".
وقال مستشار في وزارة الدفاع ان البيت الابيض "كان يبحث منذ بعض الوقت عن سبب لضربة استباقية ضد حزب الله" واضاف لقد كان هدفنا اضعاف حزب الله، والان هناك من يقوم بهذا الامر غيرنا".
وبحسب ريتشارد ارميتاج الذي عمل كنائب وزير في ولاية بوش الاولى قال في العام 2003 ان حزب الله "ممكن ان يكون الفريق رقم واحد للارهابيين".
حملة اسرائيل في لبنان التي واجهت صعوبات غير متوقعة وانتقادات واسعة يمكن في النهاية ان تشكل انذارا للبيت الابيض بالنسبة لما سيواجهه في ايران."اذا كانت القوة الاكثر سيطرة في المنطقة، اي الجيش الاسرائيلي لم تستطع ان تنهي الوضع في لبنان، حيث عدد السكان اربعة ملايين، فعليك ان تفكر مليا قبل نقل هذا النموذج الى ايران التي تملك عمقا استراتيجيا وسبعين مليون نسمة" كما يقول ارميتاج، "الامر الوحيد الذي حققه القصف حتى الان هو توحيد السكان اللبنانيين ضد الاسرائيليين".
مسؤولون حاليون وسابقون عديدون مطلعون على شؤون الشرق لاوسط اخبروني ان اسرائيل اعتبرت خطف الجنديين فرصة للبدء بخطتها العسكرية ضد حزب الله، "حزب الله وبشكل دقيق كان يقوم بتحرشات بطيئة مرة كل شهر" يقول المستشار الاميركي، وقبل ذلك باسبوعين في نهاية حزيران، قام عناصر في حماس بحفر خندق تحت حاجز فاصل بين جنوب غزة واسرائيل وخطفوا جنديا اسرائيليا، حماس ايضا اطلقت عددا كبيرا من الصواريخ قرب المدن الاسرائيلية قرب الحدود مع غزة. وكرد على ذلك بدات اسرائيل حملة قصف شديدة واعادت احتلال اجزاء من غزة.
اشار مستشار وزارة الدفاع الاميركية ان احداثا صغيرة عبر الحدود قد حصلت بين حزب الله واسرائيل ومن الجهتين لوقت من الزمن، "كانوا يطلقون نيران القناصة ضد بعضهما"، "كان باستطاعة اي طرف منهما ان يشير الى اية حادثة ويقول يجب ان نقوم بحرب ضد هؤلاء، لانهما كانا اصلا في حالة حرب".
دايفيد شيغل، الناطق باسم السفارة الاسرائيلية في واشنطن قال ان سلاح الجو الاسرائيلي لم يكن ينتظر سببا لمهاجمة حزب الله "لم نخطط للحملة، لقد اجبرنا على هذا القرار"، كانت هناك العديد من الانذارات بان حزب الله "كان يضغط ليباشر هجومه" يقول شيغل."يقوم حزب الله بهجمات كل شهرين او ثلاثة اشهر" ولكن خطف الجنديين غير المعادلة.
في مقابلات مع اكاديميون وصحافيون وعسكريون متقاعدون مسوؤلون استخابارتيون اسرائيليون قالوا الشيء نفسه: يظنون ان القيادة الاسرائيلية وليس واشنطن هي من قرر القيام بحرب ضد حزب الله.
وتشير استطلاعات الرأي ان نسبة كبيرة من الاسرائيليين تدعم هذا الخيار "قد يكون المحافظون الجدد في واشنطن سعداء ولكن اسرائيل لم تكن بحاجة الى من يضغط عليها لانها كانت تسعى الى التخلص من حزب الله" كما يقول يوسي ململ وهو صحافي في جريدة هاآرتز وكتا عدة مؤلفات حول الاستخبارات الاسرائيلية "باثارة اسرائيل قدم حزب الله الذريعة".
"كنا نواجه ازمة" يقول مسؤول اسرائيلي، رئيس الوزراء ايهود اولمرت "كان عليه ان يقرر ما اذا كان سيذهب الى رد محدود وهذا ما كنا نفعله دائما، او الى رد اشمل، للتخلص من حزب الله نهائيا". واتخذ اولمرت قراره، يقول المسؤول، بعد سلسلة من محاولات الانقاذ الفاشلة في جنوب لبنان.
اخبرني المستشار الحكومي الاميركي صاحب الصلات باسرائيل انه ومن الزاوية الاسرائيلية وقبل اسابيع من العمليات الحربية فقد اصبح القرار بعمليات قاسية حتميا، ......
بعد اعتراض وحدة 8200 في المخابارت الاسرائيلية نهاية الربيع الماضي وبداية هذا الصيف لاتصال هاتفي بين حماس وحزب الله وخالد مشعل القيادي في حماس المقيم في دمشق، تبين ان احد هذه المكالمات لاجتماع بين قيادة حماس السياسية والعسكرية وشارك فيها مشعل هاتفيا، "وكانت حماس تعتقد بان اتصالها من دمشق مشفر ولكن اسرائيل كانت قد فكت التشفير" يقول المستشار. منذ عام تقريبا قبل انتصارها في الانتخابات الفلسطينية في كانون الثاني اوقفت حماس عملياتها الارهابية، وفي الاتصال الذي تم اعتراضه في نهاية ايار اخبرني المستشار ان "قيادة حماس قالت انها لم تجن اي مكسب من توقيف العمليات، وانا تخسر شعبيا بين الفلطسينيين"، الخلاصة من ذلك كما يقول "فلنعد الى الارهاب ولنسع الى كسب تنازلات من الحكومة الاسرائيلية".
واخبرني المستشار ان الولايات المتحدة واسرائيل اتفقتا انه وبحال قيام قيادة حماس بذلك واذا ما دعمها نصرالله يجب ان يكون "الرد شاملا". وفي الاسابيع التالية، وعندما بدات حماس بحفر النفق داخل اسرائيل، يقول المستشار، ان وحدة 8200 "التقطت اشارات استخباراتية تتعلق بحماس وسوريا وحزب الله وتقول ما مفاده انهم يريدون ان يسخن حزب الله الجبهة الشمالية". وفي احد هذه الاعتراضات الهاتفية كما يقول المستشار فان "نصرالله اشار الى اولمرت وبيريتز بـ"انهما يبدوان ضعيفين"، مقارنة برئيسي الوزراء السابق ارييل شارون وايهود باراك الذين كانا يملكان خبرة عسكرية طويلة". وقال"اعتقد نصرالله ان اسرائيل سترد بشكل صغير ومحدود كما فعلت في السابق". وفي بداية هذا الصيف، وقبل عملية الخطف التي قام بها حزب الله، يقول المستشار صاحب الصلات باسرائيل بان مسؤولين اسرائيليين عدة زاروا واشنطن بشكل منفرد "للحصول على ضؤ اخضر للعملية العسكرية، ولمعرفة ما يمكن ان تسمح به الولايات المتحدة"، واضاف المستشار "بدات اسرائيل مع تشيني، وكانت تريد ان تتأكد انها حاصلة على دعمه ودعم مكتبه، ومكتب الشرق الاوسط في مجلس الامن القومي"، وبعد ذلك "فان اقناع بوش لم يكن مشكلة على الاطلاق وكوندي رايس كانت موافقة ايضا" بحسب المستشار.
المخطط الاولي كما طرحه الاسرائيليون دعا الى حملة قصف كبيرة كرد على تحرشات حزب الله المقبلة، بحسب خبير الشرق الاوسط المطلع على اساليب تفكير الاسرائيليين والاميركيين، كانت اسرائيل تعتقد انها باستهداف البنية التحتية اللبنانية كالجسور وخزانات الوقود وحتى مدرجات مطار بيروت تستطيع ان تقنع المسيحيين والسنة اللبنانيين بالانقلاب على حزب الله، بحسب المسؤول الاستخباراتي الكبير السابق، المطار الطرق السريعة والجسور من ضمن اهداف اخرى، ضربت فعلا في حملة القصف التي اطلق فيها سلاح الجو الاسرائيلي ما يقارب 9 الاف مهمة قتالية حتى الاسبوع الماضي (دايفيد شيغل المتحدث الاسرائيلي قال ان اسرائيل استهدفت فقط الموقاع المرتبطة بحزب الله، وكان قصف الجسور والطرقات لمنع نقل الاسلحة).
الخطة الاسرائيلية بحسب المسوؤل الاستخباراتي الكبير السابق "كانت صورة مطابقة لما كانت الولايات المتحدة تخططه بالنسبة لايران" (مقترحات سلاح الجو الاميركي الاولية لضربة جوية تدميرية للقدرات النووية الايرانية والتي تضمنت خيار القصف المكثف للبنية التحتية المدنية داخل ايران، واجه مقاومة من القيادة العليا للجيش والبحرية ومشاة البحرية بحسب مسؤولين حاليين وسابقين، وكانت حجتهم بان خطة السلاح الجوي لن تكون فاعلة وستؤدي حتما، كما حصل في الحر بالاسرائيلية ضد حزب الله، الى توريط المشاة بحرب برية).
اوزي اراد الذي عمل لاكثر من عقدين في الموساد اخبرني انه وبحسب علمه فان الاتصالات بين الحكومتين الاميركية والاسرائيلية كانت عادية وانه "في كل اجتماعتي ومحادثاتي مع مسؤولين حكوميين لم اسمع قط من يشير الى تنسيق مسبق مع الولايات المتحدة". لكن امرا واحدا كان يشغله وهو السرعة التي ذهبت فيها حكومة اولمرت الى الحرب "في حياتي كلها لم اشهد قرار الذهاب الى الحرب اتخذ بهذه السرعة"، "وعادة ما نقوم بتحليلات طويلة (قبل اتخاذ قرار الحرب)".
والمخطط العسكري الحقيقي هو رئيس اركان الجيش الاسرائيلي دان حالوتس الذي عمل طيلة حياته المهنية في سلاح الجو الاسرائيلي على مخطط حرب جوية ضد ايران. اولمرت وهو رئيس بلدية القدس سابقا وبيريتز قائد عمالي سابق لا يملكان خبرات عسكرية مماثلة لحالوتس، وفي المحادثات الاولية مع المسؤولين الاميركيين اخبرني المختص في شوؤن الشرق الاوسط والمستشار الحكومي ان الاسرائيليين اشاروا مرارا الى الحرب في كوسوفو كمثال على ما ستحاول اسرائيل ان تحققه، قوات الناتو وعلى رأسها الجنرال الاميركي وسلي كلارك قصفت بشكل منهجي اهدافا عسكرية ولكن ايضا انفاقا وجسورا وطرقات في صربيا وكوسوفو طيلة 72 يوما قبل اجبار القوات الصربية على الانسحاب من كوسوفو "درست اسرائيل حرب كوسوفو كنموذج لها" يقول المستشار الحكومي "اخبر الاسرائيليون كوندي رايس لقد فعلتموها بحوالي سبعين يوما ولكننا نحتاج الى نصف هذه المدة، اي 35 يوم".
وتوجد بالطبع فروقات شاسعة بين لبنان وكوسوف، كلارك الذي تقاعد من الجيش العام 2002 وفشل في الحملة الرئاسية عن الحزب الديموقراطي العام 2004، يقول "ان كان صحيحا ان الحملة الاسرائيلية ترتكز على المقاربة الاميركية في كوسوفو، فهي بخطر، حملتنا ارتكزت على استخدام القوة للوصول الى هدف ديبلوماسي، ولم تكن حملة لقتل السكان".
يشير كلارك في كتابه العام 2001 "اعلان الحرب الحديثة" ان التهديد باحتمال اجتياح بري اضافة الى القصف هو ما اجبر الصرب على انهاء الحرب.
واخبرني كلارك "بحسب خبرتي فان الحملات الجوية يجب ان تدعم في نهاية المطاف بالقدرة وارادة انهاء المعارك بحرب برية".
وذكرت كوسوفو علنا من قبل صحافيون ومحللون اسرائيليون منذ بداية الحرب، وفي السادس من اب قال رئيس الحكومة اولمرت في رده على الادانة الاروبية لقتله مدنيين لبنانيين "من اين لهم الحق في وعظ اسرائيل، لقد هاجمت الدول الاوروبية كوسوفو وقتلت عشرة الاف مدني!" عشرة الاف من دون ان يعاني اي من تلك البلدان من صاروخ واحد، ولا اقول ان التدخل في كوسوفو كان خاطئا ولكن ارجوكم لا تعظونا حول معاملة المدنيين" (قدرت منظمة هيومن رايتس واتش عدد القتلى المدنيين بقصف الناتو بخمسمئة والحكومة اليغسلافية قدرت الرقم بالف ومئتين وخمسة الاف).
ودعم مكتب تشيني الخطة الاسرائيلية وكذلك فعل اليوت ابراهام وهو مساعد مستشار في مكتب الامن القومي، بحسب مسؤولين عدة حاليين وسابقين.ونفى ناطق باسم مجلس الامن القومي موافقة ابراهام.
لقد اعتقدا (تشيني وابراهام) ان على اسرائيل الاسراع في حربها الجوية ضد حزب الله، ويقول مسؤول استخباراتي سابق "لقد قلنا لاسرائيل اذا اردتم ان تذهبوا الى الحرب فنحن وراءكم الى اخر الطريق، ولكننا نستحسن الاسراع والابكار في الحرب بقدر الامكان، فكلما تأخرتم في بدء الحرب كلما ضاق الوقت بالنسبة لنا للتقييم والتخطيط لايران قبل نهاية ولاية بوش".
يقول مسؤول الاستخبارات الكبير السابق ان وجهة نظر تشيني كانت "ماذا لو نفذ الاسرائيليون هذا الجزء في البداية ونجحوا في ذلك؟ سيكون الامر رائعا، نستطيع ان نتعلم ما سنفعله في ايران عبر مشاهدة ما يفعله الاسرائيليون في لبنان".
اخبرني مستشار البنتاغون ان معلومات استخباراتية متعلقة بحزب الله وايران اسيء استخدامها من قبل البيت الابيض بالطريقة نفسها التي اساءت فيها الادارة استخدام المعلومات بقضية املاك العرق لاسلحة الدمار الشامل، "الشكوى الكبرى الان في مجموعة الاستخبارات ان كل االمور المهمة ترسل مباشرة الى اعلى الهرم، وذلك تنفيذا لطلب من البيت الابيض من دون ان يصار الى تحليل هذه المعلومات" كما يقول "انها سياسة رديئة وتخرق كل بنتية وكالة الامن القومي الاميركية، والاحتجاج عليها يقودك الى الطرد" بحسب ما يقول"وكانت لتشيني اليد الطولى في هذه السياسة".
ان الهدف البعيد المدى للادارة هو تركيب تحالف سني عربي يضم دولا كالعربية السعودية الاردن ومصر وينضم الى الولايات المتحدة واوروبا في الضغط على النظام الشيعي في ايران "لكن الفكرة وراء هذه الخطة كانت ان اسرائيل ستهزم حزب الله، لا ان تخسر امامه" بحسب ما يقول المستشار صاحب الصلات القوية باسرائيل.
بعض المستشارين في مكتب تشيني ومجلس الامن القومي اصبحوا على قناعة بعد محادثات خاصة ان تلك الدول قد تخفض من انتقاداتها العلنية لاسرائيل وتلوم حزب الله لخلقه الازمة التي ادت الى الحرب، وعلى الرغم من قيامهم بذلك في البداية، فقد غير مواقفهم بعد الاعتراضات الداخلية عندهم على القصف الاسرائيلي، واصيب البيت الابيض بخيبة امل واضحة فينهاية الشهر الماضي حين جاء الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية الى واشنطن والذي دعا بعد لقائه بوش، الرئيس للتدحل لايقاف فوري للحرب.
ونقلت الواشنطن بوست ان واشنطن املت في ادراج الدول العربية المعتدلة "في جهد للضغط على سوريا وايران لتحجيم حزب الله، لكن الخطوة السعودية .... بدت محبطة لهذه المبادرة".
ان قوة مقاومة حزب الله المفاجئة وقدرته المستمرة على اطلاق صورايخ على شمال اسرائيل في ظل القصف الاسرائيلي المستمر، وكما اخبرني الخبير في شؤون الشرق الاوسط "هي ضربة كبيرة للذين يريدون استخدام القوة ضد ايران في البيت الابيض، واولئك الذين راهنوا على ان القصف سيخلق معارضة داخلية وثورة في ايران تراجعوا هم ايضا".
وعلى الرغم من ذلك فان بعض المسؤولين العاملين مع قيادة الاركان المشتركة (الاميركية الاسرائيلية) بقوا قلقين من ان الادارة الاميركية ستقوم بتقييم اكثر ايجابية للحملة الجوية مما يفترض بها ان تكون، كما يقول المسؤول الاستخباراتي السابق. "لا يمكن ان يستخلص رامسفيلد وتشيني العبر الصحيحة مما حدث" يضيف "حين ينجل الدخان سيقولان ان ذلك كان نجاحا وسيستخلصان ان ذلك يشكل دعما لخطتهما للهجوم على ايران".
في البيت الابيض وخاصة في مكتب نائب الرئيس يعتقد العديد من المسؤولين ان الحملة العسكرية ضد حزب الله ناجحة ويجب ان تستمر، وفي الوقت نفسه يقول المستشار الحكومي ان بعض صانعي السياسات في الادارة استخلصوا ان ثمن قصف المجتمع اللبناني كان مرتفعا "يقولون للاسرائيليين انه حان الوقت لوقف الهجمات على البنى التحتية".
تبرز في اسرائيل انقاسامات مماثلة، دايفيد شيغل المتحدث الاسرائيلي قال ان قيادة بلده تعتقد منذ بداية اب ان الحرب الجوية كانت ناجحة وانها دمرت اكثر من سبعين في المئة من مراكز حزب الله وقدراته الصاروجية طويلة المدى. "المشكلة هي في الصواريخ قصيرة المدى التي يمكن اطلاقها من المناطق المدنية ومن المنازل" كما يقول شيغل. "الطريقة الوحيدة لحل هذه المشكلة هي العمليات البرية، وهو ما سيضطر اسرائيل لتوسيع عملياتها البرية اذا لم تنجح المحادثات الديبلوماسية".
لكن كان واضحا الاسبوع الماضي ان الحكومة الاسرائيلية كانت تشهد ارتباكا في سير المعارك، وفي خطوة غير اعتيادية عين الجنرال موشي كابلنسكي، وهو نائب لحالوتس، كقائد للعملية، الى جانب الجنرال اودي ادم، فاسرائيل قلقة من امكانية تصعيد نصرالله للازمة عبر اطلاق صورايخ على تل ابيب "هناك نقاش كبير حول مدى الخسائر التي يجب ان تحدثها اسرائيل للحؤول دون قصف تل ابيب" يقول المستشار. "اذا ضرب نصرالله تل ابيب ما الذي يجب ان تفعله اسرائيل، ان هدفها هو درء المزيد من الهجمات عبر افهام نصرالله انها ستدمر بلده اذا لم يتوقف وتذكير العالم العربي ان اسرائيل تستطيع ان تعيده عشرين عاما الى الوراء، لقد خرجنا عن الاصول القديمة للعبة".
واخبرني مسوؤل استخباراتي اوروبي "لقد وقع الاسرائيليون في فخ نفسي، في الاعوام الماضي اعتقدوا انهم يمكنهم حل مشكلاتهم بالقوة، ولكن حاليا ومع العمليات الاستشهادية الاسلامية تغيرت الامور وهم بحاجة لاجابات مختلفة، فكيف تخيف اناس يعشقون الشهادة" ان المشكلة في محاولة القضاء على حزب الله، بحسب المسؤول الاستخباراتي، هي صلات الحزب بالسكان الشيعة في جنوب لبنان وسهل البقاع والضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، حيث يدير الحزب مدارس ومستشفيات واذاعة واعمالا خيرية عديدة.
واخبرني مخطط عسكري امركي رفيع المستوى "لدينا العديد من نقاط الضعف في المنطقة، وتناقشنا في بعض نتائج هجوم ايراني او من قبل حزب الله على النظام السعودي وعلى البنية التحتية النفطية"، وهناك قلق خاص في البنتاغون بحسب ما يقول بالنسبة للدول المنتجة للنفط شمال مضيق هرمز "علينا استشراف النتائج غير المتوقعة" كما اخبرني "هل سيكون باستطاعتنا تحمل برميل نفط بسعر مئة دولار؟ وثمة تفكير شبه كوميدي بانك تستطتيع القيام بكل شيء من الجو، حتى حين تواجه عدوا غير اعتيادي وبقدرات كبيرة، لن يكون بامكانك النجاح الا بواسطة الضغط البري، لكن القيادة السياسية لا تأخذ بعين الاعتبار الاحتمال الاسواء، فهم يريدون ان يسمعوا فقط الافضل".
هناك دلائل على توقع ايراني للحرب ضد حزب الله، فالي نصر وهو خبير في الشؤون الشيعية والايرانية، ويشغل منصبا في مجلس العلاقات الخارجية واستاذ في كاليفورنيا، يقول "ان كل تحرك اميركي سلبي ضد حزب الله ينظر اليه في ايران كجزء من حملة اكبر ضدها، وقد بدأت ايران تحضر "للعرض النهائي" عبر مد حزب الله باسلحة اكثر تطورا كالصواريخ المضادة للدبابات والسفن، اضافة الى تدريب مقاتليه على استخدام هذه الاسلحة، ويقوم حزب الله الان باختبار اسلحة ايران الحديثة، وتنظر ايران الى ادارة بوش على انها تحاول تهميش دورها الاقليمي، ولهذا تفتعل المشكلات".
نصر وهو ايراني اميركي نشر مؤخرا دراسة حول الانفسام السني الشيعي وعنوانها النهضة الشيعية قال ايضا ان القيادة الايرانية تعتقد ان هدف واشنطن السياسي البعيد هو استقدام قوة دولية لأداء دور العازل، للفصل بين لبنان وسوريا، في محاولة لعزل حزب الله وتجريده من سلاحه، إذ أنّ إمدادات الحزب تمرّ أساساً عبر سوريا. يقول نصر "إنّ العمل العسكري لا يمكن أن يؤدي إلى النتائج السياسية المرجوّة". إنّ شعبية الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وهو متشدّد في عدائه لإسرائيل، كبيرة داخل بلده. إذا هاجمت الولايات المتحدة قدرات إيران النووية، يقول نصر، "قد ينتهي الأمر بتحويل أحمدي نجاد إلى نصرالله آخر- نجم الشارع العربي".
دونالد رامسفيلد، وهو أحد المسؤولين الأكثر سطوة وسلطة في الإدارة الأميركية، لم يدلِ إلا بتصريحات علنية قليلة حول الأزمة اللبنانية. موقفه الهادئ نسبياً، مقارنة برؤيته الهجومية خلال حرب العراق، أثار نقاشاً في واشنطن حول موقفه من هذه القضية.
بعض المسؤوليين الاستخباراتيين الحاليين والسابقين الذين تمت مقابلتهم تحضيرا لهذا الموضوع، يعتقدون ان رامسفيلد لا يوافق بوش وتشيني على موقفهما حول الدور الاميركي في الحرب بين اسرائيل وحزب الله.
المستشار الحكومي الاميركي صاحب الصلات الوثيقة باسرائيل يقول ان رامسفيلد ....... في مقاربته الحرب الاسرائيلية" ويضيف "القوة الجوية واستخدام بعض القوات الخاصة نجحت في افغانستان، ويحاول تطبيق الشيء ذاته في العراق، فقد كانت الفكرة نفسها الا انها لم تنجح، واعتقد ان حزب الله حفر عميقا وان الخطة الهجومية الاسرائيلية لن تنجح وان اخر ما يريده هو حرب اخرى خلال ولايته تضع القوات الاميركية في العراق تحت اخطار اشد".
ويقول ديبلوماسي غربي انه فهم ان رامسفيلد لم يكن مطلعا على كل تفاصيل الخطة الحربية "انه غاضب، وقلق على قواته" في العراق، كما يقول الديبلوماسي، لقد خدم رامسفيلد في البيت الابيض خلال السنة الاخيرة في حرب فيتنام التي انسحبت منها القوات الاميركية العام 1975 "وهو لا يريد ان يرى امرا كهذا (الحرب على لبنان)يؤثر في العراق".
ان قلق رامسفيلد، يقول الديبلوماسي، يكمن في ان توسيع الحرب الى داخل ايران يمكن ان يضع القوات الاميركية في العراق تحت خطر هجمات ميليشيات شيعية موالية لايران.
وفي موجز من وزارة الدفاع الاميركية الى السناتور في الثاني من اب، بدا رامسفيلد اقل من متحمس اثار الحرب على القوات الاميركية في العراق، وحين طرح امامه السؤال عما اذا كانت الادارة واعية لاثار الحرب على العراق قال انه في خلال لقائه مع بوش ورايس "هناك تجاوب للرغبة بعدم تعريض بلدنا او مصالحنا او قواتنا لخطر اكبر كنتيجة لما يحصل بين اسرائيل وحزب الله، هناك اخطار متنوعة نواجهها في المنطقة والوضع صعب وحساس".
مستشار البنتاغون يستبعد الحديث عن انقسامات في اعلى هرم الادارة الاميركية، وقال ببساطة "رامي (راسمفيلد) هو جزء من الفريق يحب ان يرى حزب الله محجما، لكنه ايضا مناصر لقصف اقل وعمليات برية اسرائيلية اكثر فاعلية".
مسؤول استخباراتي كبير سابق راى ان رامسفيلد "سعيد لكون اسرائيل حصاننا المنتدب".
هناك ايضا اسئلة حول موقف كونداليزا رايس، فدعمها الاولي للحرب الجوية الاسرائيلية ضد حزب الله بدأ بخفت نتيجة امتعاضها من اثار االاعتداءات في جنوب لبنان، يقول مستشار البنتاغون انها في اوائل اب بدات تتحرك فرديا داخل الادارة للسماح لها بمحادثات ديبلوماسية مباشرة مع سوريا، لكن من دون نجاح حتى الان، الاسبوع الماضي نقلت صحيفة التايمز ان رايس ارسلت مسؤولا في السفارة في دمشق للقاء وزير الخارجية السوري، رغم ان الاجتماع لم يؤد الى اية نتيجة. ونقلت التايمز ايضا ان رايس ترى نفسها لا تحاول ان تكون صانعة سلام في الخارج وحسب وانما ايضا وسيطا بين الافرقاء المتنازعة داخل الادارة" وتشير المقالة الى وجود انقسام بين ديبلوماسيين في الادارة والمحافظين في الحكومة بمن فيهم تشيني وابرهام "الذين كانا يضغطان من اجل دعم اميركي قوي لاسرائيل".
واخبرني الديبلوماسي الغربي ان سفارته تعتقد ان ابراهام بدا بالظهور كصانع اساسي للسياسة في الملف الايراني والازمة الحالية بين حزب الله واسرائيل وان دور رايس تراجع نسبيا، ويقول الديبلوماسي ان رايس لم تكن ترغب في القيام بجولتها الديبلوماسية الاخيرة الى الشرق الاوسط "كانت تريد الذهاب فقط في حال وجود فرصة حقيقية لوقف اطلاق النار".
يبقى اقوى الداعمين لبوش في اوروبا هو رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، لكن العديد من داخل وزارة الخارجية الريطانية كما يقول الديبلوماسي السابق، يعقتدون انه "ذهب بعيدا في تأييده (لبوش)" خاصة في موافقته على رفض بوش البحث في وقف فوري وشامل لاطلاق النار بين اسرائيل وحزب الله "يقف بلير وحيدا في ذلك" يقول ديبلوماسي سابق "الازمة ستبدا فعليا في نهاية اب"يضيف الديبلوماسي، "حين سيقول الايرانيون لا" لوقف تخصيب الايروانيون وفقا للموعد النهائي الذي وضعته الامم المتحدة.
حتى الذين يستمرون في دعمهم لحرب اسرائيل ضد حزب الله يوافقون ان الحرب فشلت في تحقيق احد اهم اهدافها – توحيد اللبنانيين ضد حزب الله، "القصف الاستراتيجي اثبت منذ 90 عاما انه مفهوم عسكري فاشل، ولكن القوات الجوية في كل العالم تستمر في القايم به" كما يقول جون اركيلا وهو محلل دفاعي في مدرسة نافال في كاليفورنيا.
ويقوم اركيلا بحملة تنجح بشكل تصاعدي ومنذ اكثرمن عقد، لتغير الطريقة التي تحارب بها اميركا الارهاب "الحرب اليوم ليس كتلة ضد كتلة" كما يقول، "يجب ان تعمل كشبكة كي تهزم شبكة، لقد ركزت اسرائيل على القصف ضد حزب الله وحين لم تنجح اصبحت اكثر عدائية على الارض، ان تعريف الجنون الاستمرار في القايم بالشيء نفسه وتوقع نتائج مختلفة".